في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*وداع عيد دخول السّيّدة العذراء والدة الإله إلى الهيكل *العظيمة في الشّهيدات كاترينا الكليّة الحكمة *العظيم في الشّهداء مركوريوس *أبونا القدّيس البارّ بطرس الأنطاكيّ (الصّامت) *القدّيسون الحكماء المئة والخمسون الشّهداء *الشّهداء زوجة الإمبراطور مكسيميانوس وبرفيريوس القائد والجنود المئتان الّذين قضوا مع القدّيسة كاترينا *الشّهيدات المئة والسّبعون *الشّهداء الرّوس الجدد ياروسلاف سافيتسكي ومَن معه.
* * *
✤ أبونا القدّيس البارّ بطرس الأنطاكيّ (الصّامت) ✤
وهو المعروف أيضاً بالقدّيس بطرس الغلاطي. من أصل غالي أوروبي. ولد وعاش أول سبع سنوات من حياته في آسيا الصغرى على شاطئ البنطس. وقد أمضى اثنتين وتسعين سنة، أي بقية حياته، في الجهاد النسكي. تمرّس بالحياة الرهبانية، أول أمره، في غلاطية. وبعدما زار الأراضي المقدّسة، جاء إلى ناحية من نواحي مدينة أنطاكية العظمى فاستقرّ في مقبرة وطيئة لا يبلغ إليها إلاّ بالسلّم. وكان للمقبرة شبه علّية وفسحة يستقبل فيها مَن كانوا يرغبون في زيارته. اعتاد أن يقضي معظم أوقاته محبوساً لا يشرب غير الماء البارد ولا يأكل غير الخبز مرة كل يومين. كان همّه أن يحفظ نفسه في عِشرة الله في الصلاة. وبعد أتعاب جزيلة منّ عليه الله بالقدرة على طرد الأرواح الشرّيرة. أتوه مرة بكاهن وثني غائب عن حواسه بفعل شيطان خبيث فصلّى عليه وردّه إلى صوابه بعدما أخرج منه الروح الغريب. هذا صار رفيقاً له، وكان اسمه دانيال. كثيرون جاؤوه من أنطاكية فيهم أرواح خبيثة فطهّرهم منها. حتى ثيابه صارت مصدر بركة وشفاء للمؤمنين على مثال الرسل القدّيسين. وقد اهتمّ بشفاء النفوس والأجساد معاً.
من حكاياته أن صبيّة جاءته مرة سائلة الشفاء من مرض في عينيها، وكانت تتحلّى بأقراط وعقود وحلّي أخرى من الذهب وثوب من الحرير المزركش. فلما رآها القدّيس على هذه الحال بدأ أولاً بشفائها من حبّ الزينة فقال لها: “قولي لي يا ابنتي، لو أنّ مصوّراً بارعاً جداً رسم صورة وفق الأصول الفنية وعرضها على مَن يرغبون في رؤيتها، ثمّ أتاه رجل ليس على دقة في هذا الباب وصار يغيّر على ذوقه، وبخفّة، في الرسم، مدعياً أنّ فيه عيباً فيطوّل الحاجبين وأهداب العينين ويزيد من البياض في الوجه ويكثر من الحمرة على الوجنتين، أفلا تظنين أنّ للفنان الأول الحقّ في أن يغضب لرؤية صنعة يديه مشوّهة بتلك الإضافات البطّالة وبيد مدّعية لا خبرة لها؟ أفلا تعتقدين أنّ صانع الأشياء كلّها وجابلها ومزيّنها من حقّه أن يغضب عندما تحسبين فعل حكمته الخارقة ناقصاً؟ وإلاّ لما استعملت هذه الألوان من أحمر وأبيض وأسود، لو لم تحسبي إضافتها تنقصك. وفي اعتبارك أنّها تنقص جسدَك تنسبين العجز للخالق، مع أنّه يتحتم عليك أن تعرفي أنّ قدرته تقاس بمشيئته… وهو المعطي الخير للجميع فلا يمنح شيئاً مضراً بأحد. لذا لا تشوّهي صورة الله ولا تحاولي أن تضيفي إليها ما لم يشأ هو بحكمته أن يمنحك إيّاه. وأنت باستعمالك هذا الجمال الباطل تنصبين الاشراك للناظرين، حتى للنساء العفيفات“. ويقال إنّ قلب الصبيّة صحا لكلام رجل الله بعد ذلك فلما برئت وعادت إلى بيتها غسلت ما كان عالقاً عليها من الدهونات وخلعت عنها كل زينة غريبة وصارت تعيش على نحو ما أشار عليها القدّيس.
وفي حادثة أخرى أنّ قوماً جاؤوه مرة بطبّاخ ممسوس فصلّى عليه ثمّ أمر الشيطان باسم الربّ يسوع أن يقول له لما استعمل نفوذه ضدّ خليقة الله فأجاب: “جرى ذلك في بعلبك حيث كان سيّد هذا الخادم مريضاً. وكانت امرأته جالسة بقربه تقوم بمعالجته. أما وصيفات سيّدة المنزل الذي كنت أنا فيه فكن يتحدثن عن سيرة رهبان أنطاكية وعمّا كان لهم من سلطان على الشيطان. وكان من طبيعة تلك الفتيات أن ينتقل بهن الحال إلى المزاح، فصرن يتظاهرن بمَن قد أصابهن مسّ من الشيطان أو الجنون. فارتدى حينئذ هذا الخادم ثوب النسّاك وأخذ يفعل كما يفعل الرهبان المتوحدون. في أثناء ذلك كنت أنا واقفاً بالقرب من الباب فلم أطق أن أسمع تلك المزايدات في الحديث عن النسّاك فأردت أن أختبر بنفسي ما كن ينسبن إلى الرهبان من قدرة. فتركت الوصيفات وشأنهن وسكنت في هذا الرجل لأرى كيف يخرجني منه أولئك النسّاك“. ولما قال الشيطان ذلك، أردف: “أما الآن فعرفت ذلك ولست بحاجة إلى تجربة أخرى. وها أنا ذا أخرج منه للحال بأمرك“.
هذه بعض أخبار القدّيس بطرس الصامت الذي أرضى الله في سيرة نقيّة إلى أن رقد بسلام في الربّ وهو في التاسعة والتسعين من عمره.