في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيس الرّسول تيموثاوس *الشّهيد منصور الشّمّاس *الشّهيد أنستاسيوس الفارسيّ *القدّيس البارّ يوسف الكريتيّ المتقدّس *الشّهيد أنستاسيوس شمّاس لافرا كييف.
* * *
✤ القدّيس الرّسول تيموثاوس ✤
تيموثاوس، الاسم، يوناني معناه “عابد الله” أو من يكرم الله”. من أب وثني وأم يهودية تدعى أفنيكي (أعمال1:16:2 تيمو5:1) وله جدّة اسمها لوئيس. كان لأمه وجدّته، بشهادة الرسول بولس، إيمان عديم الرياء أخذه تيموثاوس عنهما (2 تيمو5:1). عرف الكتب المقدّسة منذ الطفولية (2تيمو15:3) لكنّه لم ينضمّ إلى أمّة اليهود بدليل إنه لم يختتن (أعمال1:16-3) إلا بإيعاز من الرسول بولس لضرورات بشارية. أغلب الظّن أن تيموثاوس كان من لسترة. أغلب الظنّ أيضاً أن أمّه وجدّته قبلتا الإيمان بالرب يسوع إثر قدوم الرسول بولس إلى دربة ولسترة خلال رحلته التبشيرية الأولى. متى انجذب تيموثاوس نفسه إلى الإيمان بالمسيح؟ لا نعلم تماماً. ولكن ثمّة ما يشير إلى أنه تتبّع الرسول بولس وتأثّر بتعليمه وآلامه، ربما في أنطاكية وربما في إيقونية ولسترة لأن الرسول المصطفى قال في رسالته الثانية له: “أما أنت فقد تبعت تعليمي وقصدي وإيماني وأناتي ومحبّتي وصبري واضطهاداتي وآلامي مثل ما أصابني في أنطا كية وإيقونية ولسترة، أيّة اضطهادات احتملت” (2تيمو10:3-11). أنّى يكن الأمر فإن بولس، لما أتى إلى دربة ولسترة، سمع من الإخوة في لسترة وإيقونية شهادة حسنة عن تيموثاوس. فلما كان بحاجة إلى رفيق معاون له في أسفاره وكرازته فقد أخذ تيموثاوس معه. تيموثاوس، إذأ، كان قد اقتبل الإيمان وكان ناشطاً في كنيسة المسيح قبل ذلك. ولعل الرسول بولس هو الذي عمّده. هو كان في كل حال أحد أو من وضع يده عليه بعدما استبانت موهبة الله فيه وسبق عليه بعض النبوءات (1تيمو18:1-19، 12:4-16).
جال تيموثارس مع الرسول المصطفى في فيرجيا وغلاطية وتسالونيكية وبيرية وأثينا وسواها وتبعه إلى قيصرية فلسطين وإلى رومية. وكان له موفداً شخصياً إلى أماكن عدّة كتسالونيكي وكورنثوس وفيليبي وأفسس. كان لتيموثاوس في كل هذه الجولات دور فاعل. لأهل كورنثوس قال عنه بولس إنه يعمل عمل الرب كما هو أيضاً (1كور16:10-11) ولأهل تسالونيكي قال إنه العامل معنا في إنجيل المسيح. كذلك كان لتيموثاوس دور تثبيت الكرازة (1تسا2:3-3) والتذكير بطرق الرسول بولس في المسيح (1كور17:4).
في كل شيء أبدى تيموثاوس أمانة للرسول المصطفى لا غش فيها. لذا قال عنه الرسول إنه الأمين في الرب ويعلّم كما يعلّم هو نفسه في كل مكان وفي كل كنيسة (1كور17:4). ولم يكن للإناء المصطفى من يتّكل عليه بالكامل غير تيموثاوس. في بعض الحالات اعتبره كنسخة عنه، فقد قال لأهل فيليبي إنه ليس له أحد آخر نظير نفسه يهتم بأحوالهم بإخلاص (فيليبي2:19-22).
إذن كانت علاقة بولس بتيموثاوس دافئة مميّزة. كولد مع أبيه خدم معه لأجل الإنجيل (فيليبي أيضاً). من هنا طريقة مخاطبته الخاصة له. أسماه “تيموثاوس الأخ” (2 كور1:1) و”إنسان الله” (1تيمو11:6) ودعاه “ابني (2تيمو1:2) و”ابني الحبيب” (1كور17:4) و”الابن الصريح في الإيمان” (1تيمو2:1). وخاطبه بكثير من العطف والحنان والمحبة. في رسالته الثانية إليه قال له: “أذكرك بلا انقطاع في طلباتي ليلاً ونهاراً مشتاقاً أن أراك ذاكراً دموعك لكي امتلئ فرحاً” (3:1-4). وعندما كان بولس في المعتقل في رومية وتخلى عنه الكثيرون، إلى تيموثاوس اتّجه ذهنه ليكون بقربه. “بادر أن تجيء إليّ سريعاً… الجميع تركوني… لوقا وحده معي…”.
