في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الآباء الأبرار إسحق وفوستوس ودلماتيوس *أبونا الجليل في القدّيسين استفانوس أسقف رومية *القدّيسة صالومي حاملة الطّيب *القدّيسة ثيوكليتا الصّانِعَة العَجائب *الأبوان القدّيسان يوحنّا الرّاهِب ويوحنّا الجديد، رئيس أساقفة أفسس *القدّيس البارّ يوحنّا المعتَرِف، رئيس دير باتيلاريا *القدّيس البارّ قزما الخصيّ *الشّهيد ردْجاني الجيورجيّ *القدّيس البارّ أنطونيوس الرّومانيّ العَجائبيّ *الشّهيد رَجْدان الجيورجيّ.
* * *
✤ الآباء الأبرار إسحق وفوستوس ودلماتيوس ✤
كان دلماتيوس من عائلة مرموقة. انخرط، منذ الشبابية، في مهنة السلاح. خدم ضابطاً في فرقة الحرس الثانية للقصر الملكي مبدياً، رغم الوسط الذي حلّ فيه، تقوى شديدة. لما نُهي إلى الأمبراطور ثيودوسيوس أن الناسك السوري إسحق سبق فتنبّأ للأمبراطور فالنس بإخفاقه في الحملة على الغوط وسقوطه صريع ميتة شقيّة، قصده زائراً برفقة دلماتيوس. أُخذ دلماتيوس بمظهر إسحق الملائكي وكلامه المملّح بروح الربّ فجاءه، بعد حين، وأمضى معه سبعة أيام طالباً إرشاده. وإذ عاد إلى بيته، وقلبه ملتهب غيرة إلهية، نقل إلى زوجته قراره بترك العالم. وبالفعل تخلّى لها عن كل مقتنياته وردّها إلى عائلتها مع ابنتها مكتفياً بابنه رفيقاً إلى الناسك القدّيس. نبذ كل كرامة وهمّ عالمي وأضحى أحد أشهر تلاميذ إسحق الناسك، سواء بالنظر إلى أتعابه النسكية أو محبّته للسكون (هزيخيا) أو رأفته بالفقراء الذين تدفّقوا على الدير. على هذا بقي طيلة الصوم الكبير دون طعام، ويوم الصعود الإلهي أُخذ في نشوة في كنيسة القدّيسين المكّابيّين حيث كان البطريرك يرأس الخدمة.
لما رقد القدّيس إسحق بسلام سنة 406م، التمس الرهبان، بصوت واحد، من البطريرك أن يعيِّن دلماتيوس عليهم بديلاً. وقد رضخ رغم تحفّظه، لكنّه ازداد تقشّفاً ليكون أهلاً للخدمة. بقي حبيساً في ديره ولمّا يشأ أن يخرج عندما ألحّ عليه الأمبراطور ثيودوسيوس الثاني أن ينضمّ إلى التطوافات المنظّمة في المدينة تهدئة لغضب الله عليها إثر هزّة أرضية كبيرة ضربتها. وقد حظي من الله على هبة النفاذ إلى خفايا القلوب وإحقاق العدل.
قداسة دلماتيوس استبانت، بخاصة، في خدمة الحقّ، إثر ذيوع الهرطقة النسطورية. فلما اختير نسطوريوس بطريركاً زار القدّيسَ خافياً خداعه فصرفه القدّيس قائلاً له: “أصلح ما أخفيت في قلبك، إذ ذاك تقدر أن تدخل قلاّيتي!” فلما انصرف قال دلماتيوس لرهبانه ومَن كان حاضراً: “احذروا فإنّ وحشاً خبيثاً دخل المدينة وسوف يجرح العديدين”. فلما كشف نسطوريوس هرطقته في شأن والدة الإله، التأم المجمع المسكوني الثالث، وبهمّة القدّيس كيرلس الإسكندري أدان الأساقفة الهرطقة. لكن أنصار نسطوريوس أمِلوا بإفشال المجمع من خلال تأثيرهم في الأمبراطور والقصر. غير أنّ رسالة بعث بها القدّيس كيرلس سرّاً إلى القدّيس دلماتيوس أفادته أنّ آباء المجمع كانوا عرضة لتهديد العسكر الأمبراطوري. على الأثر انكبّ على الصلاة ثمّ خرج من ديره، للمرة الأولى بعد ثمانية وأربعين عاماً، لإنقاذ الكنيسة من الخطر. تبعه رهبانه وانضمّ إليهم بعض العامة والكهنة، وهم يحملون الشموع ويرتّلون المزامير. استقبل الأمبراطور ثيودوسيوس قدّيس الله بتأثّر، لا سيما وأنّه لم يحظ منه بمثل هذه البركة قبلاً رغم إلحاحه عليه. قرأ دلماتيوس عليه رسالة المجمع وسأله الحرّية للأساقفة والعمل على نصرة الحقّ. وبعدما استعلم الأمبراطور عما حدث ووقف على تحرّكات نسطوريوس، بعث إلى أفسس بكلمة أكّد فيها ضرورة الخضوع لقرارات المجمع في شأن تنحية نسطوريوس وأوعز بخروجه إلى دير في ناحية أنطاكية.
خرج دلماتيوس من عند الأمبراطور فنقل للشعب، من أعلى منبر كنيسة القدّيس موكيوس، مضمون رسالة المجمع وما جرى بينه وبين الأمبراطور، ثمّ كتب للقدّيس كيرلس باسم رؤساء الأديرة وأعيان المدينة مؤكّداً دعم هؤلاء الكامل له. إثر هذه الأحداث الهامة نحو نصرة الأرثوذكسية، سُمِّي القدّيس دلماتيوس من المجمع أرشمندريت وأكسارخوس مجمل أديرة العاصمة، وهذا لقب انتقل، فيما بعد، إلى خلفاء القدّيس على الدير، الأمر الذي جعل منه أول أديرة المدينة ومعقل الأرثوذكسية.
رقد القدّيس دلماتيوس زمن أسقفية القدّيس بروكلوس. كان ذلك بسلام، عن خمسة وثمانين عاماً، سنة 440م. وعلى مدى ثلاثة أيام سال الطيب من القبر الحجري الذي دُفن فيه. وقد ورد أنّ عدداً ممن ادّهنوا بهذا السائل العطر شُفوا من أدوائهم.
صُيِّر القدّيس فوستوس، بعد دلماتيوس، رئيساً للدير وأرشمندريتاً لكل الأديرة، فسلك في فضيلة أبيه واستمرّ مدافعاً عن الإيمان القويم، لا سيما في شأن إدانة أفتيشيس (الطبيعة الواحدة) سنة 448م. كما ورث فوستوس عن أبيه طاقاته العجائبية. وقد رقد في الربّ زمن الأمبراطور مرقيانوس (450 – 457م).