في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيسون الرُّسل الشّمامسة بروخوروس ونيكانور وتيمون وبرميناس *الشّهيد أوسطاتيوس أنقرة *الشّهيد أكاكيوس الصّغير *الشّهيد دروسيس *القدّيسة البارّة إيريني (سلام) الكبّادوكيّة *القدّيس البارّ بولس كْسيروبوتامو الآثوسيّ *الجديد في الشّهداء خرستوذولوس كاسندرا *القدّيس البارّ موسى الكييفيّ *أبونا الجليل في القدّيسين بيتيريم تامبوف الرّوسيّ *القدّيس البارّ شمشون أسقف دُوْل الفرنسيّة *الشّهداء الرُّوس الجدد باسيل إيريكاييف ورفقته.
* * *
✤ القدّيسة البارّة إيريني (سلام) الكبّادوكيّة ✤
نبتت من محتد غني نبيل في كبادوكيا بعد وفاة الأمبراطور ثيوفيلوس عدو الإيقونات (842 م). كادت أن تُزّف إلى القيصر برداس، شقيق الوصيّة ثيودورة على ابنها ميخائيل الثالث. أنبأها القدّيس يوانيكيوس الكبير (4 تشرين الثاني) بأنّها ستصير رئيس دير خريسوبالانتون. وزّعت خيراتها والتحقت بالدير المذكور بقربّ خزّان أسبار. قطعت كل صلة لها بالعالم وأقبلت على أتعاب النسك بغيرة، مدركةً أنّه بمقدار ما يضعف الجسد يتجدّد الإنسان الداخلي ويدنو من الله. اقتصر ملبسها على ثوب واحد تغيِّره مرّة في السنة وطعامها على الخبز والماء. خضعت بفرح، لكل ما يُعيَّن لها دون تذمّر. النخس الدائم أبهج قلبها وجعل وجهها مشعّاً، وكالأرض الخصيبة أينعت فضائل وافرة. كانت الأخوات في عينيها أدنى إلى الملكات تخدمهن. لم تخرج من فيها إلاّ أقوال الكتاب المقدّس والآباء القدّيسين تتمعّن فيها بتواتر. أحبّت الاقتداء بالقدّيس أرسانيوس في صلاته من غياب الشمس إلى الصباح. وبنعمة الله صارت تقف وتمدّ يديها في الصلاة ليل نهار. جاهدت بوعي وإدراك في إخضاع الجسد لتوتّر النفس تشوّفاً إلى الله حتى لم تطلها أحابيل إبليس. حين كان هذا الأخير يوحي لها بذكريات المجد ورغد العيش الذي غادرته، كانت تذهب فتعترف بأفكارها لرئيستها وتضاعف نسكها، فتنجو للحال.
لما قضت رئيستها عيّنها البطريرك القدّيس مثوديوس (14 حزيران)، رغماً عنها، لتخل فها. عاشت كملاك أرضي، مطيلة أصوامها، مصلية آناء الليل، ضاربة من المطانيات ما لا عدّ له. بهذه الوساطات اجتذبت عطف الله وتلقّت من الحكمة ما مكّنها من اقتياد نفوس عديدة على درب الخلاص. لم تشأ أن تعتبرها الأخوات معلّمة لهن بل كواحدة منهن موضوعة للخدمة. بوداعة وصبر ساستهن. كانت تعظ الأخوات أن أي نجاح يحقّقنه فليعتبرنه عطيّة من الله وأن يحافظن على نخس القلب والشكر الدائم. لم تسمح لهن بأن يصلّين من أجل صحتهن لأنّه ليس أنفع للنفس، لديه، من المرض المقتبَل بالشكران.
حظيت من الملاك بهبة الرؤيا فكانت أدنى، في ديرها، إلى نبيّة الله. بعد راحة يسيرة عقب الخدمة الصباحية كانت تستدعي الأخوات، واحدة واحدة، وبفنّ وتمييز تساعدهن على التنقّي أمام الله كاشفة لهن أفكارهن العميقة العقيمة. أضحت معروفة جداً في كل العاصمة لفضائلها وحكمتها التي بها ساست الشركة. كثر هم الذين كانوا يقصدونها من مختلف المشارب، أغنياء وفقراء، صغاراً ونبلاء، لتلقّي إرشاداتها والركون إلى صلواتها. كل الذين أتوا إليها علّمتهم نفع التوبة والهداية.
