البطريرك يوحنا العاشر في رسالةٍ إلى البطريرك المسكوني:
“نأسف لقرار الحكومة التركية الأخير بشأن كنيسة الحكمة المقدسة ونعبر عن استنكارنا وشجبنا لكل ما يمكن أن يزيف الهوية التاريخية لبلادنا”.
دمشق، 13 تموز 2020.
استنكر البطريرك يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس القرار التركي الأخير بشأن كنيسة الحكمة المقدسة في القسطنطينية. موقف البطريرك جاء في رسالة بعث بها إلى البطريرك المسكوني برثلماوس جاء فيها:
الأخ الكلي القداسة،
“كجلال الجَلَد العقلي أظهرت حسن المسكن المقدس السفلي مسكنِ مجدك يا رب.
فشدده إلى دهر الداهرين واستجب لنا نحن المقدمين لك فيه التضرعات بلا انقطاع بشفاعة والدة الإله
يا حياة الكل وقيامتهم.
بهذه الكلمات اختارت يراع ناظم التسابيح وصف كنيسة الحكمة المقدسة التي دشنت في القسطنطينية أواسط القرن السادس. وبهذه الكلمات دشنت كنيسة القسطنطينية المقدسة، ومعها كل مسيحيي المشرق، هذه الدرة الكنسية والمعمارية المقدسة والنفيسة ناظرةً فيها شيئاً من بهاء المسكن السماوي مسكن الله القدوس العلي. وقد بقيت الكلمات ذاتها في الليتورجيا الكنسية وكأنها تذكرنا أن مجد الأرض فيه شيء من مجد السموات مهما تسامى ذاك الآخر عليه. صحيحٌ أن مجد السموات هو مجد النفس العامرة بالتواضع لكن هذا لا يلغي أن عين الإنسان تواقة أيضاً لترى شيئاً من عظمة السماء ومن رمز السماء هنا على الأرض. إذ نقول كل هذا يرتسم أمامنا لاهوت كنيسة أنطاكية التفسيري والذي ينطلق من الملموس والعينيّ ليداني غير الملموس ويشدد على الجسد كما يشدد على الروح أيضاً.
إذ نقول كل هذا ترتسم أمامنا صورة كنيسة الحكمة المقدسة في القسطنطينية والتي يعكس مجدها الأرضي شيئاً من عظمة السماوي. نقول هذا وكلنا يعرف تاريخ هذه الكنيسة وما آلت إليه في أوائل القرن العشرين. نقول هذا ونحن نعلم نوازل وصواعد التاريخ التي أدت إلى تحويلها متحفاً في القرن الماضي.
أيها الأخ الكلي القداسة،
سمعنا وببالغ الأسف قرار الحكومة التركية تحويل كنيسة الحكمة المقدسة من الوضع الذي كانت عليه إلى جامع. نأسف لهذا القرار ونعبر عن استنكارنا وشجبنا لكل ما يمكن أن يزيف الهوية التاريخية لبلادنا. إن القرار الأخير يصب في خانة تهميش الوجود المسيحي في الشرق إن لم نقل محاولة الإجهاز على ما تبقى من دور ريادي ووجودٍ مسيحي متعايش بسلام مع بقية المكونات الدينية؛ وشواهد التاريخ على التسامح والأخوة الدينية ضمن الاحترام المتبادل هي كثيرة. يأتي هذا القرار لينسف كل الجهود التي تتطلع عبرها دول هذا الشرق لبناء دول المواطنة التي تحترم التنوع الديني وتعزز قيم العلمنة الإيجابية. فإذ به يعود إلى نكء جراحٍ تعزز ويا للأسف التطرف وإلغاء الآخر.
نحن معكم أيها الأخ الكلي القداسة في وحدة صلاة من أجل كنيستكم المقدسة ومن أجل هذا الشرق الجريح. نحن معكم في كل جهدٍ تضعونه لتعززوا وجودكم في أرضكم وأرض أجدادكم في كنيسة القسطنطينية روما الجديدة التي تربطنا إليها كل أخوةٍ ووحدة إيمانٍ بيسوع المسيح رباً ومخلصاً.
وإذ نعانق قداستكم في المسيح، ننقل إليكم تضامن مؤمنينا في كنيسة أنطاكية وسائر المشرق ونسأل الرب المخلص أن يمنحكم سنين مديدة في خدمة الرعية المقدسة موردين إياها منابع الخلاص”.