نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 12 كانون الثّاني 2020
العدد 2
الأحد بعد عيد الظّهور الإلهيّ
اللّحن 5- الإيوثينا 8
أعياد الأسبوع: *12: الشّهيدتان تتياني و آفستاسيا، البارّ فيلوثاوس الأنطاكيّ *13: الشّهيدان أرميلس واستراتونيكس، البارّ مكسيموس (كَفسوكاليفيا) *14: وداع عيد الظّهور الإلهيّ، الآباء المقتوّلون في سيناء ورايثو *15: البارّان بولس الثّيبيّ ويوحنّا الكوخيّ *16: السّجود لسلسلة بطرس المكرّمة، الشّهيد دَمَسكينوس *17: القدّيس أنطونيوس الكبير معلّم البرّيّة، الشَّهيد جاورجيوس الجديد (يوانّينا) *18: أثناسيوس وكيرلّلس رئيسا أساقفة الإسكندريّة.
كلمة الرّاعي
معلّم البرّيّة
القدّيس أنطونيوس الكبير أدرك عدميّة الوجود بعيدًا عن الله حين رأى والده صاحب الأموال الكثيرة والأملاك الجزيلة مُسجًّى أمامه ميتًا، حينها صُدِم بحقيقة الإنسان الفانية وكيف أنّه لا مال ولا جاه ينفع أحدًا عندما توافيه المنيَّة! ...
من هو القادر أن يتمِّم وصيّة التّخلِّي: ”يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلًا الصَّلِيبَ“ (مرقس 10: 21). هذه الآية دفعت بالقدّيس أنطونيوس أن يبيع كلّ ما له ويوزّعه على الفقراء ويخرج من العالم طالبًا وجه باريه.
تنسَّك القدّيس أنطونيوس خمس وثمانين سنة في البرّيّة والصّحراء وتنقّى وحصل على نِعَمٍ روحيّة كثيرة وصار أبًا لرهبان كثيرين، فامتلأت الصحراء بالرّهبان والنّساك بسببه. النّاس كانوا يأتون إليه من كلّ حدب وصوب طلبًا لكلمة حياة وللحكمة الإلهيّة الّتي منحته موهبة التّمييز والتّعزية والشّفاء. هذا كلّه اقتناه بنعمة الله لأنّه كان أمينًا لله، فهو يقول: ” إنْ سَلـَّحَ الإنسانُ نفسَهُ بأمانـَةٍ لا تنثني نحوَ وَصايا الله، فإنَّ الرُّوحَ القـُدُسَ سَيُعلّمُهُ كيفَ يُطـَهِّرُ نفسَهُ وجَسَدَهُ“. هذا هو سرُّ نموّه الرّوحيّ وتطهُّره وصيرورته مسكنًا للرّوح القدس.
* * *
لا شكّ أنّ المسلك الرُّهبانيّ يناقض منطق العالم، إذ هو مسيرة تتنافى مع ما يطلبه أهل الدُّنيا. فالرّاهب يطلب الفقر المادّي بينما النّاس يطلبون الغنى الأرضيّ، البشر يطلبون تحقيق مشيئتهم وأن يُطيعهم الآخرون والرّهابين يطلبون مشيئة الله وأن يطيعوا الله في الآخَرين، كلّ ما يقتنيه أبناء هذا الدَّهر يسخّرونه للحصول على اللّذّة أمّا الّذين تركوا العالم فيبدّدون كلّ ما عندهم للتّحرُّر من شهوات هذا العالم الباطلة، أهل البسيطة لا يطيقون الانتظار لإشباع حاجاتهم ويدهمهم اليأس سريعًا أمّا طالبو السّماء فينتظرون خلاص الرّبّ متشدِّدين بالرَّجاء الَّذي لا يخزى ... بنو آدم السّاقِط تحرُّقهم لمديح النّاس والمجد الباطل أمّا أبناء الله فراحتهم في الهوان لأجل المسيح والهروب من تعظيم النّاس لهم ليُعطى التّمجيد لله. من هنا وصيّة القدّيس أنطونيوس للرُّهبان والمؤمنين أنّه ”علينا أن نسعى وراء الأشياء الّتي تبقى معنا عند الممات وهي: المحبّة وحبّ الفقراء والإيمان بيسوع المسيح ووداعة القلب والضّيافة…“.
