في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهيدة في العَذارى بيلاجية الطّرسوسيّة *القدّيس البارّ هيلاريون العجائبيّ *القدّيسة مونيكا الأرملة *القدّيس البارّ نيقيفوروس، مؤسّس دير مديكيون *أبونا الجليل في القدّيسين أثناسيوس، أسقف كورنثوس *القدّيس البارّ نيقيفوروس الهدوئيّ *الشّهداء أفروديسيوس ورفاقه *القدّيسون الإخوة ألفانوف النفغوروديّون *أبونا الجليل في القدّيسين إيرازموس فورميوم الإيطاليّ *الشّهيدان ألبيانوس وتلميذه *القدّيس البارّ أنطونيوس الصّخرة *الشّهيد فلوريان النّمساويّ *الشّهيد بورفيريوس كاميرينو الإيطاليّ.
* * *
✤ القدّيسة مونيكا الأرملة ✤
والدة المغبوط أوغسطينوس أسقف هيبو. ولدت عام 332م لعائلة تقية. نشأت على مخافة الله. الفضل في تنشئتها عائد، بصورة خاصة، إلى خادمة تقية أول إليها ذوو مونيكا أمر تربية أولادهما. هم هذه الخادمة الأمينة تركز على تعويد من كلفت بأمرهم بخاصة على ضبط النفس في كل هوى، لاسيما في الإمساك عن الطعام والشراب. أيضاً اهتمت أمة الله بترويض الأولاد على إتمام كل عمل لديهم بأمانة ومحبة ودقة. كانت تقول: “إنكم اليوم تكتفون بشرب الماء ولكن حين تتسيدون على مستودع الخمور في المنزل فإنكم ستستخفون، إذ ذاك، بالماء وتتسيد عليكم عادة معاقرة الخمر”. كلام المربية كان، في ما خص مونيكا، بمثابة استشراف لما كانت قديستنا مزمعة أن تعبر به في شبابها. فإنها لما كانت، في صباها، تكلف بإحضار الخمر من خمارة البيت لاستعمال العائلة، كانت تستخرجه من البراميل بكأس تدنيها من فمها وتحتسي منه القليل تذوقاً. هذا لم تفعله، أول أمرها، عن رغبة في الشرب بل عن رعونة وطيش، وإذ كانت تستزيد، يوماً بعد يوم، تخلت عن تحفظها فيما نشأت عليه وصارت تشرب كأساً برمتها استمتاعاً. ولكن سلط عليها الرب الإله خادمة أخرى لتصلحها. هذه لحقت بها إلى مستودع الخمور، مرة، فعاينتها وانتهرتها ودعتها سكيرة. إذ ذاك عادت مونيكا إلى نفسها وأقلعت عن عادة الشرب واعتمدت لأن المعمودية كثيراً ما كانت تجري بين المسيحيين، في سن متقدمة. الاعتقاد كان أنك بعد أن تعتمد لا تعود إلى الخطيئة. لهذا كان المقبلون إلى المعمودية يحشدون عزمهم على عدم العودة إلى حياتهم السالفة والسير في التقى بأمانة. مذ ذاك أضحت مونيكا مثالاً طيباً للسيرة المسيحية النقية.
لما بلغت مونيكا سن الزواج زُفت إلى أحد مواطني تاغستا، واسمه باتريكيوس، رجلاً كريماً مستقيماً لكنه وثني. موقف مونيكا من زوجها كان الطاعة له كسيد عليها. همها كان أن ترضي الله في تعبها كزوجة. سيرتها النقية المحبة في تعاطيها مع زوجها جعلته يعاملها بالكثير من الود والاحترام والتقدير. رزقت مونيكا ابنان: أوغسطينوس ونافيغيوس، وابنة واحدة. صبرت صبراً جميلاً على كل ما كان يلحقها من تضيق وانقباض نتيجة اقتبالها سرير الزوجية لأنها كانت، في قرارة نفسها، تميل إلى العفة الكاملة. لم تتذمر مرة ولا لامت زوجها في شيء. زوجها كان سليم الطوية محباً لكنه كان غضوباً. وفي فورات غضبه لم تكن مونيكا تقاومه لا بكلمة ولا بتصرف. فلما كانت نفسه تهدأ كانت تعرض عليه، برفق، ما تراه وما فعلته. وحين كانت ترى على وجوه الزوجات، صويحباتها، أثار الضرب كانت بالأحرى تلومهن على سوء أطباعهن قائلة: “دن، بالأحرى، أنفسكن وألسنتكن!” لم يمد زوج مونيكا يده إليها بالضرب مرة بل، بالصبر والصمت، كانت دائماً هي الغالبة. إحدى أبرز النتائج التي حصلتها مونيكا بنعمة الله ونتيجة حكمتها وحسن تصرفها كانت اهتداء زوجها إلى المسيح، فاعتمد وتعفف وسلك بأمانة كمسيحي صالح. ثم رقد بسلام، في الرب، بعد ذلك بسنة.
من المواهب التي منّ الرب الإله بها على مونيكا صنع السلام بين الناس. وكانت تجد في خدمة الفقراء عزاء كبيراً. وتتردد على الكنيسة مرتين في اليوم، صبحاً ومساء. هاجس الأبدية، كما كتب المغبوط أوغطينوس، وهو ناقل سيرتها، لم يكن ليفارقها. كانت تهتم بالاقتداء بالقديسين وتزور أضرحة الشهداء بتواتر. حرصها على الصغائر أن تكون موافقة للوصية كان كحرصها على الكبائر. سعت كل السعي لتربية أولادها على التقوى. وقد تعبت في ذلك تعباً شديداً لاسيما فيما خص ابنها أوغطينوس. وقد أعطاها الرب الإله ما التمسته فيه لصلاتها ودموعها التي لم تنقطع طيلة سنوات.
