في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
✵الشّهيدان تيموثاوس ومافرا ✵الشّهيدان ديودوروس ورودوبيانوس الشمّاس ✵الشّهيدة كسينيا العذراء الصّانعة العجائب ✵أبونا الجليل في القدّيسين بطرس العجائبيّ، أسقف أرغوس ✵أبونا الجليل في القدّيسين إيكومينوس العجائبيّ، أسقف تريكي اليونانيّة ✵الشّهداء السّبعة والعشرون المجهولو الإسم ✵الجديد في الشّهداء أحمد الخطّاط ✵القدّيس البارّ ثيودوسي الكييفيّ مؤسّس حياة الشّركة في الرّوسيّا ✵الشّهيد في الكهنة نيقولاوس بينيفولسكي الرّوسيّ.
* * *
✤ الشّهيدان تيموثاوس ومافرا ✤
عاش هذان القدّيسان، تيموثاوس ومافرا، وهما من صعيد مصر ومن أنتينوه (أنصنا) بالتّحديد، زمن الأمبراطور الرّومانيّ ذيوكلسيانوس وحاكميّة أريانوس على الصّعيد. أمّا تيموثاوس فكان من قرية بنابيس، من أبوين تقيّين صالحين. دُفع، صغيرًا، إلى أحد المُعلّمين ليتعلّم الكُتُب المُقَدَّسة. ولمّا كان يتمتّع بقدرات عقليّة جيِّدة فإنّه تعلّم، في فترة قصيرة، ما هو بحاجة إليه ليعرف خالقه، الإله الحقّ الأوحد. كذلك أدرك بسرعة سموّ النّفس وخلودها، كما أدرك فساد هذا العالم الحاضر وبُطلانِه. لمّا بلغ تيموثاوس الأشدّ اتّخذ لنفسه زوجة من عائلة مسيحيّة. هذه كانت مافرا. عاش الزّوجان في سيرة مباركة مقدّسة وكانا موضع إعجاب المؤمنين لسموّ فضيلتهما.
لاحظ الأسقف سيرة تيموثاوس الحَميدة وحميّته وتقواه فقرّر أن يجعله خادمًا لكنيسة المسيح. هنا لا نعرف ما إذا كان قدّيسنا قد صُيِّر كاهنًا أم قارئًا. المعلومات بهذا الشّأن متفاوتة سوى أنّ تيموثاوس صار، بكلّ تأكيد، مُعلّمًا للكتب المُقدّسة. على هذا كان عمل تيموثاوس أن يشدّد المؤمنين، بما جاء في الكتب، على الثّبات في الإيمان بيسوع والسّلوك في الوصايا الإلهيّة وحفظ الأمانة. وقد بارك الرَّبّ الإله عمل تيموثاوس حتّى أن العديد من الوثنيّين اهتدوا، بمثاله وتعليمه، إلى مسيح الرَّبّ.
ولم يطل الوقت حتّى بلغ خبر تيموثاوس أذني الحاكم أريانوس. هذا كان يضطهد المسيحيّين بعنف، لا سيّما بعدما قرّر الأمبراطور ذيوكلسيانوس (284 – 305) ملاحقة المسيحيّين ومعاملتهم بقسوة آملًا في عودتهم إلى الوثنيّة.
قُبض على تيموثاوس، ولم يكن قد مرّ على زواجه سوى عشرين يومًا، واستيق إلى أمام أريانوس فأمره بإحضار الكتب المُقَدَّسَة الّتي يستعملها لتعليم المَسيحيّين. لم يذعن شهيد المسيح للحاكم ولا خشي غضبته بل أجابه بكلّ جرأة: “مَن تُرى، أيّها الحاكم، يُسلم أولاده، إراديًّا، للموت؟ إذا كان الأب الّذي يحبّ أولاده يخضع لناموس الطّبيعة ولا يُسلم أولاده بالجسد إلى الموت، فكيف يمكنني، أنا، أن أتخلّى عن أطفالي الرّوحيّين، وهم الكتب المقدّسة، فأُسلمهم إليك؟ كلا، هذا لن يحدث أبدًا! وإني لمستعد أن أموت على أن أُطيع أوامرك”.
فلمّا سمع الحاكم جواب تيموثاوس أمر بإنزال العقوبات به، فاستبان، بنعمة الله، صبر القدّيس وحُسن اتّكاله على الله. وقد جعلوه على دولاب يدور فوق مسامير فمزّقوا لحمانه. في كلّ ما حدث له كان القدّيس يصلّي. ذهنه كان عند ربّه ولسان حاله: “الرَّبّ معيني فلا أخشى ما يصنع بي الإنسان” (مز 117: 6). “لست أخشى شرًّا لأنّك أنت معي” (مز 22: 4).
بلغ خبر تيموثاوس مافرا زوجته وعددًا من المسيحيّين فجاؤوا إلى الموضع الّذي كان يُعذَّب فيه.
ثمّ إنّ ذاك الدّولاب توقّف عن الدّوران فإذا بجسد القدّيس كتلة من اللّحم المُدمّى وقد خرجت عيناه من فجوتيهما. كان يحاول أن يلتقط أنفاسه بصعوبة. فجأة، كما ورد، حصل العجب واستعاد رجل الله عافيته بنعمة الله، فإذا بجراحه تلتئم وعينيه تنفتحان. كلّ الواقفين أصابهم الدّهش فساد المكان صمت رهيب، ثم حميّة بيِّنة لانتصار شهيد المسيح بقدرة الله. العديدون، في تلك السّاعة، تحرّكت أفئدتهم إلى الإيمان، أمّا أريانوس فتكثّفت الظّلمة في نفسه بالأكثر فاستبان أكثر اضطرابًا وعُنفًا من ذي قبل إذ لم يعتد الفشل في تدابيره وأراد أن ينتقم لكرامته الجريح. ردّ الحاكم ما حصل، بصورة تلقائيّة، وفق نوازع نفسه المعطوبة، إلى قوّة السِّحر الأسود. على هذا بدا الحاكم الجاهل أكثر تصميمًا على التخلّص من شاهد المسيح. فزاد من التّعذيب وتفنّن فيه فلم تنفعه محاولاته شيئًا.
