في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيس البارّ ألكسيوس رجل الله *الشّهيد مارينوس *المُعترف ثيوكتيريستوس البثينيّ *الشّهيد بولس الكريتيّ *القدّيس البارّ مكاريوس العجائبيّ الرّوسيّ *القدّيس البارّ باتريكيوس، أسقف إيرلندا ومبشّرها *شهداء الإسكندريّة.
* * *
✤ القدّيس البارّ باتريكيوس، أسقف إيرلندا ومبشّرها ✤
ولد في بريطانيا لعائلة تنصرت من زمان. أبصر النور سنة 383م. وهو ابن شماس اسمه كالبورنيوس ابن كاهن. أمضى باتريكيوس فتوته في اليسر. عاش في فيللا وسلك إلى السادسة عشرة من عمره في الطيش غير مبال بما لله. فجأة حلت به التجرية. غزا قراصنة ناحيته وأخذوا العديد من السكان أسرى، من بين هؤلاء كان باتريكيوس. بيع كعبد في إيرلندا. اشتراه أحد الملاكين وجعله ناظراً لقطعانه في الجبال. شظف العيش في الأسر، في تلك الأرض الغريبة، واستغراق سكانها في ظلمة الوثنية، إضافة إلى احتكاك باتريكيوس المتواتر بالطبيعة، كل ذلك حول قلبه إلى الله فسلك في التوبة. أخذ يُمضي نهاريه وأغلب لياليه في الصلاة راكعاً على أرض غطاها الجليد أو بللتها مياه الأمطار. لم يكن، بإزاء ذلك كله، يشعر بالانزعاج لأن نفسه ملأتها التعزيات الإلهية.
مضى على باتريكيوس في الأسر ست سنوات. منفاه أضحى بالتوبة والصلاة فردوساً من الطيبات. سمع ذات ليلة صوتاً يقول له: “حسناً فعلت أنك صُمت وصليت. لقد قبل الله صلاتك. اخرج الآن! عد إلى موطنك! مركبك بات مهيئاً!”
امتلأ قديسنا ثقة بالله فقام ولاذ بالفرار. سار على غير هدى أكثر من ثلاثمائة كيلومتر حتى بلغ مرفأ أبحر منه على ظهر مركب يخص تجاراً وثنيين. في غضون ثلاثة أيام حط المسافرون على أرض قاحلة لا يعرفونها. جدوا في السير بحثاً عن مكان مأهول. تاهوا أكثر من شهر فريسة للجوع. أخيراً سأل الوثنيون باتريكيوس أن يستجير بإلهه عساه يخلصهم. فحالما رفع القديس يديه إلى فوق حتى بان لهم قطيع من الخنازير فاصطاد القوم بعضاً منه وسدوا جوعهم. وبعد سلسلة من المتاعب تمكن باتريكيوس من العودة إلى وطنه.
وكانت لقديسنا في منزله العائلي رؤيا: إنسان سماوي اسمه فيكتوريوس وقف أمامه وأراه رزمة رسائل. فض أولاها وقرأ مايلي: “صوت إيرلندا! أيها الصبي القديس، نطلب منك أن تأتي أيضاً لتمشي فيما بيننا”. وخال له، إذ ذاك، انه سمع صوت رجال غابة فولكو حيث قضى سنواته أسيراً. وإذ شعر في نفسه بأن الله يدعوه، قرر أن يستعد لهداية هؤلاء البرابرة بعد أن يستكمل إعداده الكنسي الذي سبق فأهمله ي صباه. على ذلك خرج إلى بلاد الغال وأقام في عدد من المراكز الرهبانية، لاسيما لوران، وبقي في أوكسير قرابة الخمسة العشر عاماً يتابع تعليم القديس جرمانوس (31 تموز) الذي سامه شماساً. وانتهى خبر إلى باتريكيوس مفاده أن ثمة حاجة على مرسلين للتبشير بالإنجيل في إيرلندا. هذا عنى بالنسبة إليه أن ساعة التحرك قد آنت. في ذلك الوقت جرت سيامة القديس بلاديوس، شماس رومية، أسقفاً يسوس وينظم صفوف المسيحيين المبعثرين في إيرلندا. غير أن صعوبات جمة واجهت بلاديوس، ي مهمته الجديدة، فلم يتمكن إلا من تأسيس ثلاث كنائس فقط فاجأته بعدها المنية في غضون أشهر قليلة. فجرت، إثر ذلك، سيامة باتريكيوس أسقاً مهمته هداية برابرة إيرلندا. كان مستعداً للمهمة استعداداً حسناً، أولاً بعدما سمع نداء الله ي شأنها، وثانياً لأنه كان يعرف لغة تلك الشعوب وعاداتها.