آزرتها النّعمة الإلهية فتقدّمت بثبات في النسك والصلاة النقيّة. في الصوم الكبير كانت تكتفي ببعض البقول مرّة في الأسبوع. أضحى السهر لديها كالنوم لدى الناس، تقضي لياليها ممدودة اليدين إلى السماء، مأخوذة بالمعاينات المقدّسة. كانت تبقى في مثل هذه الوضعية يومين أو أسبوعاً بكامله حتى كانت إحدى تلميذاتها تساعدها على خفض ذراعيها الخدرتين. ذات ليلة، عاينت راهبةٌ القدّيسة إيريني في الصلاة، في الباحة، مرتفعة عن الأرض فيما انحنت سروتان ضخمتان ولمّا ترتفعان إلاّ بعدما رسمت القدّيسة عليهما علامة الصليب. هذه الصلاة الليلية أزعجت الأبالسة فضاعفت هجماتها عليها في منتصف الليل. ذات مرّة ألقى أحد الأبالسة عليها فتيلاً مشتعلاً فأخذ ثوب القدّيسة يحترق، فلم تتزحزح. كان يمكن أن تحترق كلّها لو لم تصحُ إحدى الراهبات على رائحة اللحم والقماش يحترقان وتقتحم قلاّية القدّيسة. ولدهشها، عاينت القدّيسة وسط الدخان الكثيف وهي في اللهب، منتصبة ولا ما يخرجها من صلاتها. وإذ دفعتها محاولة إطفاء النار الناشبة فيها أنزلت إيريني ذراعيها وقالت بلهجة لا تخلو من العقاب: لِمَ حرمتني من مثل هذه الغبطة بتدخّلك في وقت غير موافق؟ فإنّ ملاكاً كان يقف أمامي وضفر لي إكليلاً من أزاهير لا تفنى، مما لم تره عين، وكان على وشك أن ينقله إليّ حين طردتِه”. وعندما نزعت التلميذة بقايا القماش الملتصق بجسد القدّيسة ملأت رائحة زكية الدير كلّه.
مرّة أخرى، حضر بحّار آت من باتموس إلى الدير وقدّم للقدّيسة ثلاث تفّاحات لذيذة كلّفه القدّيس يوحنّا بإيصالها إليها. التفاحة الأولى كفتها غذاء لأربعين يوماً انبثّت خلالها من فمها رائحة عطرة ولا ما يدانيها؛ ووزّعت الثانية على الشركة يوم الخميس العظيم، وحفظت الثالثة تميمة ثمينة، عربوناً لخيرات الفردوس التي لا تفنى.
بفضل روح النبوّة لدى قدّيسة الله، أجرت عدداً كبيراً من العجائب وأنبأت باغتيال برداس، متبوعاً، ليس بعد ذلك بكثير، باغتيال ميخائيل الثالث (867) وتبوّء باسيليوس المقدوني العرش. شفت، بمؤازرة القدّيس باسيليوس الكبير والقدّيسة أناستاسيا، ممسوسين وأنقذت أحد أقاربها ممن كان الأمبراطور مزمعاً أن يحكم عليه بالموت بتهمة الخيانة. ظهرت للمك مشعّة ممجَّدة، فأقرّ الأمبراطور باسيليوس بذنبه وطلب الصفح وصار راعياً للدير.
بلغت القدّيسة إيريني سنّ الثالثة بعد المائة وكانت تحتفظ بنضارتها وجمالها الجسدي إشارة إلى جمال روحها. أنبأها ملاكها الحارس، قبل سنة، بتاريخ مغادرتها بدقّة. فلمّا أتت الساعة استدعت الأخوات وعيّنت لهنّ الرئيسة التي اختارها الله. وبعدما أوصتهن أن يحتقرن كل ما هو عابر لكي يحيين لعريسهن المحبوب، أغمضت مقلتيها بسلام واستودعت الربّ الإله روحها. دفنوها في كنيسة القدّيس الشهيد ثيودوروس فكان ضريحها يُصدر بتواتر عطراً زكياً شاهداً للحظوة التي اقتنتها لدى الله. ولا زالت، إلى اليوم، تتدخّل لخير الداعين باسمها بإيمان.