في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*العظيم في الشّهداء بندلايمون والأعمى الّذي شفاه *القدّيسة البارّة أنتوسا رئيسة دير المنتيناون *القدّيس البارّ سمعان العموديّ الجديد *الشّهداء المائة والثّلاثة والخمسون التّراقيون *أبونا الجليل في القدّيسين كليمنضوس أوخريدا ومَن معه *القدّيس البارّ نيقولاوس كوتشانوف الرّوسيّ الـمُتبالِه *أبونا الجليل في القدّيسين يواصاف متروبوليت موسكو *الجديد في الشّهداء الرّوس أمبروسيوس غودكو أسقف سارابول.
* * *
✤ أبونا الجليل في القدّيسين كليمنضوس أوخريدا ومَن معه ✤
لعل كليمنضوس من أصل سلافي. وُلد حوالي العام 840 م. تتلمذ للقدّيس مثوديوس (11 أيار) باكراً. عمل، خلال حياته، على الاقتداء بأبيه الروحي في كل شيء. استمدد من القديسَين كيرللس ومثوديوس محبّة الكتب المقدّسة والشوق العارم إلى نقل البشارة إلى الشعوب البربرية بلغتها المحلية. لما مات القدّيس مثوديوس، رسول السلاف، انقضّ الأسقف الكاثوليكي Wiching على تلاميذه لأنّهم كانوا امتداداً لمثوديوس والأرثوذكسية في تشجيع الشعب على التحوّل عن تأثير الفرنجة. لذلك وشى بهم لدى سفاتوبلوك الأمير متّهما إياهم بالتآمر عليه. أُوقفوا أمام الأمير فشرح له كليمنضوس وغورازد أنّهم لا يبحثون عن الثورة عليه بل عن الدفاع عن الإيمان الأرثوذكسي بالثالوث القدّوس ضدّ زيادة الفيليوكوي (الإنبثاق). وإذ لم تكن تهمّ الأمير الفاسد المحاججات اللاهوتية، قام بتسليم المرسَلين القدّيسين إلى الألمان الذين جرّروا البعض في العلّيق وباعوا الآخرين عبيداً. قُيِّد زعماء البعثة البيزنطية: غورازد وكليمنضوس وناحوم وسابا وأنغيلاريوس، في السجن مع أمر بعدم السماح لهم بالتواصل مع مَن لهم. لكنّ الربّ عزّاهم وثبّتهم بالصلاة. وقد تحرّروا من قيودهم في اللحظة التي ضرب زلزال المكان. وإذ لم يشأ سفاتوبلوك أن يرعوي ويعتبر قيّدهم بسلاسل أثقل من الأولى وعرّضهم لأسوأ المعاملة. ثمّ في غضون ثلاثة أيام وقعت عجيبة مشابهة للأولى، لكن الطاغية أساء معاملتهم بالأكثر وتركهم في حبسهم مجرّحين خلواً من كل طعام. ثمّ أن جنوداً قساة أخرجوهم من السجن وطردوهم من مورافيا.
توجّه كليمنضوس وناحوم وأنغيلاريوس وسابا ناحية الدانوب أملاً في بلوغ بلغاريا. فلمّا بلغوا إحدى القرى استقبلهم رجل شهم. كانوا بالكاد قد وصلوا حين مات ابن هذا الأخير. فرفع القدّيسون الصلاة إلى الربّ الإله فقام الولد للحال. وبعدما اجتازوا الدانوب بلغوا بلغراد حيث أُعلم الحاكم بمَن يكونون فنقلهم، دون تأخير، إلى قصر القيصر بوريس الذي طالما رغب في استقبال أمثال رجال الله هؤلاء.
