في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*أبونا الجليل في القدّيسين نيقولاوس رئيس أساقفة ميرا اللّيسيّة العجائبيّ *القدّيس البارّ ثيوفيلوس أسقف أنطاكية *القدّيس البارّ أبراميوس اقراطيا *القدّيس الشّهيد نيسر *القدّيس مكسيموس متربوليت كييف وفلاديمير *القدّيس الشّهيد الجديد نيقولاوس كاراموس.
* * *
✤ القدّيس البارّ ثيوفيلوس أسقف أنطاكية ✤
هو أسقف أنطاكية العظمى السادس أو ربما السابع. ولد لأبوين وثنيّين ونشأ وثنياً. درس الفلسفات القديمة وبرع فيها. لم تفسده الوثنية. كانت روحه روح إنسان حرّ توّاق إلى الحقيقة أولاً. لم يقع في غواية المعرفة ولا استكبر. شوقه إلى الحقيقة دفعه إلى البحث عنها بتواضع وانفتاح قلب دون أحكام مسبقة. التأمل في الخليقة كان له نهجاً. وقد أفضت به تأملاته إلى اكتشاف خالق السماء والأرض وبالتالي إلى نبذ دين آبائه. قال فيما بعد: “إن عظمة صلاح الله في الخليقة مدهشة إلى حد أنه لا طاقة لأحد على وصف نظام الخليقة وترتيبها ولو تزود بالبلاغة السيّالة لألف لسان وامتدت حياته إلى ألف عام”. فلسفة القدامى لم تروه والوثنية بدت لناظريه منافية للعقل السليم. وفي بحثه الدؤوب عن الحقيقة قرأ الأناجيل والأنبياء فوجد فيها ضالته المنشودة وصار مسيحياً. مذ ذاك أدرك كم أن اسم المسيحي عزيز في عين الله، ولا يحتقره إلا الجهلة والأشرار. كما أدرك، وهو الفيلسوف المتمرس، أن المسيحية ليست فكراً ولا فلسفة بالمعنى الذي كان القدامى يتعاطون الفلسفة، بل سيراً في دروب القداسة. أوتوليخوس الوثني الذي كان صديقاً لثيوفيلوس جادله بلا هوادة في شأن هدايته إلى المسيح. ماذا كان جواب ثيوفيلوس؟ “لكل الناس عيون ومع ذلك فنور الشمس محجوب عن بعض الناس. ليس أن الشمس تتوقف عن فيض نورها عن المضروبين بالعمى… ليست الشمس هي العلة بل عماهم. على هذا المنوال، يا صديقي، تُظلم الخطيئة الذهن وتبلّد الفهم. وكما لا يعكس الزجاج الصورة إذا اتّسخ، كذلك لا يتلقى الذهن الختم الإلهي إذا غمرته الخطيئة. هذه هي اللزاجة التي تحجب الرؤية إلى حد بعيد وتعيق معاينة الشمس. من هنا،، يا صديقي، إن إثمك هو الذي ينشر على قوى نفسك غيمة ويجعلك عاجزاً عن تقبل النور البهي”.
سنة 168م، على ما يُظن، رقد أيروتوس، أسقف أنطاكية العظمى، فحلّ ثيوفيلوس محلّه, وقد اهتم، منذ توليه سدّة أنطاكية، بالدفاع عن الإيمان القويم ضد الوثنية والهرطقات، والحث على السلوك في حياة الفضيلة. وينتمي القديس ثيوفيلوس إلى فئة الآباء المدافعين عن الإيمان أمثال يوستينوس الشهيد وتاتيانوس وأثيناغوراس.
الهرطقات والانشقاقات بالنسبة لثيوفيلوس كانت بمثابة صخور خطرة من وقع عليها تعرّض لخسران نفسه. وقد ردّ على هراطقة عصره أمثال مرقيونس وهرموجانيس. الكثير مما كتبه ثيوفيلوس ضاع. ولكن بقي له بعض المؤلفات كالكتب الثلاثة في الرد على أوتوليخوس. وثيوفيلوس هو أول من استعمل لفظة “ثالوث” للتعبير عن معيّة الآب والابن والروح القدس.
عن الكنيسة والإيمان القويم قال: “كما أنه توجد في البحر جزر مخصبة توفّر للبحّارة موانئ صالحة، يلتجئون إليها ليأمنوا هياج العواصف، كذلك وهب الله العالم الكنائس المقدّسة ملاجئ آمنة يفر إليها المشتاقون إلى الحقيقة وطلاب الخلاص لينجوا من غضب الله الرهيب. وثمة جزر أخرى ينقصها الماء وهي مزروعة صخوراً جرداء ولا حياة فيها يلقى عليها البحّارة حتفهم وتتحطم سفنهم… كذلك توجد عقائد فاسدة وهرطقات تدمّر الذين يغترّون بها ويميلون إليها”.
ويقارن القديس ثيوفيلوس بين اعتقادات الوثنين وعقيدة المسيحيين فيرسم للمؤمنين في أيّامه صورة بهيّة تتمثل فيها وداعتهم ومحبتهم لأعدائهم. فهم مستعدون أن يحملوا وزر الاضطهاد ولا يكنّون لمضطهديهم إلا الخير. مع أن هؤلاء يعاملونهم بفظاظة ووحشية.
هذا وقد رقد القديس ثيوفيلوس قرابة العام 190م بعد أسقفية مباركة دامت اثنين وعشرين عاماً، وقيل ثلاثة عشر.