في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*أبونا الجليل في القدّيسين أفركيوس أسقف هيرابوليس المعادل الرّسل والصّانع العجائب *الفتية السّبعة المستشهدون في أفسس: إيمفليخوس ويوحنّا ومرتينس وأنطونينوس ومكسيميليانوس وقسطنطين *الشّهداء ألكسندروس الأسقف وهرقل وحنّة وأليصابات وثيودوتي وغليكاريّة *القدّيس البارّ روفس *القدّيس البارّ لوط *البارّان ثيودوروس وبولس روستوف *القدّيس البطريرك ثيودوسيوس الأنطاكيّ *الشّهداء الفلسطينيّون الثّلاثة والسّتّون *الشّهداء الرّوس الجُدُد سيرافيم رئيس أساقفة أوغليتش ومَن معه.
* * *
✤ أبونا الجليل في القدّيسين أفركيوس أسقف هيرابوليس المعادل الرّسل والصّانع العجائب ✤
عاش أفركيوس في زمن الأمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس (161 – 180 م). هيرابوليس التي كان أسقفاً عليها هي في مقاطعة فيرجيا في آسيا الصغرى.
أكثر ما امتاز به القدّيس أفركيوس أنّه كان رجل صلاة، غيوراً لإلهه نظير إيليا النبيّ، في خضم عالم وثني مستغرق في ضلاله. فلقد عرف، في أوقات الشدّة، كيف يحمل أوجاع شعبه على محمل الصلاة ذارفاً الدموع السخيّة من أجله. كذلك عرف، كرجال الله الكبار، كيف يتحرّك بقوّة الصلاة وفعلها.
من أخباره أنّ أمراً أمبراطورياً قضى بأن يشترك كافة الشعب في احتفالات خاصة تكريماً للآلهة. فأقبل الناس في كل مكان يقدّمون الذبائح للأوثان ويشاركون في هذه الاحتفالات على ما فيها من مجون وتهتّك. فلما عاين أسقف هيرابوليس ما كان يجري فيها ساءه الأمر جداً، فأقفل على نفسه وأخذ يصلّي، بحرارة ودموع، إلى السيّد سائلاً إيّاه أن يفتقد هذا الشعب السالك في الظلمة وظلال الموت. وبعدما أقام على ذلك وقتاً طويلاً حضره ملاك الربّ وقال له أن يذهب ويحطّم مذابح وتماثيل أبولون وسائر الآلهة الوثنيّة. فنهض في الليل متقوياً بالأمر الإلهي وأخذ عصاه ونزل إلى الهيكل الوثني فحطم الأصنام التي كانت فيه وقلَب المذابح إلى آخرها. وما كاد ينتهي منها حتى حضر الحرّاس ورأوا الهيكل مقلوباً رأساً على عقب، فبادرهم القدّيس أفركيوس بالقول: لقد اصطرعت الآلهة فيما بينها وحطّم بعضها بعضاً. وفيما البلبال سارٍ بين الحرّاس خرج القدّيس أفركيوس من المكان وتوارى.
وانتشر في اليوم التالي خبر ما جرى فاستبدّت النقمة بالناس واندفعوا يبحثون عن أسقف هيرابوليس ليقتصّوا منه. أما أفركيوس فبدل أن يتوارى فقد ذهب إلى سوق المدينة وأخذ ينادي بالمسيح هناك. ويشاء التدبير الإلهي أن تبلغ الجموع السوق في الوقت الذي أخرج أفركيوس أرواحاً خبيثة من ثلاثة رجال اعتادوا أن يروّعوا سكان المدينة لمسٍّ كان فيهم من الشياطين. فلمّا عاين الناس ما جرى تسمّروا في أمكنتهم وأخذ بعضُ الأصوات يخرج من بينهم هاتفاً: عظيم إله المسيحيّين! ويقال إنّ جميع الذين عاينوا العَجَب ما لبثوا أن أعلنوا إيمانهم بالمسيح واعتمدوا. حتى حاكم المدينة المسمّى بوبليوس آمن بالمسيح بعدما أعاد القدّيس أفركيوس البصر إلى أمّه العمياء باسم يسوع.