أكرمهم الأمير القدّيس إكراماً جزيلاً وشكر الله على وصول معترفين بالإيمان إلى وطنه. أطلعوه على كل ما جرى لهم. وخلال إقامتهم في القصر أخذ يستدعيهم ليطلعوه على عقائد الكنيسة وسِيَر القدّيسين وواجبات الأمير المسيحي. لم يمضِ على ذلك وقت طويل حتى أسند بوريس إلى كليمنضوس تبشير ما يعادل مقدونيا الغربية والبانيا الساحلية (885). وقد تمكّن قدّيس الله ومَن معه، بفضل العون الذي تلقّوه من السلطات المحلّية، من نثر البذار الإنجيلي سريعاً حتى جمعوا ثلاثة آلاف وخمسمائة تلميذ. هؤلاء علّمهم القدّيس لا الإنجيل وحسب بل الأبجدية التي اكتشفها القدّيس كيرللس أيضاً والتي أدخل عليها بعض التعديلات حتى دُعيت، فيما بعد، بالأبجدية الكيريلية. بهذه الأبجدية نقل كليمنضوس أعمالاً عديدة أتت من بيزنطية إلى اللغة السلافية ليتسنّى للكنيسة الجديدة أن تتركّز على الأسس المتينة للتقليد الرسولي. وقد سام قدّيسنا أكثر من ثلاثمائة من تلاميذه تركهم في مواطنهم ليرعوا الشعب، ترسيخاً للعمل الرسولي بينهم وسعياً إلى استئصال العادات الوثنيّة والخرافات الشائعة منهم.
فلمّا مات بوريس تبوّأ العرش ابنه سمعان (893 – 927) فأبدى غيرة مماثلة لغيرة أبيه على تبشير الشعب. وقد كان يكنّ للقدّيس كليمنضوس إكراماً كبيراً معتبراً إياه أباه الروحي، كما جعله أسقفاً لفاليتسا (أو درامبيتسا) وله سلطان على مقدونيا الغربية. أبدى قدّيسنا، كأول أسقف من أصل سلافي، غيرة على حقّ الإنجيل وضاعف جهده البشاري بين الشعب. وخلال أوقات فراغه كان يتابع عمل الترجمة الذي باشره من قبله القدّيسان كيرللس ومثوديوس، ويمضي لياليه في الصلاة. ولكي يسدّ الحاجة إلى مبشّرين، حرّر في السلافية سلسلة من المواعظ لأبرز أعياد السنة كان بإمكان الكهنة أن يقرأوها على الشعب. كما ترجم وألّف خدماً لأعياد القدّيسين وأولى إتمام الخدم الكنسية اهتماماً كبيراً، الأمر الذي ساهم أكثر من غيره في هداية الشعب وتعليمه. كذلك أسّس كليمنضوس في أوخريدا ديراً على اسم القدّيس بندلايمون وكنيسة كان يحبّ الخلود إلى الهدوء فيها. ذات يوم جاء إلى المدينة في زيارة رعائية فوقع أعميان مخلّعان عند قدميه وسألاه العون. فلمّا تأكّد له أنّه لم يكن هناك أحد موجوداً، رفع عينيه إلى السماء وللحال قام العليلان على أقدامهما معافَين.
عشرون عاماً انقضت على عمل القدّيس كليمنضوس بلغ، في نهايتها، سناً متقدّمة فالتمس من القيصر سمعان أن يعفيه من مهامه ليخصّص أيامه الأخيرة على الأرض للصلاة في دير أوخريدا. ففوجئ القيصر وأبدى أنّه لا يسعه أن يرى آخر سواه على كرسي الأسقفية، مؤثراً التنازل عن عرشه على تركه يعتزل. خضع القدّيس كليمنضوس ووعد بألاّ يستقيل. لكنّه حالما عاد إلى ديره مرض. وبعد رؤية عاين فيها القدّيسَين كيرللس ومثوديوس يعلنان له فيها عن قرب مغادرته، رتّب بيته وحرّر وصيّته وأسلم الروح بسلام في 27 تموز سنة 916 م. وقد جرى إكرامه رسولاً قدّيساً لبلغاريا، بعد ذلك بفترة قصيرة. هكذا يكون القدّيس كليمنضوس قد بشّر بلغاريا ونظّم الكنيسة فيها ووضع أساس الحضارة التي ستنتقل، فيما بعد، إلى الروسيا وبقية الشعوب السلافية.