في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*أمّنا القدّيسة البارّة بيلاجية الأنطاكيّة *الشّهيدة بيلاجية البتول الأنطاكيّة *الشّهيدة بيلّاجية الطّرسوسيّة *القدّيسة البارّة طهسي *الشّهيد في الكهنة أرتامن اللّاذقيّ *أبونا الجليل في القدّيسين سيسينيوس أسقف اللّاذقيّة *القدّيسة البارّة تائيس الزّانية التّائبة *الجديد في الشّهداء إغناطيوس الصّغير *القدّيس البارّ دوسيثاوس الرّوسيّ *القدّيس البارّ تريفون فياتكا *الشّهيدان أبادير وإيرائي أخته *أبونا الجليل في القدّيسين نيقولاوس بطريرك أنطاكية *الشّهداء الرّوس الجدد ديمتري دوبروسردوف ومَن معه.
* * *
✤ أمّنا القدّيسة البارّة بيلاجية الأنطاكيّة ✤
ولدت بيلاجية على الوثنية في مدينة أنطاكية العظمى، وقد أنعم الله عليها بجمال أخّاذ سخّرته لخدمة شهوات نفسها فتسبّبت في هلاك الكثيرين. كانت أشهر زانيات المدينة وكانت راقصة تستلذّ استئسار الناس حتى كانت تخرج في شوارع المدينة على ظهر بغلة، على طريقة أهل المشرق، والناس من حولها يواكبونها وكأنّها الملكة وينادونها: “يا لؤلؤة“. كانت تتزيّى بأفخر الأثواب وتتحلّى بالعقود والخواتم، عارية القدمَين تتدلى منهما سلاسل من الذهب، ورائحة الطيب تفوح منها لتُسكر الرجال، لا سيما الشبان منهم. وقد جمعت من امتهان الخطيئة ثروة يُعتدّ بها.
وحدث مرّة أن كانت بيلاجية عابرة بالقرب من كنيسة القدّيس يوليانوس، وكان واقفاً أسقف بعلبك، نونس¯، يتحدّث إلى بعض الأساقفة. فما إن وقع نظر الحاضرين عليها حتى استحوا ونظروا أرضاً. وحده نونس تطلّع إليها وقال: “ألأنّ هذا الجمال يخيفكم خفضتم عيونكم؟” فلم يتفوّه أقرانه بكلمة. فطأطأ رأسه وبكى. ثمّ تنهّد وقال: “جمال هذه المرأة يسرّني لأنّ الله اختارها لتكون زينة تاجه، أما نحن فلعل الله يديننا! ماذا تظنّون، كم بقيت هذه المرأة تغتسل وتتعطر لتفتن المولعين بها، فيما نحن المدعوين إلى التأمّل في ختن نفوسنا الملكي العظيم والدخول إلى فرحه لا نحرّك ساكناً لنجمِّل النفوس ونؤهّلها له؟!“
ثمّ إنّه في الليلة التي سبقت يوم الأحد، ذلك الأسبوع، رأى نونس الأسقف حلماً: حمامة سوداء تحوم في الكنيسة حول المذبح، فأمسكها وألقى بها في جرن ماء عند مدخل الكنيسة فخرجت من الماء ناصعة البياض متلألئة، بهيّة.
وفي اليوم التالي، خطر ببال بيلاجية أن تأتي إلى الكنيسة. فبعد قراءة الإنجيل، قام نونس الأسقف واعظاً مفسِّراً، فتحدّث عن الدينونة العتيدة أن تأتي على بني البشر وما سيكون عليه عذاب الخطأة، لا سيما الذين يُعثرون أحد إخوة المسيح الصغار. وقد كان كلامه قويّاً ونفّاذاً لدرجة أنّه اخترق نفسها كالسيف الحاد، فاغرورقت عيناها بالدموع وأحسّت بفظاعة ما أتته من خطايا واشتعلت رغبة في التوبة والتكفير. لقد كسرت النعمة قسوة قلبها وحدث العَجَب.
