في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهيد يوستوس الرّوميّ *القدّيس البارّ أونسيموس العجائبيّ *أبونا الجليل في القدّيسين يوسف رئيس أساقفة تسالونيكي *الشّهيدان أكويلا وهيلاريون *الشّهيد بطرس الجديد، أسقف كريت *الشّهيد هيراكليوس *القدّيس البارّ نيقوديموس الجبل المقدّس *القدّيس البارّ استفانوس الرّوسيّ *القدّيس البارّ دوسديديت الإنكليزيّ *الشّهيد يوحنّا المرّوزي.
* * *
✤ القدّيس البارّ نيقوديموس الجبل المقدّس ✤
وُلد سنة 1749م في جزيرة ناكسوس في أرخبيل السيكلاذيس. أعطاه أبواه التقيّان، في المعمودية، اسم نيقولاوس وأحالوه على كاهن القرية ليتعلّم القراءة. كان ينصرف عن اللهو إلى القراءة. امتاز بذكاء حاد وذاكرة غير عادية سمحت له بتسجيل كل ما يقرأ للحال وترداده بلا خلل ساعة يشاء. أُرسل إلى إزمير في عمر السادسة عشرة ليتتلمذ على المعلّم إيروثاوس في المدرسة الكتابية. أحبّه الجميع، الأساتذة والتلاميذ، لوداعته وأخلاقه الحميدة. بالإضافة إلى الآداب والعلوم المقدّسة تلقّن اللاتينية والفرنسية وأضحى خبيراً في اليونانية القديمة، الأمر الذي سمح له بملء المهمة التي أعدّه الله لها وهي جعل ذخائر تراث الكنيسة في متناول الشعب اليوناني الأرثوذكسي المقموع.
بعد أربع سنوات من الدراسة في إزمير، وبعدما ذبح الأتراك اليونانيّين في تلك الأنحاء، إثر الحملة الروسية، اضطرّ نيقولاوس للعودة إلى وطنه ناكسوس. هناك التقى الرهبان غريغوريوس ونيفون وأرسانيوس المنفيِّين من الجبل المقدّس بسبب النزاع حول الكوليفا، أي ما إذا كانت إقامة الجنانيز للراقدين جائزة أيام الآحاد أم لا. لقاؤه الرهبان حرّك في نفسه محبّة الحياة الرهبانية ودفعه إلى تعاطي النسك والصلاة الداخلية. أخبروه أنّ في هيدرا رجل فضيلة فذّاً درِباً في عقيدة آباء الكنيسة، الميتروبوليت مكاريوس الكورنثي. توجّه إلى هناك كما يشتاق الأيِّل إلى ينبوع المياه، فوجد لدى الأسقف القدّيس إتفاقاً وإيّاه في الفكر لجهة الضرورة الملحّة لنقل منابع التراث الكنسي. وتعرّف أيضاً إلى الناسك الشهير سيلفستروس القيصري الذي كان يعيش في قلاّية منعزلة على مسافة قليلة من المدينة. هذا أثنى ثناء كبيراً على طيِّبات حياة التوحّد حتى قرّر نيقولاوس ألاّ يتأخّر بعدُ في حمل النير الليّن العذب للمسيح، فتزوّد برسائل توصية من سيلفستروس وأبحر إلى جبل آثوس (1775م).