اسم يسوع المسيح، له المجد، كان بالنسبة لهذا الأسقف مصدر قوّة وبرَكة. وإذ كان يتفوّه به، كان يتفوّه به بكل الثقة واليقين اللذين اعتاد الرسل أن يواجهوا بهما كل الظروف الحرجة والمواقف المستعصية. من ذلك مثلاً أن خبر القدّيس أفركيوس والآيات التي كانت تجري على يديه بلغ أذني الأمبراطور فاستدعاه ليشفي له ابنته التي كان فيها روح شرير. فذهب القدّيس إلى رومية ليشهد للربّ الإله هناك أيضاً. ولما أحضروا الفتاة إليه أخذ الروحَ الخبيثَ هياجٌ فشرعت تسبّ وتلعن وترغي وتُزبد وتجرّح نفسها. فرفع القدّيس أفركيوس يده وردّد ما اعتاد الرسل قوله: أيّها الروح الشرير، باسم ربّي يسوع المسيح، آمرك أن تخرج من هذه الصبية ولا تعد تدخل فيها. فصرعها الشيطان وخرج منها مغلوباً على أمره. وسقطت الفتاة أرضاً، حتى أخذت الجميعَ دهشةٌ وظنّوا أنّها ماتت. فدنا الأسقف منها وأخذها بيدها وأقامها سالمة معافاة ودفعها إلى والدتها.
وكان لِما جرى وقعٌ عظيم على الملكة والحاشية والحاضرين، فشكرت وأطنبت وعرضت على الأسقف مالاً وهدايا، فامتنع، فشدّدت فسألها قمحاً لفقراء هيرابوليس ومستشفى فلبّت. ويقال إنّ رومية استمرّت تقدّم القمح لهيرابوليس كل سنة إلى زمن الأمبراطور يوليانوس الجاحد (361 – 363 م).
إلى ذلك كلّه كان القدّيس أفركيوس غيوراً على استقامة الإيمان، وقد جال كما لم يَجُل أسقف من قبله، فأقام وتنقّل طيلة عامين بين أنطاكية العظمى وأفاميا ونصيبين وبلاد ما بين النهرين وسواها ملاحِقاً هرطقة مرقيانوس وكارزاً بالتعليم القويم. يذكر أنّ مرقيانوس هذا هو الذي فصل العهد الجديد عن العهد القديم وأسقط هذا الأخير بحجّة أنّ إله العهدَين ليس واحداً، كما قال بشبه إنسانية المسيح وآلامه لا بحقيقتها. هذه الهمّة والدأب الرسوليان اللذان كانا لأفركيوس هما ما حديا بالكنيسة إلى إطلاق لقب المعادل الرسل عليه.
بعد ذلك عاد أفركيوس إلى مدينته راعياً يعلّم ويعمّد ويشفي ويطرد الشياطين. وقبل أن تحضره الوفاة جاءه من العليّ إعلان بذلك فأعدّ نفسه وبنى لنفسه ضريحاً ونقش عليه كتابة ما زالت إلى اليوم محفوظة في المتحف اللاتراني في رومية. مما جاء في هذه الكتابة: “أنا مواطن من هذه المدينة الشريفة، شيّدت هذا الضريح لنفسي وأنا بعد حيّ ليكون لي موضع راحة لجسدي. أُدعى أفركيوس وأنا تلميذ راع طاهر يرعى خرافه في التلال والسهول، وله عينان كبيرتان ويرى كل شيء. هو الذي علّمني كلام الحياة وأرسلني إلى رومية لأعاين المدينة المتملّكة وأُشاهد الملكة بأثوابها الذهبية. وعندما عدت من رحلتي مررت بسهول سورية ونصيبين البهيّة وعبرت بالفرات. وحيثما حللت كان بولس رفيق أسفاري. بالإيمان سلكت. والإيمان قدّم إليّ سمكة… اصطادتها عذراء نقيّة وهي تقدّمها لصحبها مأكلاً على الدوام. ولها خمرة طيّبة تقدّمها مع الخبز.
هذا الكلام نقشتُه على الرخام، أنا أفركيوس، إذ كان لي من العمر اثنتان وسبعون سنة. فمَن قَبِل إيماني وقرأ هذه الكتابة فليصلّ لأجلي”.
وبعدما رأى أفركيوس القدّيس أنّ كل شيء بات مهيّأً ودّع أحبّته ورقد بسلام في الربّ.
في إحدى قطع الإينوس في صلاة سحر القدّيس أفركيوس نقرأ ما يلي: “لقد حقّقت كل أقوال الكرازة الإلهية بالعجائب أيّها الأب. ورددت القوم الضالين إلى المعرفة الإلهية. فظهرتَ مرشداً إلى النور غير ضال وحاطماً الأبالسة. فلذلك نمدحك يا أفركيوس“.