* * *
القدّيسون تتنقّى قلوبهم فيَرَوْن بِعَيْن الله المُستقبَلات. لذلك، تنبَّأ القدّيس أنطونيوس حول أزمنة الضّلالة، الّتي دخلنا فيها، قائلًا: ”سيأتي وقت يصير فيه البشر مجانين. وعندما يرون إنسانًا عاقلًا سينهضون عليه قائلين: أنت مجنون. والسّبب كونه يختلف عنهم“. هذا هو سبب الحرب على الكنيسة، بعامّة، والأرثوذكسيّة بشكلٍ خاصّ لأنّ الحقّ يُزَيَّف في هذا الزّمن الّذي صار فيه قتل الأجِنَّة والأطفال في أحشاء أمّهاتهم مُشرَّعًا بقوانين الدّول الّتي تحارب المسيح، بالإضافة إلى تشريع المثليّة الجنسيّة وكلّ ما يتعلَّق بالحرّيّة الجنسيّة وعبادة الشّياطين وقتل العباد وتدمير البلاد باسم الدّيمقراطية وحقوق الشّعوب بحياة أفضل ... الفساد والباطل صارا في ناموس أقوياء هذا الدّهر والمتسلِّطين مقاييس الصّلاح والحقّ. لقد دنت النّهاية واستفحل الشّرّير في تسيّده على بني آدم إذ أضلّ عقولهم بشهوة السّلطة وهوى اللّذّة فصار درب حياتهم موت وحياة السّالكين في الإيمان الحقّ تحدِّيًا لهم يدفعهم إلى التّوَغُّل في غِيّهم واضطهادهم لمسيح الرَّبّ وشهوده ... هذا كلّه لا يُخيف المُختارين، لأنّهم يسلكون بالاتّكال الكامل على الله والشّكر، لذلك لا يفارقهم فرح الرَّبّ ويكونون في الرّاحة في نومهم وقيامهم. هذا ما يعبِّر عنه القدّيس أنطونيوس قائلًا: ”عندما تنام على سريرك، تذكّر بركات الله، وعنايته بك، وأشكره على هذا، فإذ تمتلئ بهذه الأفكار تفرح في الرّوح وعندئذ يكون نوم جسدك فيه سموّ لنفسك، وإغلاق عينيك بمثابة معرفة حقيقيّة لله. وصمتك وأنت مشحون بمشاعر صالحة هو تمجيد لله القدير من كلّ القلب وكلّ القوّة، مقدِّمًا لله تسبيحًا يرتفع إلى الأعالي“.
* * *
أيّها الأحبّاء، لنتعلّم من قدّيسنا الأمانة للرَّبّ وأن لا نخاف من مواجهة ظلمة هذا العالم، فإنَّ النُّورَ قد غَلَبَ والشَّرَّ قد أُبيد لأنّ المسيح قد حقَّق لنا هذا في ذاته بصلبه وقيامته وصعوده. نحن نقتني هذا الخلاص متى آمنَّا بالمسيح وسكن فينا روحه القدّوس. القدّيس أنطونيوس هو قدوة لنا في اتّباع الرَّبّ وحياته وجهاده وفضائله تحثّنا أن نتبع المسيح غير هيّابين الصّعاب لأنّ الرَّبّ هو الّذي يغلب. صحيح أنّ قدّيسنا كان راهبًا وناسكًا، ولكنّه نبراسٌ يضيء بأشعة الحقّ وشاهِدٌ بالعمل والقول لحقيقة وعود الله وتحقيقها في الَّذين يطيعونه ويسلكون بمقتضى وصاياه، لذلك، سلك كما علّم إذ قال: ”حياتنا وموتنا هما مع قريبنا، فإن ربحنا قريبنا نربح الله، وإن أعثرنا قريبَنا نخطئ ضدّ المسيح“. طريق الحياة الأبديّة واضِحٌ، من يسلكه يصل حتمًا إلى معرفة الله ويتقدَّس. سرُّ النّجاح هو التّواضع والجهاد بروح المحبّة الأولى. التّواضع لأنَّ الرَّبّ كشف لقدّيسنا هذا الأمر، قال: ”رأيت فخاخ العدوِّ في الأرض لامعةً، فقلت في نفسي من ينجو منها؟ فأتاني صوتٌ من السّماء يقول: المتواضع“.
