في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*العظيم في الشّهداء بندلايمون والأعمى الّذي شفاه *القدّيسة البارّة أنتوسا رئيسة دير المنتيناون *القدّيس البارّ سمعان العموديّ الجديد *الشّهداء المائة والثّلاثة والخمسون التّراقيون *أبونا الجليل في القدّيسين كليمنضوس أوخريدا ومَن معه *القدّيس البارّ نيقولاوس كوتشانوف الرّوسيّ الـمُتبالِه *أبونا الجليل في القدّيسين يواصاف متروبوليت موسكو *الجديد في الشّهداء الرّوس أمبروسيوس غودكو أسقف سارابول.
* * *
✤ العظيم في الشّهداء بندلايمون والأعمى الّذي شفاه ✤
وُلد القدّيس الشهيد المجيد بندلايمون في نيقوميذيا، العاصمة الشرقية للأمبراطورية الرومانية. كان أبوه، أوستورغيوس، أحد أعضاء المشيخة الوثنيّين وأمّه، أوبولي، مسيحية. لم يكن اسمه بندلايمون بل بنتولاون. بندلايمون هو الاسم الذي اُعطي له من فوق، فيما بعد، لما كان على وشك أن يكابد ميتة الشهادة. ومعنى هذا الإسم – بندلايمون – هو “الكثير الرحمة” لأن الربّ الإله أراد أن يكون كثير الرحمة من جهة الذين يستشفعون بصفيّه. كُلِّف بأمر بنتولاون طبيب مشهور، في ذلك الزمان، اسمه أفروسينوس ليعتني بتعليمه. وقد تمكّن قدّيسنا، في فترة قصيرة، من الإحاطة، بشكل ممتاز، بفنّ الطب حتى عزم الأمبراطور مكسيميانوس، الذي لاحظه، على اتّخاذه طبيباً شخصياً له في القصر متى اشتدّ عوده واكتمل إعداده. وإذ كان الشاب يمرّ كل يوم أمام منزل القدّيس هرمولاوس (26 تموز) عرف الكاهن القدّيس من محياه أي نفس يكتنز. فدعاه إليه يوماً ولفته إلى أنّه لا طاقة لعلم الطبّ على مدّ الطبيعة البشريّة المتألّمة والخاضعة للموت إلاّ بتعزية طفيفة. وكشف له، من ثمّ، أنّ المسيح وحده، الطبيب الحقّاني الوحيد، أتانا بالخلاص من دون علاجات وعلى نحو مجّاني. ارتقص قلب الشاب فرحاً لسماعه هذا الكلام وشرع يتردّد، بانتظام، على القدّيس هرمولاوس ليتعلّم منه السرّ العظيم للإيمان. وذات يوم، إذ كان عائداً من عند معلّمه أفروسينوس، وجد في الطريق ولداً ميتاً لدغته حيّة. للحال اعتبر أنّه آن الأوان له ليضع ما كلّمه به هرمولاوس موضع التنفيذ، فدعا باسم يسوع. للحال قام الولد وهلكت الحيّة. فأسرع، إذ ذاك، إلى هرمولاوس، وكلّه فرح، وطلب المعموديّة المقدّسة دون إبطاء. ثمّ إنّه لازم الشيخ ونعِم بتعليمه ولمّا يَعد إلى خاصته إلاّ في اليوم الثامن. سأله أبوه، وقد قلق عليه، أين كان، فأجاب في القصر منشغلاً بإبراء قريب للأمبراطور. لم يشأ أن يكشف سرّ هدايته سريعاً لأنّه كان حريصاً على إقناع أبيه ببطلان الأصنام.
وجيء، بعد حين، إلى بيت أوستورغيوس بأعمى توسّل إلى بنتولاون أن يشفيه لأنّه بدّد ثروته، عبثاً، على بقية الأطبّاء. وإذ كان قدّيسنا واثقاً من مسيحه، المقيم فيه بقوّة، أكّد أمام أبيه أنّه سوف يشفي الأعمى بنعمة معلّمه. قال هذا ورسم إشارة الصليب على عيني الأعمى، داعياً باسم المسيح. للحال استعاد الرجل البصر، لا فقط من جهة عينيه الجسديتين بل من جهة عيني نفسه أيضاً لأنّه أدرك أنّ المسيح هو الذي شفاه. وقد جرت عمادة كل من الذي كان أعمى فابصر وأوستورغيوس، والد بنتولاون، الذي ما لبث أن رقد بسلام.
