في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*العظيمة في الشّهيدات إيريني مجدون *القدّيس البارّ أفثيميوس العجائبيّ *الشّهداء نيوفيتوس وغايوس وغايانوس *العظيم في الشّهداء أفرام الجديد *الشّهيد الجديد أفرام النّبويّ الدّمشقيّ *القدّيس البارّ أدريانوس مونزا *أبونا الجليل في القدّيسين هيلاريون آرل الفرنسيّ *القدّيسان الـمُعترِفان مرتينوس وهيراكليوس السّلافيّان *أبونا الجليل في القدّيسين بريتونيوس تراير الألمانيّ *أبونا الجليل في القدّيسين ديوما الاسكتلنديّ أسقف مرسيا *القدّيس البارّ أيكا الإنكليزيّ *أبونا الجليل في القدّيسين جيرونتيوس ميلانو الإيطاليّ *أبونا الجليل في القدّيسين مكسيموس الأورشليميّ المعترف *الشّهيد سلوانس الرّوميّ *أبونا الجليل في القدّيسين ثيودوروس البولونيّ الإيطاليّ *القدّيس البارّ برلعام سربوخوف الرّوسيّ.
* * *
✤ العظيم في الشّهداء أفرام الجديد ✤
لم يكن خبر القدّيس أفرام الجديد معروفاً إلى عهد قريب. كأن الذاكرة لم تحفظه. وهذا حاصل، بخاصة، في أزمنة الاضطهاد. ما نعتمد عليه، في العادة، لإذاعة أخبار القدّيسين هو إما وجدان الكنيسة وذاكرتها وإما المدوّنات. القدّيس أفرام الجديد لم يستبن للكنيسة لا بهذه الطريقة ولا بتلك بل بطريقة أخرى غير مألوفة لا شكّ أن لها دلالتها بالنسبة لعمل الله في زماننا اليوم. فبعد ما يزيد على الستة قرون كشف القدّيس نفسه بنفسه بتدبير الله. الشيء نفسه حدث بالنسبة لقدّيسين آخرين نظير الشهداء الجدد روفائيل ونيقولاوس وإيريني المعيّد لهم في 9 نيسان. ظهور هؤلاء وذاك حصل في الخمسينات من القرن العشرين.
أما القدّيس أفرام، والمعرّف عنه بالعظيم في الشهداء والصانع العجائب والظاهر حديثاً، فقد ورد أن راهبة، يبدو أنها رئيسة الدير العتيدة المدعوّة مكاريا، جلست مرّة بين أخربة الدير وأخذت تصلّي هكذا: “أهّلني، ربّاه، أنا أمتك المسكينة، أن أرى أحد الآباء الذين سبق لهم أن عاشوا في هذا الموضع”. فجأة سمعت في داخلها صوتاً يقول لها: “احفري هناك تجدي ما ترغبين فيه”. كما أشير لها، بشكل عجيب، إلى زاوية في مقدّمة باحة الدير. ثم اشتدّ الصوت يلحّ عليها: “احفري فتجدي ما ترغبين فيه”. وجيء يعامل حفر في الموضع المحدّد فاستبانت، على عمق حوالي مئة وسبعين سنتيمتراً، رفات فاحت منها رائحة طيب لا يوصف. هذه كانت رفات القدّيس أفرام الجديد الذي ظهر، مذ ذاك، للعديدين وعرّف عن نفسه وخبّر عن استشهاده. اكتشاف رفاته تمّ في مطلع العام 1950. من ذلك الحين وظهورات القدّيس وعجائبه تتتالى.
للقدّيس عيدان في السنة 3 كانون الثاني الذي هو ذكرى اكتشاف رفاته المقدّسة، و5 أيار ذكرى استشهاده.
اسم الدير هو البشارة وموقعه في نيا مكري في أتيكا اليونانية. وُلد القدّيس أفرام في 14 أيلول سنة 1384م. تيتّم، صغيراً، من جهة أبيه، وكان له ستة إخوة. مولده كان في تريكالا (تسّاليا) اليونانية. في سنّ الرابعة عشر أرسلته أمّه إلى الدير، على تلّة أمومي لتحميه من العثمانيين الذين بعدما استولوا على المنطقة شرعوا يسخّرون الشبّان الصغار، من المسيحيّين الأرثوذكسيين، لخدمة الإمبراطورية العثمانية. بقي قسطنطين مورفس – وهذا كان اسمه في العالم – أقول بقي في الدير سبع وعشرين عاماً. صُيّر خلالها كاهناً راهباً وأُعطي اسم أفرام.
في العام 1424 وفد إلى الدير جنود عثمانيون فاقتحموه وقتلوا كل الرهبان الذين كانوا فيه وسرقوا كل المثمّنات التي طالتها أيديهم. أفرام، يوم ذاك، كان خارج الدير. فلما عاد وشهد الخراب وما حلّ بالرهبان حزن بعمق لكنه لم يشأ أن يغادر المكان مهما كلّف الأمر.
