في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهيد أميليانوس دوروستوروم *الشّهيد ياكنثوس أماستريس *القدّيس البارّ بامبو النّيتري *الشّهيد أثناسيوس القلزمي *الشّهيد مركلّوس *الشّهيدان داسيوس ومارون *أبونا الجليل في القدّيسين استفانوس الثّاني القسطنطينيّ *أبونا الجليل في القدّيسين يوحنّا المعترف الخلقيدوني *القدّيس البارّ أونسيفوروس القبرصيّ *القدّيس البارّ يوحنّا المتصبّر الكهفيّ الكييفيّ *القدّيس البارّ بامبو المطيع الكهفيّ الكييفيّ *القدّيس البارّ لاونديوس النوفغوروديّ *القدّيسان البارّان بائيسيوس وإشعياء.
* * *
✤ القدّيس البارّ بامبو النّيتريّ ✤
وُلد حوالي العام 304 م. قبل أن يستقرّ في صحراء نيتريا تتلمذ للقدّيس أنطونيوس الكبير. تتلمذ على يديه كثيرون، منهم القدّيس بيشوي والقدّيس يوحنّا القصير. كان القدّيس مكاريوس يحضر من الإسقيط إلى نيتريا لزيارته. كان صغير السنّ جداً عندما انطلق إلى نيتريا. كان أمّياً. تعلّم وهو راهب. يروي عنه سقراط المؤرّخ أنّ أحد الإخوة تعهّده معلّماً للمزامير ليحفظها عن ظهر قلب. فبدأ بالمزور 38 الذي مطلعه: “أنا قلت في نفسي سأتيقّظ في طرقي لكي لا أخطأ بلساني”. فلمّا سمع بامبو ذلك قال للأخ: “قبل أن أتعلّم المزيد يحسن بي أن أعتزل قليلاً حتى أنفّذ هذا القول”. وإذ انقضت ستّة أشهر ولم يحضر بامبو، ذهب الأخ وسأله لماذا لم يعد إليه ليتعلّم المزيد فأجاب: “إنّي لم أتعلّم بعد أن أتمِّم القول الذي سمعتُه”.
سيم كاهناً حوالي السنة 340 م. وفي حدود السنة 350 م صار أحد كبار الشيوخ.
عاش في فقر كبير. علّم أنّ الراهب يلبس ثوباً لو ألقاه خارج قلاّيته ثلاثة أيّام ما كان أحد من الناس يرغب فيه. كان قليل الكلام. متى سأله أحد كلمة روحيّة أو تفسير مقطع كتابي لا يجيب للحال بل ربما اصطبر، أحياناً، ثلاثة أشهر ليجيب منتظراً أن يلهمه الربّ الإله بما يقول. لذا كان كلامه مشبعاً بالمعنى حتى أمكن البعض القول إنّه صاحب موهبة إلهية على تفسير الكتاب المقدّس فائقة حتى على القدّيس أنطونيوس الكبير نفسه.
وإلى حبّه للصوم وصمته الدائم اتّسم بامبو بممارسة عمل اليدين. فعند نياحته قال: “إنّي منذ دخولي هذه البرّية وبنائي القلاّية وسكناي فيها، لم ينقضِ عليّ يوم واحد دون عمل، ولست أذكر أنّي أكلت خبزاً من إنسان. وإلى هذه الساعة ما ندمت على لفظ واحد نطقت به. وها أنا منطلق إلى الربّ وكأنّي ما بدأت بشيء يرضيه بعد”.
قيل: ذهب يوماً إلى الإسكندرية فلاحظ ممثّلة لفتت أنظار عابري السبيل فشرع يبكي. فلمّا سألوه ما سبب ذلك قال: “أمران حرّكاني أولهما خسران هذه المرأة وثانيهما أنّي لست مهتمّاً بإرضاء الله بمقدار ما هذه المرأة مهتمّة بإرضاء الرجال”.
وعلى مدى ثلاث سنوات، سأل بامبو الله ألاّ يمجِّده على الأرض. لكن الله مجَّده لدرجة أن أحداً لم يقدر على التفرّس فيه لأنّ مجد الله كان يشعّ من وجهه مثل موسى النبيّ بعدما عاين الله وجهاً لوجه.