وزّع بنتولاون ميراثه على المحتاجين وحرّر عبيده وانكبّ، بغيرة مضاعفة، على العناية بالمرضى الذين لم يكن يطلب منهم سوى أن يؤمنوا بالمسيح الآتي إلى الأرض شافياً كل علّة. بقيّة أطبّاء نيقوميذية حسدوا القدّيس. وإذ اعتنى هو بمسيحي تعرّض للتعذيب بأمر الأمبراطور، انتهز حسّاده الفرصة ووشوا به لدى مكسيميانوس. أحزن الأمر الملك فاستدعى الذي كان أعمى واستجوبه في كيفية استرداده البصر. فأجاب إنّ بنتولاون استدعى اسم المسيح فعاد إليه بصره وآمن. هذا أسخط الأمبراطور. للحال أمر بقطع رأسه وارسل في طلب بنتولاون. فلمّا وقف القدّيس أمامه اتّهمه الملك بالتفريط بالثقة التي أولاه إياها وبالإساءة إلى اسكلابيوس وبقية الآلهة لإيمانه بالمسيح، وهو إنسان مات مصلوباً. أجاب القدّيس أنّ الإيمان والتقوى من جهة الإله الحقّ أسمى من كل غنى هذا العالم الباطل وكراماته. ولكي يثبت أقواله بالأفعال، اقترح على مكسيميانوس أن يجرِّبه. فجيء بمخلّع جعل عليه كهنة الأوثان رُقاهم، أولاً، فسخر منهم القدّيس. وإذ ذهبت جهودهم أدراج الرياح، رفع بنتولاون صلاته إلى الله، ثمّ أخذ المخلّع بيده وأقامه باسم المسيح. الوثنيون الحاضرون، لما رأوا الرجل يطفر فرحاً، آمن منهم العديدون بالإله الحقّ، فيما سعى الكهّان، لدى الأمبراطور، إلى التخلّص من هذا الغريم الخطر.
ذكّر مكسيميانوس قدّيس الله بالعذابات الموقَعة، منذ بعض الوقت، على القدّيس أنثيموس المعيَّد له في 3 أيلول. أجاب بنتولاون أنّه إذا كان شيخ قد أبدى شجاعة هذا مقدارها فبالأولى يقوى الشبّان المؤمنون في التجربة. لا الإطراءات ولا التهديدات زحزحت القدّيس عن عزمه. إذ ذاك أسلمه الطاغية إلى التعذيب. أُوثق إلى قائمة ومُزِّق جنباه بأظافر من حديد ثمّ كويت جراحه بالنار فكان له الربّ يسوع معيناً. عُرِّض لأنواع شتّى من التعذيب وأُلقي للوحوش فلم تمسّه بأذى. سأله مكسيميانوس مَن الذي أتى به إلى الإيمان المسيحي فلم يتردّد القدّيس عن ذكر اسم هرمولاوس، معلّمه، إذ كان قد تلقّى كشفاً من الله أنّ الساعة حانت لكليهما أن يعترفا بالمسيح ويتكمّلا بالشهادة. فلمّا قضى هرمولاوس ورفيقاه ادّعى الأمبراطور، وقد أحضر بنتولاون لديه، أنّ الشهداء أذعنوا وضحّوا فلم تنطلي الحيلة عليه بنعمة الله. إذ ذاك أمر الملك بقطع رأسه وإلقاء جسده في النار. في الطريق إلى الموت أتى بنتولاونَ صوتٌ يقول له: “يا خادماً أميناً، شهوة قلبك تعطى الآن لك. ها هي أبواب السماء مفتوحة لك وإكليلك معدّ. من الآن تصير ملجأ للبائسين وعوناً للمجرَّبين وطبيباً للمرضى وهلعاً للأبالسة. لذلك لا يُدعى اسمُك، بعد، بنتولاون، بل بندلايمون”. إثر ذلك جرى قطع رأسه. وقيل لم يسلّمه الجنود للنار، لأنّهم كانوا قد آمنوا بالمسيح، بل إلى جماعة من المؤمنين الذين واروه الثرى بإكرام في مِلكية أمانتيوس المعلّم. ولم تزل تجري برفاته العجائب من ذلك الوقت إلى اليوم.