في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهيدان أونيسيفوروس وبرفيريوس *أمّنا القدّيسة البارّة مَطرونة الحمصية *أمّنا القدّيسة البارّة ثيوكتيستي *أبونا القدّيس سمعان المترجم *القدّيس البارّ يوحنّا القصير *الشّهيد أنطونيوس الَّذي من بلد الشّام *القدّيس البارّ نكتاريوس، أسقف المدن الخمس *القدّيستان البارّتان أوستوليا وسوباترا *القدّيس هيلاّديوس *القدّيسان البارّان أفثيميوس ونيوفيطوس الآثوسيّان *القدّيس البارّ أونسيفوروس الكهفيّ الكييفيّ *الشّهداء الرّوس الجُدُدْ ألكسي زادوفورنوف ومَن معه *القدّيس البارّ إبراهيم المتوحّد المنوفيّ المصريّ.
* * *
✤ تذكار أمّنا البارّة مطرونة الحمصيّة✤
وُلدت “القدّيسة مطرونة” في “برجة” في “بمفيلية آسيا الصغرى” أيام “الأمبراطور البيزنطي مرقيان” (450 – 457 م). وقد عمد ذووها وهي في أوائل العقد الثاني من عمرها إلى إعطائها زوجة لرجل لامع اسمه “ضومط”. ويبدو أنّها أنجبت منه بنتاً سمّياها “ثيودوتي” وانتقلت وإيّاه إلى مدينة “القسطنطينية” وهي في الخامسة عشرة من عمرها.
في “القسطنطينية” التقت “مطرونة” سيّدة مرفّهة راقية تدعى “أفجانيا” فتحابا وتصادقا لا سيما وأنّه كان لهما فكر واحد وتوق واحد إلى القداسة، فكان كل منهما للآخر تعزية من الله وتشديداً.
ولاحظ “ضومط” أنّ زوجته تُكثر الخروج من البيت فساورته الشكوك بشأنها وحرّم عليها مغادرة المنزل. وقد آلمها ظلم زوجها أشد الألم لكنّها اعتصمت بالصبر ولازمت الصلاة سائلة المعلّم التفاتة وأن يمنّ عليها بتحقيق منية قلبها أن تنصرف إلى وجهه تماماً.
وإن هي سوى أيام حتى أذن لها زوجها بالخروج إلى الكنيسة. وهنا التقت إحدى العذارى، المدعوّة “سوسنّة”. هذه ارتضت أن تتعهّد ابنتها “ثيودوتي”. أما “مطرونة” فقامت إلى ثوب للرجال تزيّت به وغيّرت هيئة وجهها وفرّت من منزل زوجها متّخذة “بابيلا” اسماً مستعاراً لها ومدعية أنّها خصي.
وجهة “مطرونة” كانت دير “القدّيس باسيان” في المدينة العظمى. هناك انخرط “بابيلا” في مصاف طلاّب الحياة الملائكية راهباً. وما لبث، بعد مدة يسيرة، أن أضحى نموذجاً يحتذى في الطاعة والاتضاع والصبر والصلاة وسائر أتعاب الرهبنة.
ولكنْ، ما كاد يمضي بعض الوقت حتى عرف “باسيان”، ربما بالكشف الإلهي، أنّ “بابيلا” ليس سوى امرأة، فخاف على الشركة. ولما كان يدّخر لها اعتباراً وتقديراً كبيرَين، لم يشأ أن يطلقها دون تدبير فاشار إليها بالذهاب إلى دير للعذارى في مدينة “حمص” السورية.
في “حمص” استمرّت “مطرونة” تنمو في النعمة والقامة. كانت كلّما ترسّخت في حياة الفضيلة ازدادت حرصاً على إخفاء أمرها وفضائلها. لكن شهرتها ذاعت فقامت إلى “أورشليم” ومنها إلى “بيروت”، هرباً.
وفي “بيروت” اتّخذت “مطرونة” هيكلاً وثنياً مهجوراً ملاذاً لها. وقد أثار نزولها في المكان جنون الشياطين لأنّهم اعتبروا الموضع خاصاً بهم. لكن، لم يتسلل الخوف، بنعمة الله، إلى نفس “مطرونة”، بل ثبتت صائمة مصلّية كأن هجمات الشياطين وزئيرهم عليها لا يعنيها. ولكي تتمكّن قوات الظلمة من خداعها عمدت في مرحلة لاحقة إلى ادعاء التقوى فكانت تشارك مطرونة التسابيح خلال الخدمة. غير أنّ العناية الإلهية كشفت لعيني هذه المجاهدة الكبيرة حيل الأبالسة. وهكذا نجت من فخاخ العدو ومجّدت الله.
بعد حين شرع بعض النسوة الوثنيات يأتينها مأخوذات بمثالها، يسألنها أن يعتمدن وينضوين تحت لوائها.
أقامت “مطرونة” في “بيروت”، هي وتسعة من التلميذات، أشهراً أو ربما بضع سنوات. وقد ذكر “البطريرك مكاريوس الزعيم” في مؤلّفه “قدّيسون من بلادنا” أنّها “استنبعت بصلاتها الماء العذب الموجود الآن في مدينة بيروت“. والحديث هو من القرن السابع عشر.
ومن “بيروت” عادت “مطرونة” إلى “القسطنطينية” حيث أقامت في قلاّية قريبة من “دير القدّيس باسيان”. ثمّ استدعت، بعد حين، راهباتها في “بيروت”. ويبدو أنّ صيتها ذاع، من جديد، في وقت قصير فأخذت النسوة التقيات، لا سيما من طبقة النبلاء يتدفقن عليها لينتفعن من إرشادها وينلن بركتها. وقد تركت عدةُ نبيلاتٍ العالمَ وأتين إليها مقتبلات حياة الفقر والطاعة تحت جناحيها. هؤلاء حملن معهن أموالاً وعطايا جزيلة استخدمتها القدّيسة في بناء دير ما لبث أن أضحى أحد أهمّ الأديرة في المدينة.
عاشت “مطرونة” ما يقرب من مئة عام. ويبدو أنّها حافظت على مستوى نسكها حتى الأخير. وقد عرفت بيوم وفاتها سلفاً فعزّت بناتها بأخبار الفردوس الذي مَنّ عليها الربّ الإله بمشاهدته. ثمّ ودّعتهن ورقدت بسلام.