في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
✵القدّيس البارّ ثيوذوروس المُتقدّس ✵الشّهداء عبدا وعبد يشوع الأسقفان الفارسيّان ومَن معهما ✵الشّهداء إسحق وسمعان وبخيشوع ✵القدّيس البارّ باراس القسطنطينيّ ✵الشّهيد بطرس بلاشيرن ✵الشّهيد بابيلين ✵القدّيس البارّ ناوديون ✵الشّهداء الأبرار في دير مار سابا ✵أبونا الجليل في القدّيسين نيقولاوس، كاتم الأسرار ✵أبونا الجليل في القدّيسين نيقولاوس، كاتم الأسرار ✵القدّيسة البارّة موزا ✵القدّيس البارّ برندان الشّيخ ✵الشّهيد في رؤساء الكهنة بريغرينوس أوكسير ✵القدّيسان البارّان كاسيانوس ولافرنديوس كومَلسك الرّوسيّان ✵القدّيس البارّ أفرام بركوم النّوفغوروديّ الرّوسيّ.
* * *
✤ القدّيس البارّ ثيوذوروس المُتقدّس ✤
وُلد ثيودوروس في وسط مسيحيّ راقٍ في صعيد مصر فسلك في التّقوى منذ نعومة أظفاره. لمّا بلغ الثّانية عشرة عاين المائدة الفخمة الّتي أعدّتها العائلة بمناسبة عيد الظّهور الإلهيّ فشعر بنخس القلب وقال: “إذا نعمتم بهذه المآكل فلن تنالوا الحياة الأبديّة”. مذ ذاك أخذ في الصّوم كلّ يوم إلى المساء ممتنعًا عن كلّ طعام مرغوب فيه. بعد ذلك بسنتين انضمّ إلى دير لاتوبوليس حيث سلك في النّسك بمعيّة بعض الرّهبان المسنّين. ولمّا سمع بحكمة القدّيس باخوميوس الكبير ارتحل إليه بغيرة حارقة. عمل ثيودوروس على الاقتداء بالأب باخوميوس في كلّ شيء. كان يعتبره بمثابة حضور لله منظور. سهر، بصرامة، على حفظ نقاوة قلبه، لا يتكلّم إلّا عند اللّزوم، سالكًا في الطّاعة رغم حداثته، عزاء للعديدين ونموذجًا يُحتذى. في السّنة الأولى من إقامته في طبانسين إذ نهض يومًا للصّلاة استضاءت قلّايته فجأة وظهر له ملاكان بهيّان. خاف وخرج بسرعة وتسلّق إلى السّطح. لكن جاءه الملاكان يطمئنانه وسلّموه، نبويًّا، عددًا كبيرًا من المفاتيح.
مرّة أخرى، جاءت أمّه لزيارته فأبى أن يراها خشية أن يُلام في يوم الدّينونة على تجاوزه الوصيّة القائلة بأنّ مَن طلب الكمال كان عليه أن يتخلّى، نهائيًّا، عن ذويه. قال: “ليس لي أمّ ولا شيء في هذا العالم العابر”. ولمّا وبّخه القدّيس باخوميوس على ما فعل ليجرِّبه لم يسعَ ثيودوروس إلى تبرير نفسه، بل اقتبل الذَّنب وقال: “عليّ أن أبكي حتّى يصلح الرَّبّ قلبي وأصير مستحقًّا لطاعة أحكامه”.
ذات يوم تعرّض أخ لتوبيخ القدّيس باخوميوس فأخذ يُعدُّ العدَّة لترك الدَّير. فجاء القدّيس ثيودوروس إليه وزعم أنّه هو أيضًا قرّر ترك الدّير. وهكذا بثُ في الأخ الشّجاعة للبقاء ونجّاه من الهلاك. مرّة أخرى سأل راهبًا عتيقًا فوجده عاجزًا عن التّخلّي عن تعلّقه بعائلته، فتظاهر بأنّه يريد أن يغادر مثل هذا الدّير الّذي يستخفّ بالكلمة الإنجيليّة القائلة إنّ مَن لا يبغض أباه وأمّه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته وحتّى نفسه أيضًا فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا (لوقا 14: 26). وبهذه الطّريقة تمكّن من إصلاح أخيه.
