Menu Close

♱ السّنكسار اليَوميّ ♱

السّبت في ١ حزيران ٢٠١٩

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار: 

الشّهيد يوستينوس الفيلسوف ورفاقه ✵الشّهيد فيرموس ✵الشّهيد تسبيسيوس ✵الشّهيد ناون ✵الشّهيد في الكهنة بيروس الأسقف ✵القدّيس البارّ أغابيتوس الكييفيّ، الطّبيب الشّافي الصّانع العجائب ✵القدّيس البارّ ديونيسيوس غلوشيتسا الرّوسيّ ✵الجديد في الشّهداء أونوفريوس الرّوسيّ ✵الجديدة في الشّهيدات فيرا سمْسونوفا ✵القدّيس البارّ ميتريوس ✵شهداء أنطاكية ✵الشّهداء الأبرار الجيورجيّون شيو الجديد وداود وجبرائيل وبولس ✵القدّيس البارّ كابراسيوس الفرنسيّ ✵الشّهيدان فيلينوس وغراتيانوس ✵القدّيس البارّ فورتوناتوس الرَّحيم ✵الشّهيد بروكلس الإيطاليّ.

* * *

✤ القدّيس الشَّهيد يوستينوس الفيلسوف ورفاقه ✤

نشأته

وُلد القدّيس يوستينوس في مطلع القرن الثّاني للميلاد في فلافيا نيابوليس الفلسطينيّة المعروفة بنابلس. اسم والده بريسكوس وعائلته وثنيّة. عاش في بحبوحة وتلقّى تعليمًا مُختارًا. اشتاق إلى الحقّ. عاشر الفلاسفة. عرف الرّواقيّة والأريسطاطيليسيّة والفيثاغوريّة. لم تغوه أيِّ منها. الْتَصَقَ بأحد الفلاسفة الأفلاطونيّين المشهورين. أثّرت في نفسه مقولة “الأفكار” والعالم الرُّوحيّ عند أفلاطون. ظنّ، بعد حين، أنّه بلغ القصد وأمسك بالحكمة. وإذ رغب في مُعاينة الله، كما وعده الفيلسوف، اعتزل في موضعٍ هادئ عند البحر ليخلد إلى تأمّلاته.

لقاء الشّيخ

فيما كان، مرّة، يتمشّى عند الشّاطئ مُستغرقًا في تصوّراته طالعه شيخ وقور مهيب أتى كمن لا مكان، سيماؤه الوداعة والرَّزانة معًا. دخل الإثنان في حوار. أكبر يوستينوس الفلسفة. اعتبرها أجلّ وأثمن أنشطة النّاس. ساءله الشّيخ كيف للفلاسفة أن تكون لهم عن الله فكرة صائبة ولمّا يعرفوه بالخبرة. وإذ أجاب يوستينوس أنّ في طاقة الذّهن أن يُعاين الله، أردف الشّيخ إنّ الذّهن لا يحوز مثل هذه القدرة ما لم يتّشح بالرُّوح القدس أوّلًا، بعد أن يكون قد تنقّى بمُمارسة الفضيلة. واسترسل الشّيخ في الكلام فدحض العقيدة الأفلاطونيّة في شأن النّفس والتّقمُّص وأبان لمحدّثه أنّ الفكر عاجز عن إثبات أنّ العالم أزليّ وغير مخلوق: وحده الله لا بدء له ولا يعتريه فساد، واحدٌ أحد بالكامل ومساوٍ لذاته أبدًا. أمّا النَّفس، بِخِلاف ما يزعم أفلاطون، فالحياة ليست نصيبها في ذاتها. النَّفس تحيا لأنّها تشترك في الحياة المَوهوبَة لها مِنَ الله. أخذت أقوال الشّيخ بمجامع قلب يوستينوس فسأل لِمَن من المعلّمين ينبغي العودة ليعرف المرء هذه الحقيقة الّتي يجهلها حكماء الأزمنة الغابرة. أجابه الشّيخ إنّ هذا العلم هو لعظماء أعرق من الفلاسفة: رجال أبرار عزّهم الله فتكلّموا بالرُّوح القُدُس وأنبأوا بالآتيات الّتي تمّت في هذه الأيّام. هؤلاء ندعوهم أنبياء. فإذ امتلأوا من الرُّوح القدس أمسكوا عن الكلام ولمّا يُعلنوا غير ما عاينوه وسمعوه دون أن يلجأوا إلى براهين دقيقة. وكشهود للحقّ مجّدوا الإله الواحد الآب وأخبروا، بالعلامات والكتابات، عن المسيح الآتي منه. ثم ختم الشّيخ كلامه بالقَوْل: “وأنتَ، قبل كلّ شيء، صلِّ من أجل أن تُفتح لكَ أبواب النّور لأنّه ليس لإنسان أن يُعاين الله ويفهم ما لم يُعطه الله ومسيحُه أن يفهم”. تفوّه الشّيخ بهذا الكلام وغيره ثم ابتعد وتوارى. بكلام يوستينوس في مؤلَّفه “حوار مع تريفون”، الفصل الثّامن: “أسمعني الرّجل هذا الكلام وغيره الكثير… ثم تركني ومضى بعد أن نصحني بالتّأمّل بكلّ ما سمعته منه. ولم تشاهده عيناي بعد ذلك اليوم. غير أنّ نارًا اشتعلت فجأةً في داخلي فأحببت أولئك الأنبياء، حَمَلة الحقّ، وجميع أصدقاء المسيح. ولمّا تملّأتُ منهم وأمعنتُ النَّظر في أقوالهم أدركت أنّ فلسفتهم هي الفلسفة المُفيدة. تلك هي الأسباب الّتي قادتني إلى الفلسفة وجعلتني فيلسوفًا”.

