في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيس البارّ يعقوب المعترف *أبونا الجليل في القدّيسين توما الأوّل القسطنطينيّ *الشّهيدان فيليمون ودومنينوس *أبونا الجليل في القدّيسين بيريلوس الأنطاكيّ *القدّيس البارّ سرابيون السّبانيّ *القدّيس البارّ سرابيون، أسقف تمويس *القدّيس البارّ سرابيون الكبير *القدّيس البارّ سرابيون الصّيداويّ.
* * *
✤ القدّيس البارّ سرابيون السّبانيّ ✤
نسك في مصر خلال القرن الرابع للميلاد. عُرف بـ “السباني” لأنه كان يلبس ثوباً من الكتان السميك يُعرف بـ “السبانية”. لم تكن له قلاية ولا عصا ولا حذاء ولا أي شيء آخر سوى إنجيل صغير. كان كاملاً في عبادته، يفضل راحة قريبه على راحة نفسه. يتلو عن ظهر قلب كل كتب الله ويجول في البراري والمدن سعياً وراء اقتناء الفضائل وعمل الصالحات غير مبال ولا حتى بجسمه إلا بالله.
عن بساطته قيل إنه رغب مرة في الذهاب إلى رومية فجاء إلى شاطئ البحر وبتدبير الله وجد سفينة تهم بالتوجه إلى هناك فصعد إليها دون أن يكون معه لا خبز ولا مال ولا شيء من المقتنيات. وقد ظن البحارة أنه بصحبة إنسان آخر فلم يطالبوه بالأجرة. وبعدما سارت السفينة خمسة أيام، والأهواء مؤاتية، لاحظوه لا يأكل ولا يشرب ولا يكلمه إنسان. كان جالساً صامتاً. فسألوه: ما أمرك يا شيخ لا تأكل ولا تشرب ولا تتكلم؟ أجابهم: ليس معي طعام ولا دراهم لذلك أنا صائم. أما صمتي فسنة الرهبان فإنهم يؤثرون السكوت. فلم يصدقوه. وإذ فتشوا لم يجدوا معه شيئاً فتضجروا وانتهروه قائلين من أين توافينا بالأجرة؟ فقال لهم: ردوني إلى المكان الذي صعدت فيه السفينة ثم امضوا بعد ذلك بسلام. فقالوا: أبعدما سافرنا خمسة أيام تريدنا أن نعود أدراجنا إلى حيث بدأنا فنتأخر عشرة أيام؟ ثم لا نعلم إن كانت الرياح بعد ذلك توافقنا كما الآن لأننا قطعنا مسافة طويلة لطيب الريح الذي لم نر مثله قط. قالوا هذا ولم يعلموا أن الله سهل طريقهم ببركة الشيخ. أما هو فقال: إن لم تشاؤوا أن تردوني إلى مكاني الأول فهاأنذا بين أيديكم وليس لي ما أعطيكم وحدث بعد ذلك أن الرب الإله حنن قلوبهم فرحموه وأطعموه وأولوه جميلاً.
وعن سعيه إلى هداية الخطأة قيل الكثير. مثال ذلك هدايته الزانية تائيس التي تقدست فصارت الكنيسة تعيد لها في 8 تشرين الأول. خبرها تجده مثبتاً في السنكسار في ذلك اليوم. ومثال ذلك أيضاً أنه باع نفسه عبداً لجماعة من الممثلين خدمهم بتواضع قلب ولازمهم إلى أن توبهم وجاء بهم إلى العماد. ومثال ذلك أيضاً أنه باع نفسه في أسبارطة لمقدم المدينة الذي كان مانوياً فتمكن، بنعمة الله، في غضون سنتين، من هدايته هو وأهل بيته. وإذ رغبوا في إكرامه تركهم وانصرف.
وعن عطفه الشديد على المساكين أخبروا أنه مضى مرة إلى الإسكندرية فوجد في السوق هناك أنساناً عرياناً. فوقف يحدث نفسه قائلاً: كيف وأنا الذي يقال عنه راهب صبور ألبس ثوباً وهذا المسكين عريان. حقاً أن هذا هو المسيح والبرد يؤلمه! عند ذاك وثب بشهامة وتعرى من ثوبه وأعطاه للمسكين ثم جلس عرياناً والإنجيل في يده. واتفق أن كان المحتسب مجتازاً فلما أبصره على هذه الحالة قال له: من عراك يا أنبا سرابيون؟ فرفع الإنجيل وقال: هذا هو الذي عراني! فكسوه وانصرف من هناك. وفي الطريق وجد إنساناً عليه دين والدائن يعتقله. وإذ لم يكن لدى سرابيون سوى الإنجيل باعه ودفع ثمنه للدائن وأطلق المديون. فعل هذا وتابع سيره. وإذ به يلاقي في الطريق إنساناً آخر يستعطي فأعطاه الثوب وجاء إلى القلاية عرياناً. فلما أبصره تلميذه هكذا قال له: يا معلم أين ثوبك؟ أجابه قائلاً: لقد قدمته يا ولدي حيث نحتاجه! فقال له أيضاً: وأين إنجيلك يا أبتاه، ذاك الذي كنا نتعزى به؟ فأجاب: لقد كان يقول لي، يا ولدي، كل يوم، بع كل ما لك وأعطه للفقراء فبعته!