دخل أول ما دخل إلى دير ديونيسيو حيث اتّشح، بسرعة، بالثوب الرهباني واتّخذ اسم نيقوديموس. سُمِّي سكرتيراً وقارئاً وما لبث أن صار نموذجاً لكل الإخوة في حميّة الصلاة والنسك والخدم التي كان يتمِّمها من دون تذمّر. انقضت سنتان قبل أن يكلّفه القدّيس مكاريوس الكورنثي، في زيارة للجبل المقدّس، بمراجعة وإعداد الفيلوكاليا للنشر، وهي الموسوعة الأرثوذكسية للصلاة والحياة الروحيّة. اعتزل الراهب الشاب في قلاّية في كارياس إتماماً لهذا العمل اللائق بمعلّمي الهدوئية، الذي يتطلّب معرفة عميقة بعلم الحياة الداخلية. وإلى الفيلوكاليا اهتمّ بمجموعة “الأفرجاتينوس” و”البحث في المناولة المتواترة” الذي أنشأه القدّيس مكاريوس وزاده القدّيس نيقوديموس غنى. وما إن نجز العمل حتى عاد قدّيسنا إلى دير ديونيسيو. لكن معاشرة آباء الفيلوكاليا والممارسة المركّزة لصلاة يسوع حرّكا فيه الرغبة في التفرّغ للأمرين. فلمّا سمع بالقدّيس بائيسي فليتشكوفسكي (28 تشرين الثاني) الذي كان يرعى ألفاً من الرهبان في مولدافيا في العمل المقدّس، عمل إنزال الذهن إلى القلب، حاول أن ينضمّ إليه. ولكن، بتدبير من الله، حالت عاصفة دون بلوغ قصده. فلمّا عاد إلى جبل آثوس، وإذ كان متحرّقاً للتفرّغ للصلاة في السكون، لم ينزل في ديونيسيو بل اعتزل في قلاّية قريبة من كارياس ثمّ في إسقيط كابسالا التابع لدير بندوكراتور، في منسك على اسم القدّيس أثناسيوس كان ينسخ فيه المخطوطات سدّاً لحاجاته المعيشية. وإذ انكبّ، ليلاً نهاراً، ولا ما يلهيه، على الصلاة وتأمّل الآباء القدّيسين ارتقى، بسرعة، درجات السلّم الروحيّة. في تلك الأثناء تمكّن الشيخ أرسانيوس البليوبونيزي، الذي عرفه في ناكسوس، من دخول آثوس فأتى واستقرّ في الإسقيط. إذ ذاك تخلّى نيقوديموس عن وحدته، عن طيب خاطر، لينتفع من حسنات الطاعة، وصار له تلميذاً. والبكاد أنجزا بناء قلاّية جديدة حتى قرّرا، إثر اضطراب سكونهما، أن يعتزلا في جزيرة سكيروبولا القاحلة (1782). ولكنْ أمام صعوبات توفير المعيشة انتقل أرسانيوس إلى موضع آخر تاركاً نيقوديموس وحده في الجزيرة. هناك، بناء لطلب ابن عمّه، الأسقف إيروثاوس أوريبوس أنجز عمله الشهير: “كتاب النصائح الطيِّبة”، في شأن حفظ الحواس والأفكار وعمل الذهن. كان قد بلغ الثانية والثلاثين. نقصته الكتب والمدوّنات الشخصية وما سوى ذلك إلاّ كنز ذاكرته الهائلة ومناجاته المتواترة لله. قدّم، في هذا العمل، بشكل مكثّف، كل العقيدة الروحية للآباء القدّيسين مزوّدة بعدد فائق من الشواهد المرفقة بمراجعها بدقّة. وفيه علّم كيفية خلاص الذهن (النوس) من قيد ملاذ الحواس بغية الارتقاء، بالصلاة الداخلية (أو صلاة القلب)، إلى الملاذ الروحية للمعاينة. خلال هذه الإقامة في الجزيرة القاحلة، واجه القدّيس هجمات عنيفة للأبالسة. حاولت طرده من هناك. ومع أنّه كان في فتوّته خوّافاً ولا يجرؤ على النوم والباب مقفل، فإنّه، لما أتت أرواح الظلمة، فيما بعد، تتهامس عند نافذته، لم يرفع رأسه عن الكتاب إلاّ ليضحك من مساعيهم العاجزة.
وبعد سنة من الإقامة في سْكيروبولا عاد نيقوديموس إلى آثوس واقتبل الإسكيم الكبير وأقام في قلاّية القدّيس ثيوناس في كابسالا. وقد رضي أن يتّخذ تلميذاً هو إيروثاوس. انكبّ، أكثر من ذي قبل، على الكتابة وتعليم الإخوة الذين جاؤوا ليقيموا في الجوار طلباً للانتفاع من علمه.