درايته بآلام المسيحيّين

قبل ذلك لم يكن يوستينوس غريبًا عمّا يجري للمسيحيّين، إذ يبدو أنّه لمّا كان من تلامذة أفلاطون، كما قال، استوقفته التّهم الموجّهة إليهم. شاهدهم يواجهون الموت ويجابهون ما يخشاه سواهم بشجاعة فائقة. هذه صدمته وأقنعته أنّهم على حقّ، لأنّه يستحيل أن يكون أمثالهم في ضلال أو أن ينغمسوا في المَلَذَّات.

التّعليم والدّفاع عن المسيحيّين

بعدما اقتبل المعموديّة انكبّ على دراسة الكتاب المُقَدَّس في فلسطين، ثمّ، من غير أن يتخلّى عن الرّداء واللّحية، وهما العلامتان الفارقتان للفلاسفة، خرج يعلّم “الفلسفة الحقّ”، فلسفة الأنبياء والرّسل القدّيسين في آسيا الصّغرى. بحسب أفسافيوس القيصريّ المؤرِّخ اعتناق يوستينوس المسيحيّة كان قبل ثورة باركوكبا اليهوديّ الّذي ادّعى أنّه المسيح المُنتظَر. تاريخ ذلك ربّما كان بين العامَيْن 132 و135 للميلاد. لم يصر يوستينوس كاهنًا لكنّه أخذ على عاتقه مهمّة الدّفاع عن تعاليم المسيح. في حواره مع تريفون أبدى أنّه على كلّ إنسان أن يبشِّر بالحقّ ويدافع عنه والله سيدين مَن يتقاعس عن ذلك.

حواره مع تريفون

حوالي العام 136 للميلاد التقى يوستينوس أحد الرّبابنة اليهود المعروفين في آسيا الصُّغرى، تريفون الّذي يُظنّ أنّه التقاه في إزمير. تحاور الرَّجلان على مدى يومين. حصيلة الحوار دوّنها يوستينوس، فيما بعد، وقد انحفظت إلى هذا اليوم. أبان قدّيسنا لمحدّثه، بالعودة إلى شواهد عديدة من الكِتاب المُقَدَّس، أنّ الشّريعة والعهد القديم برمّته لم يكن سوى مُقدّمة ورسم فذّ متماسك للمسيح ابن الله، مشرِّع العهد الجديد، الّذي سبق الأنبياء فتكلّموا عليه. والجديد أبطل العتيق. إنّها الآن الأمم المُهتدية مَن يشكِّل “إسرائيل الرّوحيّ الحقّ”. فيها الكلّ مدعو لأن يصير “إلهًا” بنعمة الرُّوح القُدُس. 