أمّا الثَّبات في روح جهاد المحبّة الأولى فلأنَّ قدّيسنا عاش، هكذا، يجاهد كلّ يوم وكأنّه أوّل يوم له في رهبنته شوقًا إلى المعشوق الإلهيّ، لئلّا يضيع كلّ تعبه لأنَّ الرَّبّ يقول: ”أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَتَعَبَكَ وَصَبْرَكَ (...) وَقَدِ احْتَمَلْتَ وَلَكَ صَبْرٌ، وَتَعِبْتَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي وَلَمْ تَكِلَّ. لكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ: أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الأُولَى. فَاذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَاعْمَلِ الأَعْمَالَ الأُولَى. وَإِّلاَّ فَإِنِّي آتِيكَ عَنْ قَرِيبٍ وَأُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا، إِنْ لَمْ تَتُبْ“ (رؤيا 2: 2- 5) ...
ومن له أذنان للسّمع فليسمع.
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.
طروباريّةُ الظّهور الإلهي (باللحن الأوّل)
باعتمادك يا ربّ في نهرِ الأردن ظهرت السَّجدةُ للثّالوث، لأنّ صوتَ الآبِ تَقَدَّمَ لكَ بالشّهادة، مُسَمِّيًا ايّاكَ ابنًا محبوبًا، والرّوح بهيئة حمامة يُؤيِّدُ حقيقةَ الكلمة. فيا مَن ظهرتَ وأنرتَ العالم، أيّها المسيحُ الإله المجد لك.
قنداق الظّهور الإلهيّ (باللّحن الرّابع)
قد ظَهَرتَ هذا اليوم. لِلدُّنيا يا رَبّ. وَرَسَمْتَ نُورَكَ. علَينا نحنُ المُنشدِين. لقد أتيتَ وظَهَرتَ. أيّها النّورُ الّذي لا يُدنى مِنهُ.
الرّسالة (أف 4: 7– 13)
لِتَكُن يا ربُّ رحمَتُكَ عَلَينا
ابتهِجوا أيُّها الصدّيقونَ بالرّبّ
يا إخوة، لِكُلِّ واحدٍ مِنّا أُعطِيَتِ النِّعمةُ على مقدارِ موهبةِ المسيح. فلذلك يقول: لمّا صعد إلى العُلى سبى سبيًا وأعطى النّاسَ عطايا. فكونُهُ صعد هل هو إلّا أنّه نزل أوّلًا إلى أسافل الأرض؟ فذاك الّذي نزل هو الّذي صعد أيضًا فوق السّماوات كُلِّها لِيَملأ كُلَّ شيء. وهو قد أعطى أن يكونَ البعضُ رُسُلًا والبعضُ أنبياءَ والبعضُ مُبشِّرينَ والبعضُ رُعاةً ومُعلِّمين، لأجلِ تكميلِ القدّيسين، ولعَمَلِ الخدمة، وبُنيانِ جسدِ المسيح. إلى أن ننتهيَ جميعُنا إلى وَحدةِ الإيمانِ ومعرفةِ ابنِ الله، إلى إنسانٍ كاملٍ، إلى مقدار قامةِ مِلءِ المسيح.
الإنجيل (متّى 4: 12– 17)
في ذلك الزّمان، لمّا سمعَ يسوعُ أنّ يوحنّا قد أُسلم، انصرف إلى الجليل، وترك النّاصرة، وجاء فسكن في كفرناحوم الّتي على شاطئ البحر في تُخومِ زبولون ونفتاليم، لِيَتِمَّ ما قيل بإشعياء النّبيِّ القائل: أرضُ زبولونَ وأرضُ نفتاليم، طريقُ البحر، عِبرُ الأردنّ، جليلُ الأمم. الشّعبُ الجالسُ في الظّلمة أبصرَ نورًا عظيمًا، والجالسونَ في بُقعةِ الموتِ وَظِلالِهِ أشرقَ عليهِم نُور. ومنذُئذٍ ابتدأ يسوعُ يَكرزُ ويقول: تُوبوا فقدِ اقتربَ مَلَكُوتُ السّماوات.
حول الإنجيل
"مِنْ ذلِكَ الزَّمَانِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَكْرِزُ وَيَقُولُ: تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ" بهذه العبارة ينتهي إنجيل هذا الأحد، فلماذا يقول متّى الرّسول "من ذلك الزّمان ابتدأ يسوع يكرز"؟ بمعنى آخر، لماذا لم يكرز قبل هذا الحدث؟ لماذا انتظر إلى هذا الوقت؟! ...