وخلال إقامة القدّيس مكاريوس، مرّة أخرى، في الجبل المقدّس، أَسند إلى نيقوديموس مهمة العناية بنشر ترجمة الأعمال الكاملة للقدّيس سمعان اللاهوتي الجديد. في مقدّمة هذا العمل، التي تتضمّن تعاليم في غاية السمو حول المعاينة الإلهية، يُبرز القدّيس نيقوديموس أنّ مثل هذه الكتب ليس للرهبان وحسب بل لعامة المؤمنين أيضاً لأنّ المسيحيّين، كل المسيحيّين، مدعوون إلى السلوك في الكمال الإنجيلي. بعد ذلك وضع موجزاً للمعرّف وجعل، في مجموعة فريدة من نوعها، قوانين لوالدة الإله، على الألحان الثمانية ولكل يوم من أيام الأسبوع، لتُرتل في نهاية صلاة الغروب أو صلاة النوم في الأديرة. وبالإضافة إلى المؤلّفات الليتورجية العديدة الأخرى، نشر عملين كتابيّين مقتبسين من كتب روحية غربية شهيرة: “الحرب اللامنظورة” لِلورنزو سكوبولي” و”التمارين الروحية” اللذين عرفا نجاحا مرموقاً. لم يكن هذان العملان نقلاً عادياً بل أصلحهما واقتبسهما وأدخل فيهما تعليماً لا غبار عليه في شأن التوبة والنسك وصلاة يسوع. في ذلك الحين تسبّب الكتاب حول المناولة المتواترة في ردود فعل عنيفة بين الرهبان الذين دافعوا عن العادة المخالفة للقوانين المقدّسة والتقاليد الرسولية، أن يُصار إلى مساهمة القدسات ثلاث أو أربع مرّات في السنة. وإذ اعتُبر الكتاب بدعة جديدة أدانه البطريرك بروكوبيوس. ولكن لمّا صُيِّر نيوفيطوس السابع (1789م) بطريركاً محلّه رُفع الحُرم. اعتُرف بجماعة الكوليفا أنّهم المدافعون الحقيقيون عن التقليد. رغم ذلك بقيت تُهَمٌ باطلة سمجة تُطلق، في بعض الأوساط الرهبانية، على القدّيس نيقوديموس. هذه ذهبت إلى حدّ اتّهامه بإخفاء المناولة المقدّسة في سكوفيّته (لباس الرأس) ليتسنّى له أن يساهم القدسات ماشياً. لكن القدّيس آثر حفظ الصمت لا ينتظر الإنصاف من غير الله، ذارفاً الدمع من أجل هداية الذين هم في الضلال في شأن ذكر الراقدين يوم الأحد.
وجاء إلى القدّيس نيقوديموس الراهبُ الكاهن أغابيوس البليوبونيزي وعرض عليه أن يراجع مجموعة القوانين الكنسيّة التي أعدّها ليوسِّعها ويعلِّق عليها. أما القدّيس، الذي كان يعتبر الحياة والانضباط في الكنيسة أثمن من حياته، فانكبّ على العمل بعناد وجمع أربع خطّاطين ليُنجز العمل في الوقت المناسب مسمّياً إيّاه “دفّة المركب” أو “البيذاليون”. اشتغل ليل نهار على مدى سنتين، يجمع ويصحِّح النصوص المنحولة أو المتضاربة، مقارناً ما بين قوانين المجامع والآباء القدّيسين ومراسيم الشرع البيزنطي، مُغنياً العمل، بخاصة، بعدد كبير من الحواشي التي تُبرز المعايير المؤكّدة لتطبيق قوانين هذه المجموعة على حياة الكنيسة. فلمّا نجز العمل وأُرسل إلى القسطنطينية استدعى الانتظار طويلاً ليحظى بالبركة البطريركية، ثمّ أُحيل على الكاهن الراهب ثيودوريتوس، الذي كان في رومانيا، ليُنشَر استناداً إلى موافقة كل الرهبان الآثوسيّين عليه. لكن هذا الأخير، لمّا كان مناهضاً لجماعة الكوليفا والمناولة المتواترة، فقد أدخل في البيذاليون تنقيحات مباشرة مسيئاً إلى فكر المؤلّف وتقليد الكنيسة في آن. فلمّا ظهر الكتاب في لايبزيغ سنة 1800م، ودرى القدّيس به حزن حزناً عميقاً وهتف: “كان خيراً لي أن أُطعن بسيف في قلبي من أن يُضاف أو يُحزف أي شيء من هذا الكتاب!”