بعد آسيا يبدو أنّ يوستينوس تحوّل إلى رومية حيث طالت إقامته على دفعتين بدءًا من حوالي العام 138 للميلاد.

دفاعيّته الأولى والثّانية

في رومية اتّخذ مَقَرًّا بالقُرب من حمّامات تيموثاوس وصار يستقبل طلّاب المعرفة الحقّ. عُرفت مدرستُه وذاع خبرها في زمن الإمبراطور أدريانوس ولا سيّما الإمبراطور أنطونيوس التَّقيّ. السَّنوات، يومذاك، كانت سنوات سلام للكنيسة في الإمبراطوريّة. من بين تلاميذه كان تاتيانوس السّريانيّ، أحد المُدافعين عن الإيمان المسيحيّ. تلك الفترة من حياته كانت حافلة أيضًا بالنِّتاج الفكريّ. الدّفاعيّتان اللّتان وصلتانا منه عن المسيحيّة والمسيحيّين تعودان إلى تلك الحَقَبَة. الدّفاعيّة الأولى وجّهها، بخاصّةً، إلى الإمبراطور أنطونيوس التّقيّ ومجلس الشّيوخ، وهي تعود، في تاريخها، إلى حوالي العام 155 للميلاد. أمّا الدّفاعيّة الثّانية فمن العام 160 للميلاد وقد رفعها إلى الإمبراطور ماركوس أوريليوس ومجلس شيوخه. في الأولى دحض الوشايات الفظّة الّتي أشاعها الوثنيّون في شأن المَسيحيّين. قال: لا هم ملحدون ولا هم أعداء للدَّولة وأخلاقهم فوق الشّبهة. وبعد أن بيّن انسجام حدس الفلاسفة مع الإعلان الإلهيّ وصف نبل الإجتماعات اللّيتورجيّة ونقاوتها، وكيف أنّ منها تمتدّ حياة الشّركة المرتكزة على الأفخارستيّا تعاضدًا بين أعضائها ومؤازرةً للمُحتاجين. قال: “بإمكانكم قتلنا ولكن لا أن تؤذونا! ليس رجاؤنا من هذا الزّمن الرّاهن ولسنا نخشى جلّاديكم. نحن لا نكره متّهمينا بل نشفق عليهم ولا نرغب إلّا بهدايتهم”. هذا في دفاعيّته الأولى، أمّا في دفاعيّته الثّانية فيُجيب على اعتراض الوثنيّين: لماذا لا ينتحر المسيحيّون ليبلغوا إلى ربّهم سريعًا؟ ثمّ، إذا كان إله المسيحيّين كليّ القدرة حقًّا فلماذا يدع عابديه يُضطهَدون؟ أفاد يوستينوس أنّ غيظ الأبالسة وحسدهم هو سبب اضطهاد المسيحيّين وأنّهم لو لم يكونوا حقانيّين وذوي فضل لتعذّر تفسير تصبّرهم على التّعذيب. إذ كان الله قد أخّر المصيبة الّتي لا بُدّ أن تحلّ بالكون فمن أجل جنس المسيحيّين. ثمّ ختم بالقول: “أنا مسيحيّ وبذلك أفتخر وأعترف أنّ كلّ شهوتي هو أن أُعرَف كذلك”.

إستشهاده ورفاقه

عدوّ يوستينوس الألدّ كان كريشينس (Crescens) الفيلسوف الّذي سعى جاهدًا للتّخلُّص مِنَ القدّيس ورفاقه. وبالفعل تسبّب في قبض الوالي روستيكوس عليه ومَن معه. وبعد اعترافهم جميعًا بأنّهم مسيحيّون جُلدوا وقُطعت هاماتهم. كان ذلك في حدود العام 165 م. رفاق يوستينوس كانوا ستّة بينهم امرأة وهم خاريطون وأفلبيستوس وهيراكس وبيون وليبريانوس بالإضافة إلى خاريطونة. جاء بعض المؤمنين ورفعوا أجسادهم سرًّا ودفنوها في مكانٍ مُناسب.