وعن شفاء المرضى أخبروا أن إنساناً كان له ولد مقعد فحمله إلى القديس سرابيون وتركه عند باب قلايته وابتعد قليلاً وأخذ يرقب ماذا يحدث. فبكى الولد. فلما سمع الشيخ صوت بكائه خرج وسأله: من جاء بك إلى ههنا؟ فقال له: أبي! قال له: قم وألحقه! فقام ولحقه فأخذه أبوه إلى منزله ممجداً الله.
وعن طرد الأرواح النجسة أخبروا أن إنساناً أتوا به إلى الكنيسة مرة وكان ممسوساً، فصلوا عليه فلم يخرج الشيطان لأنه كان صعباً. فأشار الكهنة بأخذه إلى القديس سرابيون. لكنهم قالوا: إن أعلمناه وسألنا من أجله امتنع خفراً. وبعد التداول ارتأوا أن يجعلوه في الكنيسة في الموضع حيث يقف سرابيون عادة ليصلي. فلما دخل الشيخ ووقفوا للصلاة، قالوا له: أيها الشيخ! أيقظ هذا الرجل الراقد! فقال له: قم! للوقت نهض معافى بكلمة الشيخ.
وعن سعيه إلى إصلاح الآخرين أوردوا أن أخاً زاره فطلب منه الشيخ أن يصلي كما العادة فاعتذر بقوله: إني خاطئ ولا أستحق ولا إسكيم الرهبنة. فأراد الشيخ أن يغسل رجليه فأبى ولم يدعه معتذراً بالقول أنه خاطئ ولا يستحق أن يُعمل له ذلك. ثم هيأ الشيخ طعاماً فلما جلسا يأكلان أخذ الشيخ يعظه بمحبة ويقول له: إن كنت تريد، يا بني، أن تنتفع فاجلس في قلايتك ودع عنك الدوران. اجعل اهتمامك في نفسك وفي عمل يديك فإنك لا تنتفع من الجولان بقدر ما تنتفع من الجلوس في قلايتك. فلما سمع الأخ هذا الكلام تململ وتغير لون وجهه. فأردف الشيخ: فيما تقول عن نفسك إنك خاطئ وتدعي أنك لست مستأهلاً للحياة في الدنيا، إذا بي، لما عاينتك بمحبة، أراك تتململ ويتغير لون وجهك. إن كنت تريد حقيقة أن تكون متضعاً فعليك احتمال ما يأتيك من الآخرين من الأحزان ولا تلم نفسك ملامة باطلة بالرياء والكلام البطال. فلما سمع الأخ هذا الكلام انتفع وصنع مطانية واستسمح ثم انصرف.
وعن غيرته على النساك وإصلاحهم أخبروا أنه لما وصل إلى رومية أخذ يجول في المدينة يسأل عن نساكها وصالحيها ليعرف أحوالهم فدلوه على راهبة حبيسة لها ذكر فاضل. فأحب أن يعرف سيرتها فذهب إليها. وكانت قليلة التحدث مع الناس ولها خادمة عجوز. فطلب الشيخ من الخادمة أن تُعلمها برغبته في مخاطبتها حباً بالمسيح، فامتنعت الخادمة أول الأمر. فمكث ثلاثة أيام لا يفارق المكان، لا يأكل ولا يشرب. فلما شعرت به الحبيسة ولاحظت صبره ورحمته. وإذ أطلت عليه سألته: ما الذي يبقيك ههنا يا أبي وما طلبك؟ قال لها: أحية أنت أم ميتة؟ فأجابته: أنا حية بالله وميتة عن العالم! فقال لها: أقائمة أنت أم جالسة؟ فأجابت: بل أنا سائرة! قال لها: إلى أين تسيرين؟ أجابت: إلى السيد المسيح! فقال لها القديس: أريد أن أتأكد من صحة كلامك، فإن فعلت ما أقوله لك علمت أنك صادقة. اخرجي من حبسك وانزعي ثيابك وأنا أفعل الشيء نفسه ثم نمشي أنا وأنت عريانين وسط سوق المدينة. فقالت له: يا أبي إن لي حتى اليوم خمسة وعشرين عاماً في هذا الموضع، فكيف تطلب مني أن أخرج منه وأفعل هذه الجهالة؟ أجابها القديس: ألست تزعمين أنك قد مت عن العالم فالميت من أي شيء يرتبك؟ والميت عن العالم لا يبالي بهزء الناس ولا بمدحهم. من مات عن الدنيا لا يبالي بما يصيب جسده من أجل الرب. فحياؤك يدل على أنك لم تموتي بعد عن العالم كما تقولين وأنك مخدوعة ولم تنتصري بعد. فقالت له: إني لم أصل بعد إلى هذه المنزلة. فأجابها القديس: إياك بعد اليوم أن تظني أنك غلبت الجسد ومت عن العالم! فقالت له: لو أننا أتينا هذا الفعل أما كانوا يشككون فينا ويقولون: لولا أن هذين فاسدان لما فعلا ذلك. قال لها: كل ما تصنعينه في سبيل الله لا تبالي بقول الناس إزاءه. إن الراهب إذا كان يغتم من الشتيمة والهوان فقد دل على أنه علماني ولم يترهب بعد. فقالت له: اغفر لي يا أبي فإني لم أصل بعد إلى هذه الدرجة. فقال لها: اتضعي في فكرك وإياك العظمة”. وبعدما قال لها هذا انصرف.
هذا وقد جرت على يد قديس الله عجائب جمة دلت على سلامه الداخلي وعلى محبته الكبيرة للخطأة والمتعبين. وقد رقد في الرب عن سبعين عاماً.