وقريباً من تلك الحقبة، نُهي إلى القدّيس نيقوديموس أنّ مخطوط الأعمال الكاملة للقدّيس غريغوريوس بالاماس (14 تشرين الثاني) الذي جمعه بتعب جزيل ووضع له حواشيه بناء لطلب القدّيس أثناسيوس باروس (24 حزيران) والميتروبوليت لاون هليوبوليس، أقول نُهي إليه أنّ هذا المخطوط اختطفه النمساويون من المطبعة في فيينا وأفسدوه بحثاً عن رسائل للدعاية الثورية وجّهها نابوليون بونابارت إلى اليونانيّين. هذا الخبر جلب لقلبه حزناً وجعله يذرف الدمع فيّاضاً، لا فقط للوقت الذي استدعاه هذا العمل الذي لا يُعوَّض، ولكن، بخاصة، لخسارة مثل هذا الكنز.
بعد أن لزم القدّيس نيقوديموس، لبعض الوقت، بمعيّة سلفستروس القيصري، قلاّية القدّيس باسيليوس الذي سبق أن عاش فيها القدّيس ثيوفيلوس المفيض الطيب (8 تموز)، استعاد حياة التوحّد وتابع عمله الرسولي. وإذ لبس الأسمال وانتعل حذاء غليظاً اعتبر نفسه آخر الكل. لم يعرف الطهي البتّة واغتذى بالرز المسلوق وبالعسل المخفّف بالماء بالإضافة إلى بعض الزيتون والفول المنقوع. وعندما كان الجوع يضنيه كان يذهب إلى جيرانه ليأخذ بعض الطعام لديهم. لكنّه كثيراً ما كان ينسى أن يأكل مأخوذاً بالكلام والنقاش. لم يكن يُعرف له نشاط سوى اثنين: الصلاة والدرس. في أية ساعة من النهار أو الليل كان يوجد منحنياً على كتاب أو على أدوات الكتابة أو حانياً ذقنه على الجزء الأعلى من صدره لينزل ذهنه إلى أعمق أعماق قلبه ولكي يدعو بحميّة الإسم المقدّس ليسوع. كان قد صار كلّه صلاة. بهذا الاتحاد بالمسيح، جعلت النعمة الإلهيّة في قلبه كل كنز الكنيسة. عندما كان يكتب كان يُؤخذ لدرجة أنّه جاءه يوماً راهب زائر فوجده يعمل فجعل له في فمه قطعة من الخبز الطري. ولما عاد إليه مساء وجده في ذات وضعية الجلوس وقطعة الخبز في فمه وكأنّه لم يلاحظ شيئاً.
هذا وقد راجع قدّيسنا شرحاً مسهباً لرسائل القدّيس بولس بحسب القدّيس ثيوفيلاكتوس البلغاري وكذلك شرحاً للرسائل الجامعة، كما وضع شرحاً للأوديات الكتابية التسع بعنوان “بستان النعمة” وترجم شرح المزامير لأفتيميوس زيغابينوس. وكما، في كل أعماله الأخرى، تخطّى نيقوديموس، بأشواط، عمل المترجم البسيط. فإنّه إذ اتّخذ لنفسه قاعدةً ونسقاً أحد الشرّاح التقليديّين، كان يستكمله بحواش وافرة ملؤها شهادات آباء الكنيسة في شأن أعداد من الموضوعات. وكنبع ماء لا ينضب، نشر أيضاً مختارات من سير القدّيسين القدامى (Néon Eklogion) وأخبار الشهداء الجدد التي هي مجموعة سير الشهداء الجدد بقصد دعم إيمان المسيحيّين المقهورين الرازحين تحت النير العثماني، والتي بفضلها أمكن أعداداً من المرتدّين عن الإيمان أن يهتدوا وينضمّوا من جديد إلى الكتائب الممجّدة للشهداء. وإذ كان مهتماً بتربية شعب الله وضع أيضاً موجز الأخلاق المسيحية الحميدة (Christoètheia).