حظ باتريكيوس في الجزيرة على رأس مجموعة من الكهنة والشمامسة. وللحال توجه إلى حيث اعتاد زعماء القبائل أن يعقدوا اجتماعاً دورياً لهم. ويبدو أنه بشرهم بجرأة بالمسيح مستعملاً لغة يفهمونها. لم يهب المحاربين المتوحشين الذين واجهوه. وقد أصاب بعض النجاح. عدد من زعماء القبائل مال إليه وفسحوا له في المجال لتأسيس كنائس وأديرة على أراضيهم وهداية شعوبهم. جال في كل إيرلندا، لاسيما في قسمها الشمالي، مذيعاً بلا كلل كلمة الله، متوجهاً أولاً إلى زعماء القبائل والملوك المحليين. وهكذا تمكن من هداية ملوك دبلن ومونستر وبنات ملك كونوت السبع. لكنه اصطدم بالمنجمين والسحرة الذين قاوموه في كل مكان. رغم كل شيء، تمكن، بنعمة من الله، من إسكاتهم وهدى بعضاً منهم، ومنهم خرج كهنة غيارى أخذوا يساهمون في هداية إخوانهم.
في مملكة أوريال أسس باتريكيوس ديراً في أرماغ بعدما كرز بالكلمة. أرماغ هذه أصبحت مركز الرحلات التبشيرية للقديس ثم مقر الأسقفية في إيرلندا.
عبر قديسنا، وقد واجه كل أنواع المشقات، تلك الأراضي غير المضيافة تاركاً الله يتكلم فيه. ومع أنه احتقر فذلكات الفصاحة والبلاغة فإن كلامه كان مشبعاً بشواهد الكتاب المقدس منقولة بقوة إلهية.
سام باتريكيوس كهنة وأساقفة ونظم الكنيسة الجديدة مراعياً مزايا الشعب الإيرلندي. لم يكن مقر الأساقفة الذين سامهم في المدن بل في الأديرة التي عرفت في الأجيال اللاحقة توثباً كبيراً حول إيرلندا إلى ما يشبه صحارى الرهبان في مصر. من هذه الأديرة خرجت أعداد كبيرة من الرهبان، مبشرين شجعان ورحالة لا يكلون ساهموا مساهمة يُعتد بها في إعادة تبشير أوروبا إثر غزوات البربر.
وسواء حدث لباتريكيوس أن كان مقيماً في أحد الأديرة الأسقفية أو في رحلة فإنه لم يتوان أبداً عن إتمام قانون صلاته اليومي. هذا كان يتضمن التلاوة الكاملة لسفر المزامير مع كل أناشيد العهد العتيق والنصوص الملهمة كرؤيا يوحنا. كذلك كان يرسم على نفسه إشارة الصليب مئة مرة في الساعة. وإذ ما حدث له أن وجد صليباً في الطريق، كان ينزل من عربته ويسجد ثم يتابع سيره. كاد في جولاته التبشيرية أن يُقتل عدة مرات، لكن ملاك كنيسته كان يحميه لمنفعة المؤمنين. وكان، وهو الذي عانى مرارة العبودية، يحامي عن السكان ليرد عنهم غزوات القراصنة. وقد قطع من الشركة أحد زعماء العصابات ويدعى كوروتيكوس. هذا حطت مراكبه وسط شعب معمد ففتك ببعض المستنيرين حديثاً وأسر البعض الآخر ليبيعهم عبيداً. لكن لم تمض أشهر قليلة على كوروتيكوس الذي عاند ولم يتب، مع أنه كان معمداً، حتى أصيب بالجنون ومات يائساً.
أمضى باتريكيوس ثلاثين عاماً في الأسقفية لا يكل ولا يتعب في نقل الكلمة وتنظيم كنيسة المسيح الجديدة، أخيراً، فيما كان يقوم بجولة تفقدية على بعض شعبه لاحظ في الطريق عليقة ملتهبة لم تشتعل فدنا منها سمع ملاكاً ينقل له وعوداً إلهية ومنها أنه سوف يدين الشعب الإيرلندي في اليوم الأخير. فعاد إلى أولديا ورقد بسلام في 17 آذار سنة 461م.
طروبارية القدّيس البارّ باتريكيوس، أسقف إيرلندا ومبشّرها (باللّحن الرّابع)
لَقَدْ أَظْهَرَتْكَ أَفْعالُ الحَقِّ لِرَعِيَّتِك قانوناً لِلإيمان، وصُورَةً لِلوَداعة ومُعَلِّماً لِلإِمْساك، أَيُّها الأَبُ رَئِيْسُ الكَهَنَةِ باتريكيوس، فَلِذَلِكَ أَحْرَزْتَ بِالتَّواضُعِ الرِّفْعَة وبِالـمَسْكَنَةِ الغِنى، فَتَشَفَّعْ إِلى الـمَسيحِ الإلَه أَنْ يُخَلِّصَ نُفُوسَنا.