جواب قدّيس الله كان: لا تظنّن، يا أيّها الطّاغية أنّك بمثل هذه العقوبات تتمكّن من زعزعتي عن إيماني، فإنّي أتقبّل عذاباتك كمُرطبات وعقوباتك بفرح لأنّها سبيلي إلى الفرح الأبديّ والغبطة الّتي لا تفنى. ليعطك الرَّبّ الإله أن تنفتح عينا نفسك ليتسنّى لك أن تُعاين الحقيقة فترفض الشّيطان وتؤمن بالإله الأوحد الحقيقيّ، الكليّ القدرة.
أُلقي تيموثاوس في حفرة، بمثابة سجن، إلى وقت مناسب وقبض الحاكم على مافرا، بعدما أُشْعِر بحضورها، لتكون ورقة في يده يضغط بها على تيموثاوس.
حاول أريانوس أن يستميل مافرا بالإطراء والكلام المعسول عساه يغريها إلى تقديم فروض العبادة للأوثان. ثمّ ختم كلامه بتهديده إن لم تستجب بحيث تلقى نفس المصير كزوجها. أبدت أمَة الله بطولة لا تقل عن بطولة تيموثاوس. رفضت أن تسجد للأوثان وأبدت أنّها لا تخاف العقاب من حيث أنّها تعبد المسيح خالق السّماء والأرض والبحر، كل ما يُرى وما لا يُرى. وصرّحت أنّها من أجل محبّة مسيحها مستعدّة أن تموت لتحيا معه أبديًّا في السّماء. وعن الآلهة الّتي يعبدها الحاكم قالت بتهكّم أنّها خشب أصمّ لا حسّ فيه، صنعة أيدي النّاس. ثم ختمت بقول جميل بات مثالًا طيِّبًا لكلّ رجل ولكلّ امرأة في علاقتهما أحدهما بالآخر. قالت: عليك أن تدرك، أيّها الحاكم، أنّ زوجي يرغب في الشّهادة، ليس فقط لأنّ هذا واجبه، بل لأنّه يرغب أيضًا في أن يكون أهلًا لمحبّتي له. ما هو بيني وبين زوجي ليس حبًّا جسديًّا بل روحيًّا. ليس حبّنا شعلة مؤقّتة بل نار لا تموت. نحن يحبّ أحدنا الآخر لدرجة أنّنا نشتهي أن يقيم حبّنا لا على الأرض وحسب بل إلى الأبد أيضًا. الموت من أجل المسيح هو السّبيل الأوثق لاستمرار معيّة الزّوجين وإخلاصهما أحدهما للآخر. لهذا السّبب لا أقول فقط إنّي لا أشاء إقناع زوجي بإنكار المسيح، بل، بالأكثر، أرغب في أن أموت معه من أجل الله. على هذا ما ألتمسه منك هو أن تتمّم لي هذا الفرح أنّك متى شئت أن تتخلّص من زوجي أن تتخلّص منّي أنا أيضًا.
ردّ فعل الحاكم كان مزيدًا من السّخط حتّى استبان كأنّه وحش. أمر بقصّ شعرها الجميل وأصابع يديها. أمام صبرها الجميل اضطرب اضطرابًا شديدًا وأشار إلى الجلاّدين أن يأتوا بقدر معدنيّ كبير يوضع فيه ماء ويَغلى إلى التّمام. ولمّا فعلوا ذلك أمر بتعريتها وإلقائها في الماء المغلي. لكن، بنعمة الله الّذي حوّل النّار الّتي أُلقي فيها الفتية الثّلاثة إلى ندى، حوّل غليان الماء إلى برودة فانحفظت أمة الله ولم يصبها أذى.
احتار الحاكم في أمره وأمر بتعليق تيموثاوس ومافرا من رجليهما. وقد بقيا كذلك إلى أن تمّت شهادتهما بعد تسعة أيّام. قيل إن ذلك كان في العام 286 م.
ثمّ إنّ مسيحيّين رشوا الجند وأخذوا رفات القدّيسَين وواروهما الثّرى بإكرام.
كذلك ورد أنّ أريانوس الحاكم، في العام 305 م، وبعدما كان قد فتك بالعديد من المسيحيّين تاب واقتبل الإيمان فاستُشهد هو أيضًا. والكنيسة تذكره، قدّيسًا، في الرّابع عشر من شهر كانون الأوّل جنبًا إلى جنب والشّهيدَين فيليمون وأبولونيوس.
يُشار إلى أنّ القدّيسة مافرا هي إحدى شفيعات زاكنتوس اليونانيّة حيث بُنيت على اسمها كنيسة قديمة تجدّدت في القرن السّابع عشر. وثمّة إيقونة عجائبيّة لها مرتبطة بالمكان ويُعيَّد لها في الأحد الأوّل من شهر تمّوز. ويبدو من المعجزات الّتي تُنسب إلى القدّيسة مافرا أنّ بعضها على الأقلّ ذو علاقة بطرد الأرواح الشّرّيرة. هذه المعجزات، على مدى الأيّام، كما يقولون، لا تُعَدّ ولا تُحصى.