كتاباته

تُنسب إلى يوستينوس مؤلّفات عديدة لم يصلنا منها سوى دفاعيّتيه وحواره مع تريفون. بعض العناوين الّتي وردت هنا وثمّة عند بعض الآباء: كتاب عن القيامة وآخر ضدّ الهرطقات والبِدَع وآخر عن السّلطة وشرح للمزامير وتفسير لرؤيا يوحنّا.

مُقتطفات ممّا كَتَب

“بقدر ما نحن مضطهَدون بنفس القدر يزيد عدد المؤمنين بالمسيح. فعندما تُشحَّل أغصان الكرمة الّتي تُثمر، تزيد تفرُّعًا وتُثمر أكثر. هكذا نحن، شعب المسيح، الكرمة الّتي زرعها إلهنا ومخلّصنا يسوع”.

“كلّ ما علّمه [الفلاسفة الإلهيّون] من حقائق يخصّنا نحن المسيحيّين لأنّ اللّوغُس (الكلمة) الّذي نعبده ونحبّه بعد الله… هو أوحى لهم بتلك الحقائق… اللّوغُس نفسه وضع فيهم زرعه… جميع المبادئ الصّحيحة الّتي اكتشفها وعبّر عنها الفلاسفة والمشرّعون تعود إلى كونهم وجدوها وتأمّلوها جزئيًّا في اللّوغُس…”.

“كما أنّ نُوح خلُص بواسطة خشبة الفُلك… كذلك البشريّة… بخشبة الصّليب”.

“كلّ الّذين عاشوا بوَحي الكلمة هم مسيحيّون ولو اعتبرهم الكثيرون مُلحِدين كسُقراط وهيراقليطس وأمثالهم عند اليونان”.

“الصّراع الّذي قام بين يعقوب والملاك كان إشارة إلى أنّ المسيح، بكر الخليقة، هو الله… إنّه الكلمة الّذي ظهر بمظهر الملاك”.

“المسيح دعا إبراهيم ليخرج من عشيرته كي يسكن أرضًا جديدة. هذه الدّعوة كانت لنا جميعًا لنخرج من حياتنا الماضية وندع الشّرور الّتي كنّا نشارك فيها جميع سكّان الأرض، لنرث مع إبراهيم الأرض المقدّسة والحياة الأبدية…”.

“في اليوم الذي يُدعى يوم الشمس يجتمع المؤمنون في مكانٍ واحدٍ، آتين من المُدن والقُرى. يبدأ الاحتفال بقراءات من أعمال الرّسل والأنبياء والإنجيل بقدر ما يسمح الوقت بذلك. وعندما ينتهي القارئ يتقدّم الرّئيس المحتفل ويلقي عظة… ثمّ نقف ونصلّي بصوتٍ مرتفع… وعندما ننتهي نقدّم للرّئيس الخبز والخمر والماء. ثمّ يرفع المحتفل الأفخارستيّا عاليًا والشّعب يهتف: آمين. بعد ذلك تُوزّع الأفخارستيّا على جميع الحضور لتناول جسد الرَّبّ ثم يُرسل ما تبقّى للغائبين بواسطة الشّمامسة. بعد الذّبيحة يقدّم الميسورون المُساعدات فيقبلها الرّئيس ويوزّعها على اليتامى والأرامل ومَن كانوا في عوز، إمّا لمرض أو لسببٍ آخَر. وكذلك يوزّعها على المساجين وعلى الغُرباء. بكلمةٍ مختصرة على جميع الّذين بحاجةٍ إلى ذلك. وإنّنا نجتمع يوم الشّمس لأنّه تذكار اليوم الأوّل الّذي أوجد فيه الله المادّة مِنْ لا شيء، وخلق العالم وتذكار قيامة مخلّصنا يسوع المسيح”.

ملاحظة: يُعيِّد له اللّاتين في 13 نيسان.

مواضيع ذات صلة