وانصرفت بيلاجية إلى بيتها مضطربة. بقيت هكذا طوال الليل لا تهدأ إلى حال. ثمّ في اليوم التالي أرسلت إلى الأسقف رسالة ملؤها التوبة والدموع تتوسّل فيها أن يأذن لها بالمثول لديه، فاستقبلها في حضور الأساقفة الباقين. ولما حضرت أبدت من علائم التوبة، دموعاً وسجدات وانكساراً، ما جعل نونس يسلّمها إلى الشمّاسة رومانا التي تعهّدتها أُمّاً روحية لها ولقّنتها طرائق التوبة وحياة الفضيلة إلى أن جرت عمادتها. وقد حملت بيلاجية كل ما لديها من جواهر وذهب وثياب فاخرة وألقت بها عند قدمي الأسقف قائلة: “هذا هو الغنى الذي اقتنيته من الشيطان، فافعل به ما تشاء، أما الآن فلست أرغب بعد إلاّ بالغنى الذي أسبغه عليّ ربّي يسوع“. فدعا الأسقف المدبّر ودفع إليه بهذه الثروة قائلاً: “خذ هذه ووزّعها على الأرامل والأيتام إلى آخرها…“.
وكما كانت بيلاجية غيورة على شهوات نفسها، مُجدَّة في تجميل بدنها في زمن السوء، أضحت، في زمن افتقادها، غيورة على كلمة ربّها، مُجدَّة في التوبة والدموع. فبعدما مضى عليها أسبوع كامل اتّشحت خلاله بالبياض على حسب عادة الكنيسة بالنسبة للمعمَّدين حديثاً، قامت فخلعت عنها البياض وتدرّعت بالمسح وخرجت تطلب أورشليم والأرض المقدّسة. هناك سجدت أمام الصليب عند الجلجلة ثمّ تحوّلت إلى مغارة في جبل الزيتون نسكت فيها بعدما لبست زيّ الرجال وأسمت نفسها بيلاجيوس.
وكرّت السنون إلى أن حدث مرّة أن خرج شمّاس من شمامسة بعلبك اسمه يعقوب عرف بيلاجية شخصياً وشهد هدايتها، إلى نواحي أورشليم. وهناك سمع براهب ناسك اسمه بيلاجيوس كان ذكره على كل شفة ولسان، فرغب في التعرّف إليه وأخذ بركته. فجاء إلى جبل الزيتون إلى حيث كانت المغارة ونقر على الشباك فلم يردّ عليه أحد جواباً، فنادى، ولكن دون جدوى. أخيراً دفع الشمّاس النافذة قليلاً فرأى جثّة ممدّدة على الأرض، فطرح الصوت، فجاء مَن جاء وكسر الباب. كان الناسك بيلاجيوس قد رقد. وعندما أراد الإخوة أن يطيّبوا جسده اكتشفوا أنّهم أمام امرأة لا أمام رجل. في هذه اللحظة بالذات تحرّك قلب الشمّاس وعرف أنّها بيلاجية. كانت قد اختفت منذ ثلاث سنين ولم يدر بأمرها أحد بعد ذلك. والبار يعقوب الشمّاس هو الذي كتب خبرها المذهل، وأكمل حياته في الفضائل ورقد بسلام.
هذه هي قصّة بيلاجية التائبة التي تسمّى أحياناً “المجدلية الثالثة” بعد مريم المجدلية ومريم المصرية. لقد صدق قول نونس الأسقف “جمال هذه المرأة يسرّني لأنّ الله اختارها لتكون زينة تاجه…“.
ملاحظة: إنّ عيد القدّيسة بيلاجية التائبة اليوم هو عيد تشترك فيه الكنيسة الجامعة شرقاً وغرباً.
¯ – تعيّد الكنيسة للقدّيس نونس البعلبكي في العاشر من شهر تشرين الثاني.