وقد حرص بولس على تزويد تلميذه بكل ما رآه محتاجاً إليه من الوصايا والنصائح والدعم. تيموثاوس كان شاباً معرَّضاً لكل أنواع الشهوات والنزوات والنزاقة الشبابية. لذا حثّه على الهرب من الشهوات الشبابية والمباحثات الغبيّة لأنها تولّد الخصومات (2تيمو22:2-23) ودعاه إلى الصحو في كل شيء (2تيمو4:5) وإلى الإعراض عن الكلام الباطل الدنس (1تيمو20:6) وإلى التعامل مع الشيوخ كآباء والأحداث كإخوة والعجائز كأمّهات والحدثات كأخوات بكل طهارة (1تيمو1:5-2)، وإلى اجتناب حبّ المال الذي هو أصل الشرور وطعن للنفس بأوجاع كثيرة (1تيمو10:6-11). كما دعاه، بعامة، لأن يكون قدوة للمؤمنين في الكلام والتصرّف والمحبّة والروح والإيمان والطهارة وإلى الانكباب على القراءة والوعظ وملاحظة نفسه والتعليم (12:4-16). وحثّ المؤمنين على احتضانه وإكرامه والتعاون معه (1كور10:16-11).
هذا ويبدو إن صحة تيموثاوس كانت، أقلّه في وقت من الأوقات، رقيقة ولعله كان متشدِّداً في إمساكه. قال له الرسول المصطفى: “لا تكن في ما بعد شرّاب ماء بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة” (1تيمو23:5).
ثم يبدو إن تيموثاوس كان إنساناً حييّاً وكان عرضة، لحداثته، أن يستخفّ الآخرون به. لهذا السبب نبّهه: “لا يستهن أحد بحداثتك” (1تيمو12:4) ودعاه لأن يوبّخ وينتهر ويعظ المخالفين (2تيمو2:4). “الذين يخطئون وبّخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف”(1تيمو5:20)، على أن يكون هذا بلا غرضيات ومن دون محاباة (21).
والظاهر من كلام الرسول بولس إن تلميذه تعرّض للسجن ثم أُطلق سراحه. هذا حدث في إيطاليا. وثمّة إشارة إلى ذلك في الرسالة إلى العبرانيين التي كُتبت على يد تيموثاوس (انظر عبرانيين23:13).
أما الرسالتان اللتان وجّههما رسول الأمم إلى تيموثاوس فكانت أولاهما في حدود السنة 64. يومها كان قد تمّ إطلاق سراحه من سجنه الأوّل في رومية بعدما اشتكى عليه أهل أمّته كما هو مبيّن في سفر أعمال الرسل (الإصحاح 21 وما يتبعه). أما الرسالة الثانية، فكانت بعد القبض على الرسول المصطفى للمرة الثانية، نحو السنة 67، إثر حرق نيرون لرومية. في الأولى عالج بعض الصعوبات التي تعرّض لها التلميذ وبسط لصفات معلّمي الكنيسة وخدّام الإنجيل وواجباتهم. أما في الثانية فشدّد تلميذه وحضّه على الثبات في البشارة والتمسّك بالأمانة عارفاً ممن تسلّمها (14:3)، والاشتراك في المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح (2تيمو1:2-3). ويشير رسول الأمم إلى قيوده وإلى ارتداد العديدين عنه بسبب ذلك (15:1)، ويعلن عن قرب حضور وقت انحلاله. “أنا الآن أسكب سكيباً ووقت انحلالي قد حضر. جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان. أخيراً وُضع لي إكليل البرّ الذي يهبه لي في ذلك اليوم الربّ الديّان العادل” (6:4-8). ثم يطلب منه أن يوافيه سريعاً قبل الشتاء (16:4-21).
لا نعرف بالضبط ماذا حدث بعد ذلك التاريخ. ولكن ورد في التراث إن تيموثاوس التقى في أفسس القديس يوحنا الحبيب وأخذ منه بركة ونعمة. فلما تمّ نفي يوحنا، ساس تيموثاوس الكنيسة في أفسس بروح بولس ويوحنا معاً. ثم ذات يوم، فيما كان الوثنيون، في المدينة، يحتفلون بأحد أعيادهم حاول تيموثاوس ردّهم عن ضلالهم فثاروا عليه كالوحوش وضربوه بشدّة، فجاء بعض تلامذته وسحبوه من بينهم نصف ميت، لكنه ما لبث أن رقد بعد قليل. كذلك ورد أن تيموثاوس دُفن غير بعيد عن ضريح القديس يوحنا الحبيب. ثم في حدود السنة 356م نُقلت رفاته إلى القسطنطينية وأُودعت كنيسة الرسل القدّيسين هناك. وقد جرت بها عجائب جمّة وبقيت إلى أن اختلسها الصليبيّون إثر نهب القسطنطينية في السنة 1204م.