لمّا بلغ الثّلاثين من العمر، في مساء يوم أحد، وكان القدّيس باخوميوس قد جمع الإخوة للتَّعليم المُعتاد، فجأة ترك الكلام لثيودوروس. وبالطّاعة شرع في الكلام وفق ما جعل الله في قلبه فيما وقف القدّيس باخوميوس والرُّهبان يَسمعون. غير أنّ بعض الشّيوخ غضبوا لترفيع مَن كان دونهم وتركوا الجماعة. فلمّا انفضّ المجمع صرّح القدّيس باخوميوس في شأن الّذين غادروا أنّهم تغرّبوا عن رحمة الله وإنّهم إن لم يتوبوا عن الصّلف الّذي أبدوه فسيكون عسيرًا عليهم أن يصلوا إلى الحياة الأبديّة. بعد ذلك عيّن ثيودوروس مدبِّرًا لدير طبانسين وجعله مشاركًا له في إدارة الشّركة. أمّا ثيودوروس فإذ كان قد تمرّس في الاتّضاع وتخلّى عن مشيئته الخاصّة فإنّه لم يغيِّر شيئًا من موقفه كتلميذ ونما في بناء الإخوة لأنّ كلمته كانت ممتلئة نعمة وكانت محبّته تستر كلّ الضّعفات. فإنّه كلّ يوم، بعد العمل، كان يتوجّه إلى بابو ليسمع تعليم باخوميوس، ثم يعود إلى طبانسين ليُعيده على رهبانه.
بعد ذلك، تلقّى ثيودوروس إيعازًا من باخوميوس بزيارة أديرة الشَّركة، فكان الإخوة يستقبلونه بفرح كبير لأنّ الله حباه موهبة التّعزية وكان باخوميوس يقول فيه: “ثيودوروس وأنا نتعلَّم الخدمة عينها إكرامًا لله، وإنّ له القدرة على أن يقود بصفته أبًا ومعلِّمًا”. لهذا ما لبث باخوميوس أن أخذ ثيودوروس من طبانسين ليجعله في موقع القيادة الرُّوحيّة للشّركة برمّتها. فكان هو الّذي يقبل الرّهبان الجدد في كلّ الأديرة ويطرد منهم مَن كانوا مُعانِدين. وإذ كان يعمل على إصلاح أحد الإخوة كان هو أيضًا يفرض على نفسه عمل التّكفير ذاته خشية أن يدينه الرَّبّ الإله على عدم إتمام ما يأمر به الآخرين.
مرّة مرض القدّيس باخوميوس فجاء الإخوة إلى ثيودوروس ليسألوه استلام زمام الأمور عِوَضًا عنه في حال وفاته. فلمّا استردّ باخوميوس عافيته طلب أن يؤدّي الجميع كلٌّ حسابًا عن أفكاره. فاعترف ثيودوروس أنّه تحت ضغط الإخوة أذعن إلى اقتراحهم بشأن خلافته. إذ ذاك جرّده باخوميوس من كلّ سلطة على الرّهبان ونفاه إلى مكان معزول حيث ذرف دموعًا سخيّة بسبب خطيئة الكبرياء. ثم بعد سنوات من التّكفير وقبل رقاد القدّيس باخوميوس بقليل، أعاده إلى مهامه السّابقة مُبديًا للإخوة أنّ هذه المحنة ساهمت في تقدّم ثيودوروس، سبع مرّات أكثر من أعماله النّسكيّة السّابقة بسبب التّوبة المتواضعة الّتي أبداها.