وكان أن عاد العثمانيون في 14 أيلول سنة 1425 إلى الدير. أفرام، هذه المرّة كان موجوداً، فاُخذ أسيراً وعُذّب تعذيباً رهيباً. فترة تعذيبه امتدّت ثمانية أشهر ونصف الشهر. وقد تمّت شهادته في 5 أيار من العام 1426م، الساعة التاسعة صباحاً وكان اليوم ثلاثاء. كان قد بلغ الثانية والأربعين من العمر. قيّدوه إلى شجرة توت لا تزال إلى اليوم. جعلوا رجليه إلى فوق ورأسه إلى تحت وقد سمّروا رأسه ورجليه وجرحوه بالكامل وأشبعوه ضرباً وطعنوه في أحشائه بخشبة مسنّنة تتّقد فصارت أحشاؤه تحترق. وقد أمعنوا في جسده تنكيلاً حتى بعدما لفظ نفسه الأخير. هكذا استكمل شهيد المسيح شهادته. ووري الثرى في باحة الدير وقد بقي أكثر من خمسمئة عام لا يدري بأمر شهادته أحد إلى أن شاءت النعمة الإلهية أن يخرج ذكره إلى العلن معزيّاً للمؤمنين ومشدّداً ومعيناً.
يوم اكتشفت الراهبة عظام القديس وأخذت تستخرجها من الأرض أمطرت الدنيا وأوحلت الأرض فتعذّر عليها إتمام عملها فجعلت العظام كما هي في كوّة فوق القبروغادرت على أن تعود في الغد لإتمام ما شرعت فيه. دونك ما حدث إثر ذلك كما ورد على لسان الراهبة:
“في المساء كنتُ أقرأ صلاة الغروب وكنتُ وحدي في هذا المكان المقدّس الذي قادني الرب إليه. فجأة سمعتُ خطى تخرج من القبر وتتقدّم إلى الباحة إلى أن وصلت إلى باب الكنيسة. كانت هذه الخطى قوية ثابتة فشعرتُني بالخوف وبالدم يتجمّد في رأسي ويشلّني فلا أستدر صوب مصدر الصوت. وإذا بي أسمع صوته يقول لي: إلى متى تنوين تركي هناك على هذه الحالة؟ فاستدرت وتطلّعت إليه. كان طويل القامة. عيناه صغيرتان مدوّرتان وعلى طرفيهما تجاعيد خفيفة. كانت لحيته تغطّي عنقه وتتوزّع بلياقة إلى الأمام وإلى الجانبين، سوداء داكنة، متجعّدة. كان بكامل هيئته الرهبانية. في يسراه حمل نوراً مشعاً جداً وبيمناه كان يبارك”.
في اليوم التالي، بعد صلاة السحر، أخذت الراهبة العظام فنظّفتها وغسلتها – الغسل يكون عادة بالزيت والخل – وأودعتها كوّة عتيقة، في الهيكل، وأشعلت بقربه قنديل زيت. وعند المساء رأته في الحلم. كان واقفاً في الكنيسة، إلى اليسار، ويحمل على صدره إيقونة له تتلألأ، من الفضّة القديمة، وكانت الإيقونة مشغولة باليد. بجانبه كان شمعدان كبير عليه شمعة من شمع العسل الصافي أضاءته الراهبة. إذ ذاك سمِعَته يقول: “أشكرك شكراً جزيلاً. اسمي أفرام”.
تفاصيل سيرة القدّيس أفضى هو بها إما بكلمات، في رؤى أو في أحلام الليل، وإما في مشاهدات عينية تتفاوت بين اليقظة والمنام لعملية تعذيبه واستشهاده. هذا وكثيراً ما بدا القدّيس أفرام للمؤمنين مجيراً سريع الإجابة. فإليه تُنسب أشفية كثيرة وطردٌ للأرواح الشريّرة ونبوءات. عنايته بالمظلومين والمضنوكين واضحة. مرّة خلال العام 1974، إثر حالة الاستنفار العسكرية المعلنة في اليونان ظهر القدّيس أفرام لرجل كان يغطّ في نومه وقال له: “قم سريعاً واذهب إلى المنزل المجاور لأن هناك إنسان يحتضر”. ظنّ الرجل أنه في حلم النوم فعاد ونام. فجاءه القدّيس من جديد وأعاد الكرّة عليه بلهجة قاسية. انهض سريعاً، لماذا لم تفعل ما قلته لك؟ هناك إنسان يحتضر!” فقام الرجل لتوّه وقرع على باب المنزل المجاور فلم يلق جواباً. وبعدما أعاد الكرّة عدّة مرّات سمع أنيناً يصدر من الداخل، فحاول أن يفتح الباب فلم يقدر، فأسرع إلى رجال البوليس ونقل لهم الخبر فجاؤوا واقتحموا المكان فوجدوا صبيّة حاولت الانتحار بقطع الوريد لأن زوجها غادرها إلى العسكرية فأنقذوها.