يومياً كل المجروحين بالخطيئة أو بالإرتداد عن الإيمان، كانوا يسرعون الخطى إلى ناسك كابسالا متجاهلين الأساقفة والمعترفين، طلباً للدواء وعزاء النفس. وليس فقط رهبان، بل أيضاً عامة مؤمنين قدموا من بعيد حتى شكا القدّيس عجزه عن الإقبال، كما يرغب، على الصلاة وتمنّى الانتقال، من جديد، إلى موضع آخر قاحل مجهول. لكن المرض حال دون تحقيقه هذه الرغبة. ومع أنّه لم يكن قد بلغ السابعة والخمسين ولكن أضناه النسك وتعب الكتابة والتأليف الكافي لملء مكتبة، فإن التعب نال منه إلى درجة أن مجرد زيادة الطعام لم تعد تكفيه. لذا غادر منسكه في كابسالا ليقيم لبعض الوقت في قلاّية أحد أصدقائه في كارياس، ثمّ لدى أحد جيرانه وكان راهباً رسّاماً. في ذلك الحين راجع، على مدى سنتين، مجموعة السنكسار. ثمّ عاد إلى قلاّيته في كابسالا حيث انخرط في تفسيره الغني لقوانين الأعياد وللأنافاثيميات التي تُرتّل كل أحد، في صلاة السحر. وقد أكمل عمله هذا الأخير، الذي استبان فيه كل علمه اللاهوتي ونسغه الروحي، فيما كان يعاني من فقر الدم، وبعدما فقد أسنانه وصار شبه أصمّ (1808م). في تلك الأثناء أدّت وشايات في حقّ أثناسيوس باروس وثلاثة من القائلين بـ “الكوليفا” إلى إدانة غير محقّة من قِبَل البطريرك غريغوريوس الخامس. بإزاء ما حصل لم يستطع القدّيس نيقوديموس أن يأخذ على عاتقه مهمّة الدفاع عنهم واكتفى بتحرير اعتراف إيماني. وما لبثت حالته الصحّية أن ساءت. ثمّ بعدما اشتغل قليلاً في شرح الأنافاثيميات صرّح: “سيّدي، خذني إليك فإنّي تعبٌ من هذا العالم!” من يوم إلى يوم كان الفالج يمتدّ في أعضائه، وكان يردّد صلاة يسوع بصوت عال معتذراً من الإخوة أنّه لم يعد قادراً على حفظها في السرّ. ثمّ بعدما اعترف وساهم القدسات أخذ بيديه رفات القدّيس مكاريوس الكورنثي وبرثانيوس سكورتيوس وقبّلها بدموع وقال: “لقد رحلتما إلى السماء وترتاحان في الفضائل التي حصدتماها على الأرض وأنتما تذوقان مجد الربّ يسوع. أما أنا فأعاني بسبب خطاياي. أيضاً أنتما أبواي أتوسّل إليكما أن تتشفّعا بي لدى السيّد ليرأف بي ويؤهّلني للموضع الذي أنتما فيه”. وأثناء الليل هتف: “ها أنا أموت، أموت، إليّ بالقدسات!” فبعدما ساهمها صار في هدوء غير عادي. وإذ جعل يديه على صدره بشكل صليب أجاب الرهبان الذين سألوه إذا كان في الراحة: “لقد أدخلتُ المسيحُ فيّ فكيف لا أكون في الراحة؟”. عند بزوغ الفجر، في 27 تموز 1809، استودع السيّد نفسه. أحد الحاضرين هتف: “كان خيراً أن يقضي ألف مسيحي نحبهم اليوم من أن يغادرنا نيقوديموس!” ولكن إذا كان النجم قد أفل فإنّ أشعّته لم تكفّ عن إضاءة الكنيسة وكتبه باقية معيناً لا ينضب للتعليم والتهذيب والحثّ على ملء الحياة في المسيح.