في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيسون الأبرار المقتولون في طور سيناء ورايثو *القدّيس البارّ ثيوذولس ابن القدّيس نيلس السّينائي *الشّهيدة أغنيس *القدّيس البارّ استيفانوس خنولاكوس *القدّيسة نونة المعادلة الرّسل *القدّيس البارّ سابا رئيس أساقفة صربيا ومؤسّس دير خيلندار الآثوسيّ *القدّيس فيليكس النّولي الـمُعتَرِف.
* * *
✤ القدّيسون الأبرار المقتولون في طور سيناء ورايثو ✤
طور سيناء هو الجبل الذي صعد إليه موسى وأخذ عليه من الله لوحي العهد. هناك، وبالتحديد فيما يعرف اليوم بدير القديسة كاترينا، ما زالت قائمة كنيسة العلّيقة الملتهبة، من القرن الرابع الميلادي، لا يدخلها المؤمنون إلاّ حفاة، لأن ثمة تراثاً، ارتبط بالكنيسة، يشير إلى أن بناءها تمّ في موضع العلّيقة التي عاينها موسى ملتهبة قديماً ولمّا تحترق. وإذ دنا منها سمع صوتاً يقول له: “لا تقترب إلى ههنا! اخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدّسة” (خروج5:3).
في تلك الأنحاء، سلك عدد من النسّاك في السيرة الملائكية الرهبانية، منذ القرن الرابع الميلادي. هؤلاء عاشوا في الكهوف والعراء، كل على حدة، لا يجتمعون إلاّ في الآحاد والأعياد ليشتركوا في القدسات ويتبادلوا بعض كلمات المنفعة، ثم يعودون إلى مناسكهم.
لا نعرف تماماً متى جرى قتل الآباء الأبرار في طور سيناء. قيل في القرن الرابع وقيل لا بل في القرن الخامس الميلادي. أنّى يكن الأمر فقد أتى القديس نيلس المكنّى بالسينائي على ذكر شهداء قال أنه عرفهم في تلك الأنحاء، وثمة من يقول أنهم هم إيّاهم الذين نقيم تذكارهم اليوم، والله أعلم. وصف القديس نيلس هؤلاء الأبرار بأنهم كالملائكة في أجساد بشريّة: صلواتهم شبه دائمة وتسابيحهم لا تنقطع. بعضهم لم يذق طعم الخبز منذ أن أتى إلى الصحراء. وبعضهم كان يكتفي من الطعام بوجبة يتيمة كل ثلاثة أيام. وجرى بعضهم على حفظ الصوم الأسبوع بطوله. ثلاثة أمور شغلتهم: الصلاة والصوم وعمل الأيدي.
ففيما كان الآباء مجتمعين يوماً، حدث أن زعيم البدو، في تلك النواحي، مات أو صُرع فاهتاج البدو وانصبّ غيظهم على النسّاك فهاجموهم وفتكوا بثمانية وثلاثين منهم. بعض الآباء قطعوا رأسه وبعضهم شقّوه اثنين وبعضهم بتروا أعضاءه وبعضهم بقروه. كان المنظر مروِّعاً. فجأة انبعث من المكان نار ودخان لم يكن المهاجمون وراءهما فارتاعوا وولّوا الأدبار. اثنان فقط بقيا على قيد الحياة، أحدهما فارق عند المساء متأثّراً بجراحه، والآخر، واسمه سابا، طلب إلى الرب الإله بدموع أن يضمّه إلى الشهداء الأبرار بالموت فكان له ما أراد.
بقيت أجساد هؤلاء القديسين مكشوفة خمسة أيام، ومع ذلك لم تفسد ولا دنت منها الوحوش والكواسر. أخيراً قدم آباء من موضع آخر فواروا الأجساد التراب.
وقد رّوي أنه كان بين الشهداء شاب صغير اسمه اسحق. هذا جاء الرهبان إلى أمّه وأخبروها بما حدث فهتفت للحال: يا إلهي! كنت قد وهبتك ولدي ليكون لك فشئت أن تكلّله بمجد الشهداء، فالشكر لك والسبح على الدوام!
في هذا اليوم أيضاً، الرابع عشر من كانون الثاني، تذكر الكنيسة المقدّسة كوكبة أخرى من الشهداء الأبرار: الشهداء الثلاثة والأربعين، وقيل المائة، الذين سقطوا بسيوف ورماح جماعة من البرابرة في رايثو.
تقع رايثو على شاطئ البحر الأحمر، على سفر يومين من سيناء. هناك وجد العبرانيون، كما ورد في التراث، اثني عشر نبع ماء وسبعين شجرة بلح (خروج27:15). والاسم القديم للمكان إيليم.
كانت في رايثو كنيسة محصّنة هاجمها برابرة قاموا من أثيوبيا. ويبدو أن قصدهم كان الغزو. ولمّا لم يعطهم الرهبان ما رغبوا فيه من مال، لأنه لم يكن لهم من حطام الدنيا شيء، أعملوا السيوف في رقابهم وطعنوهم بالرماح. وإن راهباً، طالب رهبنة، صغير السن، في الخامسة عشرة من عمره، أبقى المهاجمون عليه، ربما لحداثته. هذا خشي أن يفوته قطار الشهادة ويُحسم من شركة هؤلاء الأبرار القدّيسين، فتظاهر بالعنف وخطف سيف أحد المهاجمين وضرب به آخر فشجّه. فلما رأى رفاق الجريح ما حدث ارتدّوا على الراهب الفتى وفتكوا به فانضم إلى آبائه. واحد فقط من الرهبان نجا وخبّر.