في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*أبونا الجليل في القدّيسين غريغوريوس أسقف نيصص *القدّيسان البارّان مكسيموس ودوماديوس ولدا الملك *القدّيسة ثيوزيبا *أبونا الجليل في القدّيسين دومتيانوس، أسقف ملاطية *القدّيس مرقيانوس مدبّر الكنيسة العظمى *القدّيس البارّ عمّون النّيتريّ *القدّيس البارّ بولس مؤسّس دير أوبنورا في روسيّا *القدّيس البارّ مكاريوس بيزما *القدّيس البارّ مكاريوس الكهفيّ *القدّيس البارّ أنتيباس الهدوئيّ.
* * *
✤ القدّيسان البارّان مكسيموس ودوماديوس ولدا الملك ✤
ورد ذكر هذين القديسين في مخطوطاتنا القديمة. وهما ابنا الإمبراطور فالنتينيانوس الأول (364 -375م) الذي ملك في الغرب. تربّيا على مخافة الله والطهارة والكتب الإلهية وتلاوة المزامير ومداومة الصلاة حتى صار بلاط أبيهما الملك، على ما قيل، كمسكن الرهبان.
فلما بلغا سن الشباب ارتحلا سرّاً إلى راهب في بلاد الشام يقيم في جبل لجهة البحر. واسم الراعي أغابيتوس، من طرسوس، مدينة الرسول بولس. هناك لبسا ثوب الرهبنة وأقاما ست سنوات إلى أن انصرف الشيخ إلى ربّه. ولكن قبل أن يفترق عنهما صلّى من أجلهما. وبإيعاز من فوق أرسلهما إلى القديس مكاريوس المصري.
سُجّل أنه قبل رحيل مكسيموس ودوماديوس إلى مصر، شاع خبرهما في الشام وفلسطين وأجرى الله بأيديهما عجائب جمّة. وكثيرون ممن كانت فيهم أرواح نجسة برئوا لمجرّد سماع اسم هذين القديسين.
من أخبارهما، في تلك المرحلة من حياتهما، أن رجلين اثينيين سمعا بخبرهما فقصداهما معصوبي العينين مدّعين العمى. فلما بلغاهما خرج إليهما دوماديوس فسألاه الصلاة ليُشفيا. فسأل الرب يسوع أن يمنّ عليهما بما يحتاجان إليه فعمي بصرهما للحال، فصرخا واعترفا بأنهما جاءا إلى القديسين مجرّبين، لكنهما شهدا لقوة الله فيهما وأعلنا إيمانهما بالرب يسوع سائلين الرحمة. وقد أرسلهما القديسان ليغتسلا في هيكل القديس لاونديوس في طرابلس. فذهبا وفعلا كما طلب منهما القديسان فعاد إليهما بصرهما ومجّدا الله.
إلى الإسقيط
سافر الأخوان إلى مصر سالكين طريق شاطئ البحر. و قد تكبّدا في ذلك مشقة كبيرة. ولما عييا حملهما ملاك الرب في الهواء وجاء بهما إلى أسفل جبل الإسقيط الذي هو ميزان القلوب و حطّهما قريباً من بحيرة تهلس. فلما وصلا الموضع الذي كان القديس مكاريوس مقيماً فيه سجدا له فنظر إليهما مليّاً بفرح. و بعدما كلّمهما وعرف نيّتهما قال لهما مجرِّباً: “لا يمكنكما أن تسكنا ههنا لأن هذه البرية صعبة ومملوءة أحزاناً”. فألحا عليه فأراهما موضعاً يسكنان فيه وزوّدهما بفأس و علّمهما ضفر الخوص و أوصاهما بما يحتاجان إلى معرفته وعاد إلى قلايته.
لحم الجوف
في سيرة هذين القديسين خبر ملفت عن القديس مكاريوس مفاده أن الله أرى مكاريوس في الجبل المسمى “لحم الجوف” عجيبة تسمى الجبل، على أثرها، بهذا الاسم. فإن مكاريوس كان يمشي مرة بصحبة عدد من تلاميذه، فعاين ذئباً يتطلع إلى السماء ويعوي. فتفرّس فيه وبكى. فسأله تلاميذه عن سبب بكائه فأجابهم: “اصمتوا الآن و امضوا معي لنبصر ماذا يكون من أمر هذا الذئب. فمضى إلى هناك فأبصر، بالروح القدس، الجبل وقد استحال لحماً كلحم الجوف لا عظم فيه، وإذا بالذئب يأكل منه. ولما طال صمت القديس وألحّ عليه تلاميذه أن يفسّر لهم ما جرى. أجاب: “رأيت هذا الذئب يصيح إلى الله، خالق الكل، قائلاً يا إلهي وخالقي إذا كنت لا ترزقني طعامي فلِمَ خلقتني؟! فسمع الإله الرحيم طلبته وصيّر الجبل كله قدّامه كلحم الجوف، وها أنتم تبصرونه يأكل. فإن كان هذا الذئب، يا أولادي، قد صاح إلى الإله الخالق فرزقه طعامه فكم علينا نحن أن نطلب منه بحسب إرادته ليمنحنا رحمته!