نلاحظ، من خلال الكتاب المقدَّس، أنّه يسبق هذه الكرازة حدثان أساسيّان: الأوّل معموديّة الرَّبّ يسوع، والثّاني التّجربة في البريّة من قبل الشّيطان.
إذًا، لماذا لم يكرز من قَبل؟! ... مع أنّه لم يكن بحاجة لا إلى معموديّة ولا إلى محاربة الشّيطان لكي يثبّت نفسه؟! ...
فَعَلَ الرَّبّ ذلك ليعلّم النّاس أنّ المسيحيّة الحقيقيّة تتطلّب المعموديّة، أوّلًا، ومن ثَمّ الجهاد. والجهاد يكون ضدّ تجارب العدوّ، من خلال الصّوم والصّلاة والطّاعة لتعاليم الكنيسة. كان بإمكان الرَّبّ يسوع أن يصوم أكثر من أربعين يومًا في البرّيّة، لكن لكي لا يتخطّى موسى وإيليّا وقدرة الطّبيعة البشريّة، بشكلٍ عامّ، اكتفى بالأربعين يومًا صومًا كامِلًا.
المعموديّة سهلة. هي تفترض، فقط، التَّعلُّم والإيمان بالرَّبّ يسوع، إنمّا الجهاد يحتاج إلى العزم الصّالح والمثابرة دون تذمّر.
إذًا، رأينا كيف يجب أن يقلِّد الإنسان المسيحيّ ما فعله الرَّبّ يسوع: المعموديّة، يليها الجهاد ضدّ الشّهوات، وهذا الجهاد يستمرّ مع الإنسان إلى أن يرقد. إنَّ الَّذين يسلكون هذا الطريق، ينتصرون على ذواتهم، كما فعل القدّيسون، ويستطيعون أن يقولوا مع أشعياء النّبيّ: ”الشَّعْبُ الْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ (أي الّذين لم يعرفوا المسيح قبلًا) أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا، وَالْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ (أي الّذين عرفوا المسيح)" ...
مجدُ الله! ...
"السَّمواتُ تذيعُ بمجدِ الله... والفَلَكُ يُخَبِّرُ بأَعمالِ يديه" (مز18: 1)...
يسألون أسئلةً صعبة ومُعَقَّدَة، لماذا.؟!...
أَلا يعرف كلّ من يحيا في هذا الكون، أنّ هناك قوّة إلهيّة "جبّارة"، خالقة ومُدَبِّرة لكلّ ما في هذا العالم المنظور وغير المنظور.؟!...
الله الخالق لا يُجَزَّأ ولا يُقَسَّم ولا يُعرَف متى كان ومن أيَّةِ أَزمنة هو كائن..!!.. كيف يكون ذلك وهو الخالق، و"المولود"، والّذي يقبل، تاليًا، ضعف البشر.؟!...
وكان زمانٌ غير محدَّد ولا يعرفه الإنسان، حين وعى أنَّ الخالقَ لا وجهَ لهُ ولم يَرَهُ، وهو الإنسانُ وليدُه...
فتساءل من هو الإله.؟!... كيف هو بالشّكل.؟!... وصار التّسآل مُلِحًّا... لذلك انبرى بعضُ الكتبة والمؤلِّفين، الّذين حملوا روحَ البحث عن الحقيقة لاستنباط الحقائق، ليُعَرِّفوا البشريّة مبدأ الحياة الحقّ... ليعرفوا الإله من وكيف هو...
ومالت الأَيّامُ إلى الفتور بعد أن خَفَتَ الرّوح في الكون، فانبرى العلماء الّذين نذروا حياتهم للمعرفة، أن يبدأوا بالبحث عن "خالق الكون... من هو... وما هو مجده.؟!"...
واستجابَ الرّبُّ الإِله... فكان لسؤلِ البشريّة استجابة لسؤالها، من ربِّ الكون.!!.. وأَرسلَ الآب ابنَه، حبيبه إلى الحياة الأرضيّة، إِلى الإنسانيّة، هديّة مولودة، لا في البهرج والتّعالي، بل في الفقر، حتّى يتعلّم النّاس كلُّهم الافتقار إلى بِكْرِ الحقيقةِ المولودةِ في مذودِ الحيوانات العُجْمِ "والّذين" أظهروا حقيقتهم، بأنّهم عرفوا نَفَسَ الحضرةِ الإلهيّة آتيهم من لدن الأَعالي.!!.. هكذا عاشت الحيوانات مع مريم ويوسف والمجوس والرّعاة في المغارة القصر.!!..