ولد أوغسطينوس في تشرين الثاني من العام 354. أحصته أمه في طفولته في عداد الموعوظين وكان على وشك أن يعتمد، مرة، إثر مرض ألم به ولكن جرى تأجيل المعمودية إلى وقت آخر.
مات باتريكوس، الأب، سنة 371م وأوغسطينوس في السابعة عشرة. كان يومها يدرس في قرطاجة. وقد حدث هناك، في العام 373م، أن المانويين جذبوه إليهم فوقع في الهرطقة. فلما بلغ الخبر والدته حزنت عليه حزناً شديداً وذرفت الدموع الغزيرة لضلاله. ولم تعد تسمح أن يقيم معها تحت سقف واحد أو يأكل معها على مائدة واحدة إلى أن يعود عن غيه. فلما رأت في الحلم ما هدأ من روعها أن الرب الإله قبل صلاتها ودموعها سمحت له بالعودة إلى البيت بعد ذلك بأربع سنوات. ولكن لم تتم هداية أوغسطينوس إلى الإيمان القويم إلا في آب من العام 386م. خلال تلك الفترة استمرت الأرملة القديسة في الصلوات والتنهدات والدموع. ولم تجف دموعها إلا بعدما رأته يعتمد في ميلانو. راجعت، مرة، أسقفاً ورعاً، في شأن ابنها فكان جوابه: “اذهبي واستمري في ما أنت تفعلين لأنه ليس ممكناً لولد تذرف عليه هكذا دموع أن يهلك!”
قبل هداية أوغسطينوس أراد أن يخرج إلى رومية ليعلم البيان والبلاغة فلحقت به إلى الشاطئ وأرادت أن تسافر معه. قال إنه عدل عن الذهاب. دخلت إلى كنيسة القديس كبريانوس في الجوار لتصلي فغافلها وسافر. وبتدبير من الله مرض في رومية مرضاً شديداً. ولما شفي عرف أن هذا من صلوات أمه. من رومية خرج إلى ميلانو سنة 384م. هناك اصطاده الرب الإله بالقديس أمبروسيوس الذي أقنعه بأن المانوية شيعة ضالة. وما لبثت أمه، بعد الاستطلاع، أن درت بمكانه فخرجت إلى ميلانو وسمعت من فمه أنه نبذ المانوية ففرحت لكنها لم تكتف لأنه لم يكن إلى ذلك الوقت قد تثبت في الحقيقة الإلهية القويمة فاستمرت تصلي وتذرف الدموع بغزارة من أجله.
وقد ورد أنه كان لدى مونيكا بعض الارتباك وهي في ميلانو نتيجة اختلاف العادات بين تاغستا ورومية وميلانو. من ذلك الصوم أيام السبت. كانت هي معتادة على ذلك لأن العادة في تاغستا، كما في رومية، كانت كذلك فيما لم يكن السبت في ميلانو صيامياً. فحمل أوغسطينوس السؤال إلى القديس أمبروسيوس فكان جوابه: “حين أكون هنا في ميلانو لا أصوم في السبت، لكني أصوم حين أكون في رومية. لذلك أفعلي أنت الشيء نفسه واتبعي، دائماً، العادة والنظام في الكنائس التي أنت فيها”. هذا وقد لازمت مونيكا ابنها إلى أن تمت هدايته بالكامل في آب من العام 386م. وقد جرت عمادته في فصح العام 387م مع بعض رفاقه. رقدت مونيكا في الرب بعد ذلك بقليل في طريقها وأوغسطينوس ورفقته إلى إفريقيا. لسان حالها، قبل وفاتها بقليل، كان كلسان حال سمعان الشيخ. فإنها بعدما عاينت هداية ابنها وارتاح قلبها باتت كأنها تقول: “الآن أطلق عبدك أيها السيد حسب قولك بسلام فإن عيني قد أبصرتا خلاصك..” في احتضارها كانت تحدث بعض أصدقائها عن سعادتها بالموت الآتي. ولما سألوها ما إذا كانت خائفة لأنها ستموت في أرض غريبة، أجابت: “لا شيء بعيد عن الله. ولا علي أن أخشى ألا يجد الرب الإله جسدي ليقيمه مع بقية الأجساد”. ولما كانت على وشك المغادرة قالت لابنيها أوغسطينوس ونافيغوس: “اجعلوا جسدي في أي مكان ولا تهتموا. الأمر الوحيد الذي أسأله أن تذكراني على مذبح الرب حيثما حللتما”.
كان رقاد مونيكا خلال العام 387 عن عمر ناهز السادسة والخمسين. كان أوغسطينوس قد بلغ الثالثة والثلاثين. جرى برفات القديسة، عبر العصور، العديد من الأشفية. وقد تم نقلها إلى رومية من أوسيتا عام 1430م، في عهد البابا مارتينوس الخامس، لتوضع في كنيسة القديس أوغسطينوس.
طروباريّة القدّيسة مونيكا الأرملة (باللّحن الثّامن)
بِكِ حُفِظَتِ الصُّورَةُ بِدِقَّةٍ أَيَّتُها الأُمُّ مونيكا لأَنَّكِ حَمِلْتِ الصَّليبَ وتَبِعْتِ المَسيح، وعَمِلْتِ وعَلَّمْتِ أَنْ يُتَغاضَى عَنِ الجَسَدِ لأَنَّهُ يَزُول، ويُهْتَمَّ بِأُمُورِ النَّفْسِ غَيْرِ المائِتَة. لِذَلِكَ أَيَّتُها البارَّة تَبْتَهِجُ رُوحُكِ مَعَ المَلائِكَة.