تدبير مكسيموس ودوماديوس
ثم إن الأخوين لبسا الأسود وأخذا على نفسيهما ألا يكلّما أحداً وألا يمضيا إلا إلى الكنيسة. وكان طعامهما من الخبز فقط. وكانا يصومان يومين يومين ولا يأكلان لحماً ولا سمكاً ولا يشربا خمراً.
سكنا في ذلك الموضع ثلاث سنوات لا يبصران وجه إنسان إلا شيخاً جمّالاً كان يأخذ عملهما ليبيعه. أما في الكنيسة فاعتادا أن يطرقا بناظريهما إلى الأرض لئلا يبصرهما أحد. وهكذا كانا يأخذان الأسرار المقدّسة ويمضيان كما لو كانا ملاكين.
بعد ثلاث سنوات
أما الأب مكاريوس فلما نظرهما لا يمضيان إلى أحد ولا يأتي أحد إليهما فإنه قام ومضى إليهما بعد ثلاث سنوات مفتقداً. قال: “لما وصلت إليهما فرحا فرحاً شديداً وطرحا إلي حصيراً فجلست عليه. فلما حان وقت الغداء أحضرا طبقاً وجعلا عليه ثلاث كعكات خبز و بلّياها بالماء وقدّما ملحاً جريشاً. فلما أكل كل واحد منا كعكته التي أمامه رفعا الطبق و قالا لي أننصرف الساعة يا أبانا. قلت لا. فبسطا لي حصيرة من ناحية و لنفسيهما حصيرة أخرى بإزائي. ثم أحضرا ثوبين و منطقتين و فلونيتين و زنارين لألبسهما الإسكيم وأصلي عليهما ففعلت فطابت نفساهما. ولما اتكأا كأنهما نائمان تأملت خفرهما وعفتهما وطلبت من الله، من قلبي، أن يريني أعمالهما. للوقت أشرق لي نور في القلاية كنور النهار ورأيت أكبرهما، مكسيموس، قد قام وأنهض أخاه للصلاة. وكنت أراهما وهما لا يرياني. وبسطا أيديهما في الصلاة إلى الصباح. هذا كان عملهما كل ليلة. و رأيت كأن حبل نار ينبعث من فم الأصغر ويصعد إلى السماء ويحرق الشياطين الذين كانوا يحاربونه كالدخان. والأكبر أيضاً كان ينبعث من فمه شيء كلهيب النار العظمى ليصعد إلى علو السماء. وما كانت الشياطين تجسر أن تقترب منه”.
انتقال القديسين
لما شاء الرب يسوع المسيح أن يريحهما من الأتعاب التي تكلّفا بها و يسكنهما المساكن العلوية. و كان عيد الظهور الإلهي، أحسّ مكسيموس بوجع فانطرح أرضاً و اعترته حمى شديدة. و في اليوم الثالث أرسل في طلب القديس مكاريوس. فلما حضر سأله البركة فبارك عليه وشدّده. فقال له مكسيموس: الليلة، على ما أظن، يا أبي، أخرج من الجسد! لذلك أسألك أن تصلي عليّ لأجد عوناً. ثم بكى كثيراً. فلما صار الليل سُمع مكسيموس، وقد خُطف عقله، يقول: يا رب ابعث لي ضوءك المنير ليقوم أمامي في هذه الطريق التي لا أعرفها. خلّصني من قوات الظلمة الكامنة في الهواء وأصلح خطواتي في هذه الطريق لأبلغ إليك باستقامة لأنك أنت رب النور ومخلّص العالم. ثم قال لنمض من ههنا! ها أن الرسل اقبلوا يلتمسون أخذي. بعد قليل أبصر القديس مكاريوس جماعة القديسين وهي تدخل. ومن نورهم انطفأ السراج. وكان منهم تلاميذ سيدنا يسوع المسيح ويوحنا الصابغ وموسى وإيليا وملاك كان بيده سيف من نار فلم تتجاسر الشياطين على الاقتراب من القديس مكسيموس. على هذه الحال أخذ القديسون روح مكسيموس بسلام.
وبعد أيام رقد دوماديوس ونقله القديسون والملائكة بالطريقة عينها التي نقلوا فيها أخاه.
هذا وقد بنى النسّاك كنيسة كبيرة فوق مغارة هذين القديسين وكان عليها قسيس يدعى إيسيدوروس. وقد دعي ذلك الموضع، بأمر الله، دير الروم.