سيّدة أخرى كانت تعاني من السعال ولا تقدر أن تشرب ماء زلالاً. كان عليها أن تشربه ساخناً وإلا انفجر سعالها. جاءت إلى الدير مرّة ورأت الآخرين يشربون من عين القدّيس أفرام فذكرت بحزن ما تعاني هي منه فخاطبت القدّيس بحسرة وثقة قائلة: “أرجوك، يا قديس الله أفرام، أن تجعل هذه المياه بمثابة دواء ليتسنّى لي أن أشرب، أنا أيضاً، ماء زلالاً”. وبعدما صلّت أخذت كأس ماء بارد وشربته فشُفيت من دائها تماماً.
إحدى الراهبات أفادت أنها كانت تعاني من آلام الكلى، ولم تتمكّن من النوم ولا حتى الاستلقاء فأمضت ليلتها جالسة. وحوالي الساعة الرابعة صباحاً، دون أن تدري ما إذا كانت قد غفت أم لا، شعرت كأنها في كنيسة القدّيس يوحنا المعمدان أثناء القدّاس الإلهي. ثم فجأة رأت راهباً مديد القامة، شاحب الوجه، نحيلاً، داكن اللحية يدنو منها. وإذا براهبة أخرى واقفة بقربها تسألها عن هذا الراهب مَن يكون. فأجابت: “إنه الأب غريغوريوس”. فانحنى الراهب باتجاهي، كما قالت الراهبة، ومسّ كتفي برفق وقال لي: “كلا يا بنيتي. أنا لست غريغوريوس بل أفرام. تطلعي إليّ! أنسيتني؟” في تلك اللحظة شعرت الراهبة بالفرح يغمرها فسجدت لدى القدّيس وقبّلت يده فباركها. وإذ انتصبت وشاءت أن تكلّمه غاب عنها فعادت إلى نفسها وشعرت بالقوّة في بدنها وأن الوجع قد غادرها.
والراهبة إياها أخبرت أنها كانت تعاني، مرّة أخرى، من الالتهاب الرئوي فدخل القدّيس إلى قلايتها وقال لها: اسمحي لي أن أجلس قليلاً لأني تعب من اللفّ والدوران طول النهار أعود المرضى الذين سألوا عوني في المستشفيات. كذلك جئت إليك لأرى كيف حالك. فأجابته الراهبة: آه يا أبي، إني أشعر بالضعف الشديد وأنا متوجّعة حتى لا أكاد أتمكّن بعد من التنفّس. فقال لها: أجل، أعرف كل شيء. كوني صبورة ولا تخافي. سوف يكون المسيح هو الغالب”. فسألته وهي تتألم: “قل لي يا أبي لماذا عذّبوك؟” فأجاب: “من أجل المسيح”. “وقد أصروّا عليّ أن أكفر بالمسيح فلم أشأ ذلك. انظري ما حدث لي” ثم أزاح غمبازه ليكشف لي جرحاً عميقاً، فاستبانت أحشاؤه. كل شيء من المعدة فما دون كان مُدمى محروقاً. وتابع القدّيس كلامه: “لأني عبدت المسيح نجحت في الثبات بجرأة خلال التعذيب. وأخيراً كان المسيح هو الغالب فيّ. لذلك أعود فأكرّر عليك لا تخافي. سوف ينتصر المسيح. حين تتألمين من أجل المسيح فإن الأمر يستحقّ التضحية”. إلى ذلك الحدّ لم تكن الراهبة تعرف أنه هو إيّاه القدّيس أفرام إلى أن كشف لها، أخيراً، عن هوّيته وأعطاها دواء فشُفيت.
هذا وإكرام القدّيس، منذ الخمسينات، يتّسع وينتشر. أقوام من عدّة أقطار أفادوا أن القدّيس ظهر لهم فأعانهم على صعوباتهم أو أمراضهم. ويعمد بعض أحبّة القدّيس على نشر وتوزيع إيقوناته وسيرته في كل مكان. على هذا النحو بلغنا خبره وخبر الآيات والعجائب التي تجري باسمه غير بعيد عمّن نعرف. صلواته وبركاته تشملنا أجمعين. آمين.
طروباريّة القدّيس العظيم في الشّهداء أفرام الجديد (باللّحن الرّابع)
شهيداكَ يا رَبُّ بِجِهادِهِما، نالا مِنْكَ الأكاليْلَ غَيْرَ البالِيَة يا إِلَهَنا، لأَنَّهُما أَحْرَزا قُوَّتَك فَحَطَّما الـمُغْتَصِبين وسَحَقا بَأْسَ الشَّياطينِ التي لا قُوَّةَ لَها، فَبِتَوسُّلاتِهِما أَيُّها الـمَسيحُ الإِلَهُ خَلِّصْ نُفُوسَنا.