نشرة الكرمة- العدد 39- الأحد 27 أيلول 2020- الأحد (16) بعد العنصرة
قوّةُ الإيمانِ والغلبةُ على صِغَرِ النّفس
“فَكَلَّمَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ هكَذَا، وَلكِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى مِنْ صِغَرِ النَّفْسِ، وَمِنَ الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ …” (خروج 6: 9)
وُعود الله لشعبه قد تظهر لهم غير قابلة للتّحقيق، فيُهملون كلمته بسبب عدم ثقتهم به وقلّة إيمانهم، وذلك لأنّهم يخافون البشر والمخلوقات أكثر من الخالق، ربّما، لظنّهم بأنّ مقاييس القوى بحسب الملموس البشريّ وقياساته هي أكثر واقعيّة من عمل العَليّ في حياة عالمه …
هكذا صنع العبرانيّون، إذ عملوا العجل الذّهبيّ وعبدوه، مع أنّ الرَّبَّ هو الّذي أخرجهم من مصر بعد الضَّربات العشر اّلتي كشف فيها أنّ فرعون ليس سوى بشرًا قابلًا للموت وهشًّا رغم سلطانه الزّمنيّ وادّعائه الألوهة. سمع العبرانيّون لخوفهم ولضعف ثقتهم بإلههم، ولذلك سقطوا بواسطة صِغَر النَّفْس في الوثنيّة الّتي هي إنتاجٍ نفسيّ وأهوائيّ لآلهة تُشبِه مفاهيمهم للقوّة والحماية …
من هنا، صِغَر النَّفْس هو تعبير عن الخوف الدّاخليّ المُتأتّي من شعور الإنسان وظَنِّه بأنَّه وحيدٌ ومَتروك لذاته في مواجهة كلّ مسائل حياته … إنّه انغلاق على النّفس واستعباد لمن هو الأقوى بحسب مقاييس العالم…
* * *
يؤدّي صِغَر النَّفْس بالإنسان إلى الانحراف عن طريق الحقّ وتحديد الحياة بأهداف مرحليّة تؤمِّن له نوعًا من الاستقرار الوهميّ المَبنيّ على أمورٍ محدَّدة مُقاسَة بحسب هذا الدّهر كالمال والأملاك والعلاقات المبنيّة على المصالح إلخ… ممّا يجعله يتصلَّف في ثقةٍ كاذبة بالنَّفس ظاهريّة، ولكنّ جوهر كيانه يبقى مقبوضًا عليه من الخوف.
هكذا مَنْ سَلَك بصِغَر نَفْسٍ في حياته هو كمن “بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا!” (متّى 7: 26 – 27).
* * *
الدَّواء هو الحبّ. من يُبصِر ذاتَه مَحبوبًا تُبْنَى شخصيَّتُه ويتشدَّد كيانه وتنمو ثقته بذاته. لكن، على الإنسان أن يقبل بأن يُحَبّ وذلك بأن يتعلّم الثّقة في من يحبّونه، ومن يحبّونه هم من يَصْدُقُونَه في حقّ الله والإنجيل …
لا حبَّ نقيًّا عند البشر إلّا ما كان من الرَّبِّ بالنّعمة الإلهيّة. هذا الحبّ هو شيء من الحبّ الإلهيّ المَمدود لنا في البشر وبواسطتهم وفي الكنيسة المقدَّسة. الرَّبُّ هو الّذي “أَحَبَّنَا أَوَّلًا” (1 يوحنّا 4: 19) ومن هنا تتولَّد محبّتنا له، لأنّه تنازل حتّى المُنتهى لأجلنا باذلًا حياته ليَفْدينا من سُقوطنا الكيانيّ ويُقيمنا فيه لحياةٍ جديدة، لِكَيْ لاَ يَكُونَ إِيمَانُنَا بِحِكْمَةِ النَّاسِ وأفعالهم بَلْ بِقُوَّةِ اللهِ الّتي كُشفت لنا في المسيح المصلوب والغالب الموت والمُمَجَّد عن يمين الآب وفينا بروحه القدّوس… (راجع: 1كورنثوس 2: 5).
المؤمن الحقيقيّ هو الشُّجاع البَطَل أي من غَلَبَ صِغَر النَّفْس بالتّوبة المُنيرة، أي الَّذي طرد خوف الموت من كيانه بواسطة قوّة إيمانه وثقته بالله من خلال سلوكه في طاعة الوَصيّة بروح التّواضع وشَوْق المحبّة لِمَن وَهَبه حياته على صليب الحبّ الغالب …
ومن استطاع أن يقبل فليقبل…
+ انطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما