في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*عيد دخول والدة الإله إلى الهيكل *القدّيس البارّ كولومبان الإيرلنديّ.
* * *
✤عيد دخول سيّدتنا والدة الإله إلى الهيكل✤
“إنّ بيت الله بتقبّله اليوم الباب الّذي لا يجتاز فيه أبطل عبادة النّاموس ورمزه هاتفًا نحو الّذين على الأرض: إنّ الحقيقة قد ظهرت فعلًا“
(صلاة السّحَر. الأودية الرّابعة. الطّروباريّة الأولى)
يرقى هذا العيد السّيّديّ في الشّرق عندنا إلى ما بين القرنين السّادس والثّامن للميلاد، فيما عرف طريقه إلى الغرب في القرن الرّابع عشر.
ارتبط العيد منذ القديم بقصّة حملت المعاني العميقة للعيد وطابعه المميّز.
أمّا القصّة فتفيد بأنّ الزّوجَين الفاضلَين يواكيم وحنّة بعدما كانا عاقرَين ومنّ عليهما الرَّبّ الإله بثمرة البطن، مريم، أخذاها إلى الهيكل لتُقيم فيه وفاء لنذر كانا قد قطعاه على نفسيهما. مريم، يومها، كانت قد بلغت الثّالثة من العمر. فدعا يواكيم بعض العذارى العبرانيّات عريقات الجنس ليواكبنها بالمَصابيح. وقد تقدمتهنّ مريم دونما خوف أو تردّد لأنّ الرَّبّ الإله كان قد اصطفاها منذ مولدها وجعلها مائلة كلّها إلى الفضيلة والسّماويّات أكثر من أيّ إنسانٍ آخر على الأرض. وما إن وصلت إلى باحة الهيكل، حيث كان رئيس الكهنة زكريّا بن برخيا والشّيوخ بانتظارها، حتّى ألقت بنفسها بين ذراعيه فباركها قائلًا: “الرَّبّ مجّدك في كلّ جيل. وها أنّه فيك في الأيّام الأخيرة يكشف الله الخلاص الّذي أعدّه لشعبه“.
بعد ذلك، وبخلاف كلّ الأعراف، أدخل رئيس الكهنة الطّفلة مريم إلى قدس الأقداس حيث لا يسوغ إلّا لرئيس الكهنة الدّخول مرّة في السّنة للتّكفير عن خطاياه وخطايا الشّعب، وليس من دون دم ذبيحة. وقد أجلس زكريّا مريم على درجة المذبح الثّالثة، فحلّت عليها نعمة العليّ، فانتصبت وبدأت ترقص من الفرح. وكلّ الّذين عاينوا المشهد اندهشوا وعظّموا الله على ما هو مزمع أن يتمّمه في هذه الطّفلة.
وعاد يواكيم وحنّة إلى بيتهما وبقيت العذراء مريم في قدس الأقداس.
أمضت مريم في الهيكل تسع سنوات وكان رئيس الملائكة جبرائيل يأتيها بطعام روحيّ. سلكت في السّماويّات فوق ما كان آدم وحوّاء في الفردوس، بلا همّ ولا هوى. حتّى حاجات الطّبيعة تخطتها وكذلك استبداد الشّهوات الحِسيّة. لم تَحيا إلّا لله وحده، تتأمّل جماله. وبالصّلاة الدّائِمة واليقظة أنجزت نقاوة القلب واستحالت مرآة صافية تعكس مجد الله. وقد تزيّت بزيّ الفضائل البهيّ كمثل عروس تتهيّأ لتستقبل في ذاتها العريس السّماويّ الّذي هو المسيح. كما اقتنت، خلال إقامتها في قدس الأقداس، حدًّا من الكمال جعلها خلاصة قداسة العالمين فأضحت على مثال الله في الفضيلة، واجتذبته ليصير على مثال النّاس بالتّجسّد. ولمّا كان ذهنها قد تنقّى بالوحدة والصّلاة فقد أمكنها أن تدرك المعنى العميق لأسرار الكتاب المقدّس. وإذ سارت بين القدسات وتأمّلت في نقاوة ذاتها فهمت ما كان قصد الله لشعبه المختار على مدى الأجيال. فهمت أنّ كلّ ذلك الزّمان كان لازمًا ليهيّء الله لنفسه أمًّا وسط هذه الإنسانيّة المتمرّدة. كما عرفت أنّ الله اصطفاها ابنة طهورًا لتصير للّاهوت هيكلًا حيًّا. وإذ وضعها في قدس الأقداس حيث كانت رموز وعد الله اكتشفت أنّ فيها تتحقّق الرّسوم الظّلّيّة. مريم هي الهيكل. الهيكل الحجريّ كان حتّى مريم. وبعدما دخلت إليه لتحتضن الإله ألغته. ومريم هي مظلّة كلمة الله وتابوت العهد الجديد وإناء المَنّ السّماويّ وعصا هرون المفرعة ولوح شريعة النّعمة. فيها تنجلي النّبوءات المعتمة. فالسّلّم الّذي يصل السّماء بالأرض، ذاك الّذي شاهده يعقوب في الحلم، هو إيّاه مريم. وهي أيضًا عمود الغمام الّذي أعلن مجد الله والسّحابة الخفيفة الّتي حكى عنها أشعياء النّبيّ. وهي الجبل الّذي عاينه دانيال النّبيّ غير مقطوع منه بيد. وهي الباب المغلق الّذي عبر منه الله ليلقى النّاس كما جاء في حزقيال النّبيّ. وهي العين الحيّة المختومة الّتي أفاضت علينا مياه الحياة الأبديّة.
وبعدما بلغت مريم الثّانية عشرة خرجت من قدس الأقداس وأُودعت يوسف العفيف إلى كمال السّاعة. هذه قصّة دخول والدة الإله إلى الهيكل وقد اقترنت بأسمى ما تراه الكنيسة في مريم. كلّ لاهوت والدة الإله مسكوب في هذه القصّة. لذا نبحث في تفاصيلها عما تشير إليه. ولنا في خدمتَي الغروب الكبير والسَّحَر، اليوم، مستودع لذلك.