ورد أنّ القدّيسة ميلاني الكبرى أتته وهو يضفر الخوص فلم يُعرها اهتماماً. فقدّمت له وعاء فيه ثلاثمائة رطل من الذهب. لم يتوقّف عن العمل بل قال في هدوء: “الله يجازيك خيراً… ربّنا يعوّض عليك”. ثمّ قال لتلميذ له أن يوزّع المال على الإخوة في ليبيا والجزر لا في مصر لأنّ أولئك أشدّ قحلاً وفقراً. أمّا ميلاني فرغبت في بعض كلمات منه فأشارت إلى أنّ ما في الوعاء مال جزيل وكأنّ القدّيس لا يعرف قيمة ما أعطته. جوابه كان: “يا بنيّتي! مَن هو هذا الذي قدّمت له الوعاء؟ أتراه بحاجة لأن تخبريه عن قيمته؟ أليس هو الله الذي يزن الجبال ويعرف قيمتها أكثر منّا؟! فإن كنتِ قدّمته لي أنا الخاطئ الحقير لكان يليق بك أن تخبريني بقيمته، ولكن إن كنت قدّمته لله الذي لم يحتقر صدقة الأرملة الفقيرة فأرجو أن تصمتي”.
زاره متوحّدان وسألاه عن طريق خلاصهما. قال الأول إنّه يأكل مرّة واحدة كل يومين. وقال الثاني إنّه يربح قطعتين من الفضّة يومياً من عمل يديه فيشتري بالقليل لقوته ويوزّع الباقي على الفقراء. لم يجبهما القدّيس بشيء إلى أن حان وقت رحيلهما بعد أيّام. فلمّا التقياه وهما على أهبة المغادرة جعل رأسه بين يديه وكأنّه يكلّم نفسه قائلاً بصوت عال: بامبو، إذاً، يصوم يومين يومين ثمّ يأكل قطعتين من الخبز فهل هذا يجعله راهباً؟ بالتأكيد لا. ثمّ رفع رأسه ونظر إليهما وقال: “ما تصنعانه حسن جداً بكل تأكيد، ولكن احفظا فضيلة المحبّة الفائقة، فهي أهمّ الفضائل. إذ ذاك تتأكّدان من خلاصكما”.
كذلك زاره أربعة من الإسقيط وهم يلبسون الجلد. فذكر كل واحد فضيلة رفيعة. الأول يصوم كثيراً والثاني عديم القنية والثالث كثير المحبّة. وقالوا عن الرابع إنّه يعيش تحت طاعة أحد الشيوخ منذ 22 سنة. فقال لهم القدّيس: أقول لكم إنّ فضيلة الأخير هي الأعظم، لأنّ كل واحد منكم احتفظ بالفضيلة التي اقتناها بإرادته، أمّا هو فتخلّى عن إرادته الخاصة وتمسّك بإرادة إنسان آخر. هؤلاء الرجال، إذا استمرّوا هكذا إلى النهاية يكونون بمثابة المعترفين
كان رقاد بامبو عن عمر سبعين سنة.
من أخباره أنّه مشى مرّة مع بعض الإخوة في نواحي مصر، فرأى أناساً من أهل العالم جالسين، فقال لهم: “انهضوا قبّلوا الرهبان لكي تتباركوا. فهؤلاء يتكلّمون مع الله على الدوام وأفواههم طاهرة”.
وقال أيضًا: “إذا كان لك قلب يمكنك أن تخلص”.
وسأله كاهن من النطرون: “كيف يمكن الإخوة أن يسلكوا؟” فقال له: “بنسك كبير وهم يحفظون ضميرهم طاهراً نقيّاً تجاه القريب”.
وتوسّل الأب ثيوذوروس إليه أن يقول له كلمة. وبعد جهد كبير قال له: “يا ثيوذوروس، اذهب وكن رحيماً نحو الجميع لأنّ الرحمة قد وجدت حظوة في عيني الربّ”.