بعد وفاة القدّيس باخوميوس سنة 346، أُرسل ثيودوروس إلى الإسكندريّة لقضاء بعض المهام. فزار القدّيس أنطونيوس الكبير الّذي زوّده برسالة توصية إلى القدّيس أثناسيوس الكبير. في الإسكندريّة علم بوفاة بترونيوس– أحد كبار الآباء في الشّركة- فلمّا عاد خضع للقدّيس هورسياز. أضحى بمثابة نعجة بعدما اقتلع من قلبه كلّ فكر له علاقة بالسّلطة، مع أنّه، في أعين الكثيرين، كان الأكثر أهليّة لخلافة القدّيس باخوميوس. ولمّا رأى أنّ العديد من الإخوة يلجأون إليه، ولئلا يُفسح في المجال لأيّة خصومة، نال إذنًا بالانتقال إلى دير باخنوم ليُدير المخبز فيه. لكن حدث أنّ رئيس دير مونخوسيس تمرّد وشاء أن يستقلّ بديره، فاعتزل القدّيس هورسياز وعيّن ثيودوروس خلفًا له على رأس الشّركة.
للحال جمع ثيودوروس الإخوة ووعظهم بدموع أن يحفظوا التّقليد الّذي أنشأه القدّيس باخوميوس وأن يحفظوا وحدة المجمع المُقَدَّس. ثمّ زار، بعناية، كلّ الأديرة وعمل على استبدال الرّؤساء فيها ووزّع مهامًا جديدة على الجميع. وإذ بقي يذكر التّوبة الّتي فرضها عليه القدّيس باخوميوس للفكر الّذي اقتبله بشأن خلافته، لم يحسب نفسه رئيسًا على الأديرة بل بديلًا عن الأنبا هورسياز وخادمًا له. على هذا، كلّ مرّة كان يشاء فيها أن يأخذ قرارًا كان يذهب أوّلًا ويطلب إذن هورسياز الّذي كان قد اعتزل في كينوبوسكيون. كان، في وسط الإخوة، نموذجًا للتّواضع، سواء في اللّباس أو في الكلام والتّصرّف رغم شهرته الّتي انتشر خبرها في كلّ مصر والأشفية العديدة الّتي جرت على يديه.
وبفضل مُثابرته تمكّن، بنعمة الله، من إعادة النِّظام إلى الشَّركة ومن تحريك غيرة الرُّهبان. كان يحادث كلّ واحد منهم ويعظه أن يقاوم بصبر هجوم الأفكار. كما كان يصلح المُهملين بصبر ويصلّي بحرارة من أجل إصلاحهم. وإلى الأديرة الّتي أسّسها القدّيس باخوميوس أضاف ثلاثة أديرة رجليّة أخرى وديرَين نسائيَّين.
بعد ذلك نجح ثيودوروس في حمل هورسياز على العودة إلى بابو وقام بخدمته باعتباره ثانيًا له، كما صار يتناوب وإيّاه على زيارة الأديرة. على أنّ الانشغالات المادّيّة الّتي تزايدت بفعل نموّ عدد الإخوة أحزنت ثيودوروس. رأى أنّ الرُّهبان آخذون في التّخلّي عن صرامة الحياة وبساطتها على النّحو الّذي أنشأه القدّيس باخوميوس. فضيّق على نفسه بالأكثر ودعا الرّهبان إلى التّوبة كما كان يمضي اللّيالي الطّوال في الصّلاة على ضريح القدّيس باخوميوس.
ثم بعد فصح العام 368 م. مرض ثيودوروس وتوسّل هورسياز إلى الرَّبّ الإله أن يموت هو أوّلًا وأن يبقى ثيودوروس الّذي تحتاج إليه الشّركة حاجة ماسّة. لكنْ لم تكن هذه مشيئة الله. وبعدما اعترف ثيودوروس بأنّه لم يسبق له البتّة أن صنع ما هو خارج الطّاعة، رقد بسلام في الرَّبّ في 27 نيسان. فصاح الإخوة كلّهم: “اليوم تيتّمنا لأنّ أبانا البارّ باخوميوس هو الّذي مات اليوم في شخص ثيودوروس!”