هكذا بعد الصَّمتِ، صار الإِنباء.!.. الّذي لم يقبله أيُّ مخلوق، إلّا الّذين، هم مولودون من بطنِ الأُلوهةِ وهم لا يُدركون أَبعادَ حِسِّ الحياةِ الجديدة...
ارجعوا إلى الكتاب المقدّس، وللأَخبار الّتي دُوِّنَت فيه حول الواقع الذي كان وهو كائن، وسيبقى إلى الأبد.!!.
"المسيح وُلدَ فَمَجِّدوه... المسيح أَتى إلى الأرضِ فاستقبلوه".!!.. وحضر المجوسُ من أَطرافِ المسكونةِ، التَقَوا يُسائلون بعضُهم بعضًا: "أين وُلِدَ ويسكُنُ المسيح".؟!...
وصَمَتَ الكونُ كلُّهُ متسائلًا، من هو ذاك الملك الآتي مقمَّطًا ومُلقًى في مذودِ الحيوانات العُجْمِ.؟!... أَينَ هيأةُ وواقعُ ملوكيَّتِه.؟!...
هو الإلهُ الابنُ الّذي من الآب، الآب الآتي من لدنه ليخلِّصَ ما قد هلك..!!..
هكذا افتدى الآبُ البشريَّةَ، بإِرسالِ روحِهِ، بابنٍ مساوٍ له في الجوهر.!... واسمُه الرّبُّ يسوع المسيح ابن الآب، خالق السَّموات والأرض، كلّ ما يُرى وما لا يُرى.!..
وبَدَأت القصَّةُ المأساةُ، لتحمل الأَلَمَ فديةً إلهيَّة لِغَيِّ الإِنسانِ وتبَذُّخِهِ، ليُثبِتَ نفسَهُ في هذا العالم...
وُلِدَ الإِلهُ الابنُ فخافوه، لأَنّه فقير وحاكِم.!!..
لم يُحابي الوجوه.!.. لم يُمَجِّد أَحدًا.!.. بل كان، كما هو مفترض أن يكون... إلَهًا في الجوهر وبسيطًا بالطّلَّةِ وواضحًا في الكلمة...
تجسَّدَ الرَّبُّ الإِله ليُحيي الإنسانَ من الموت المفروض عليه بسبب معصية السّقوط...
وعَلَّمَ.!... علَّمَ الإنسانَ أن يُحِبَّ ويتَّضع لأَنَّه أراد أن يصير الكلُّ كما هو... أَحياء بكلمته وروحه: "تعلَّموا منّي فإنّي وديع ومتواضع القلب، تجدوا راحة لنفوسكم" (مت11: 29).
أحبَّ الرّبُّ الفقير والمرذول والخطأة.!.. أحبَّهم لكنّه لم يُحِب خطيئتهم.!.. مدَّ يدَهُ لكلِّ مُعاقٍ رابض على حفافي الطُّرُقات والمعابد... أَنقَذَ المرأة من لعنةِ النَّاموس لتصير هي الأمَّ المربّية على صورةِ مريم العذراء، لا كائنة تصطادُ الرَّجلَ بشصِّ حربتها وغِواها... هذا الإله الابنُ المحبوب وضع أُسُسَ الحُبِّ الإِلهيّ الجديد الّذي من أوّل الدّهور بدون زيغ...
وكان هذا المعلِّم يُخيفُ الّذين يملكون ليتملَّكوا أَكثر وأَكثر وأَكثر...
اليومَ، الحياةُ الحقُّ ولدت مع المسيح.!..
لذا قَبِلَ الإِلهُ الصَّلبَ واللَّطمَ والبصاقَ ليقول كلمةَ الحقِّ، فيتمَجَّدَ الإِلهُ بالمجدِ الجديد وهو أن يقبَلَ "الصَّليبَ"، الّذي منه لم يهرب، بل حَمَلَهُ ليَتَمَجَّدَ بالحُبِّ الجديد الّذي لم يُعرَف من قبل.!..
اليومَ، يصيرُ "الصَّليبُ" والقيامةُ في اليومِ الثَّالث هي المجد الإلهيّ الحقُّ الّذي إذا قبلناهُ، يهُفُّ الرّبُّ بروحِهِ القدّوس لينهي حكايا الظُّلم والكذب والاستهتار والفَوقيّة والابتزاز، لبذل النَّفس للحياة الأبديّة، فيَبني هكذا مجدَ الأُلوهة... آمين...