في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهداء العشرة المستشهدون في كريت *الشّهيدة فكتوريا الرّوميّة *القدّيس بولس أسقف قيصريّة الجديدة *الشّهيد شينون *القدّيس البارّ نيفون أسقف قسطنطيانا في مصر *القدّيس البارّ سرفولوس الرّوميّ *الشّهيد داود الأرمنيّ *القدّيس البارّ ناحوم الأوخريديّ الصّانع العجائب *القدّيس البارّ ثيوكتيستوس النوفغورودي.
* * *
✤ القدّيس البارّ نيفون أسقف قسطنطيانا في مصر ✤
ولد في مدينة أميروبوليس المصرية في كنف عائلة ثرية. كان والده موظفاً كبيراً في الدولة. أرسل للدارسة في القسطنطينية وهو في سن الثامنة عشرة. رغم كونه وديعاً، غيوراً على ما لله فإن عشرته السيئة في المدينة أحدرته إلى مهاوي الملذات والفجور. أنبه ضميره فلم يرعو. نصحه أصدقاؤه الطيبون فلم ينتصح. ذكروه بما كان عليه من فضيلة فلم تنفع الذكرى لأنه كان قد استحلى الخطيئة واعتاد عليها. رغم ذلك، استفاق في إحدى الليالي وفي نفسه ميل إلى الصلاة. فجأة مثلت أمام ناظريه غيمة سوداء فحجبت عنه الأفق. بات في سهاد إلى الصباح. خرج مع السحر إلى الكنيسة. وقف أمام إيقونة والدة الإله وتوسل. بدت السيدة لعينيه حنوناً. هدأت نفسه قليلاً. أدرك أنه ما زال أمامه مجال للتوبة. صار كلما أغوته الخطيئة واستسلم لها يلجأ إلى الكنيسة بسرعة وثقة ليعترف بخطيئته أمام الإيقونة. كانت الإيقونة تبدو صارمة أول أمرها ثم مبتسمة قليلاً. كان هذا كافياً له ليسترد الرجاء ويبدأ من جديد. أخذ يتردد على الكنيسة بشكل متزايد. إقباله على الكنيسة زاد من إقباله على التوبة. صار يواجه الخطيئة المستبدة به بالصوم والسهر وتقريع النفس. أحابيل الأبالسة قابلها بتحقير نفسه ودعاء اسم الرب يسوع. كلما كانت التجربة تلح عليه كان يضرب نفسه بالعصي ذاكراً الأسواء التي تنتظره في الجحيم إن هو استسلم لها. صار يقابل مكر الأبالسة بالحيلة. كان يأكل بنهم ثم يؤدي الصلاة خيراً من ذي قبل. صار يسخر من الأبالسة ويريها أنه لم يعد أسيراً لها ولا لقاعدة ثابتة في صلاته وأنه تلميذ حر للمسيح. ولا شيء في الدنيا يمنعه. من بعد، من رفع الدعاء إلى ربه.
ولكي ينجح في سعيه المبرور، كشف له روح الرب، في ليلة من الليالي، بأي سلاح يستعين علاوة على قهر الجسد، التواضع والصدقة وإدانة النفس دون الناس. ظهر له ملاك الرب وأعطاه قلباً جديداً جزاء أتعابه: القلب الخاشع المتواضع الذي تكلم عليه داود في المزمور الخمسين. من تلك الساعة، أخذ نيفون يرتقي، بثبات، سلم السماء معتبراً نفسه أسوأ الخطأة. “ويحي أنا الخاطئ!”. صار كلما دخل كنيسة من الكنائس مطأطأ الرأس تنطرح الأبالسة السوداء التي تحاول سد الطريق عليه جانباً. باتت نظرته إلى نفسه أنه أحط من الغبار العالق بأحذية الإخوة. كلما سجد أحد أمامه ملتمساً بركته كان ينحدر في ذهنه إلى أسفل أسافل الجحيم. كان يقول: “ضع نفسك دون الجميع تحيا مع المسيح”. متى أحسن إلى أحد الفقراء كان يردد كلام القداس الإلهي: “التي لك مما لك نقدمها لك على كل شيء ومن جهة كل شيء”. كل فضائله اعتاد نسبتها إلى ربه. الكل، في نظره، كان على الرجاء أن يقبله الرب الإله كما قبل الابن الشاطر تائباً إليه (لوقا15). وما خيبه العلي. مرة، كان يبكي على خطاباه. فجأة لفه نور سماوي ونزلت إليه ذراعان من السماء ضمتاه إليهما وسمع صوتاً يقول: “قدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح. لأن ابني هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد!”. فجاء ملاك وسكب على القديس طيباً لا يوصف فيما كان وجهه سابحاً بالدمع المشع. لقد حظي بنعمة التوبة وبورك.
بعدما عركته الأيام بما فيه الكفاية أهله الرب الإله للتجربة الكبرى. أباح للشيطان أن يهاجمه بأمضى سلاح له. ظهر له وجهاً لوجه وألقى عليه، على امتداد أربع سنوات، اضطراباً عميقاً جعل روحه في شواش لا حد له ولا قرار. ذهنه اكتنفته ظلمة كثيفة حتى تعذرت عليه الصلاة بتركيز. جسده وكل قوى نفسه شله الضجر. وصوت الشيطان يدعوه بلا توقف إلى نكران وجود الله. “لا وجود لله. لا وجود لله. لا وجود لله!” تمسك نيفون بمرساة الإيمان. عزم على الثبات حتى الموت. بشق النفس كان يصلي في الصباح وفي المساء. يستجمع بصعوبة قواه ليرسم على نفسه إشارة الصليب. يجيب الشيطان كل يوم: “بلى، الله موجود! بلى الله موجود! بلى الله موجود!. استمر على هذا النحو ساعة بعد ساعة. يوماً بعد يوم، أسبوعاً بعد أسبوع، سنة بعد سنة. ذاقت نفسه الجحيم. لم تأت عليه قطرة من التعزية. ولما استنفذ قواه وبلغ حدود اليأس ظهر له الرب يسوع شخصياً فأدبر الشيطان وامتلأ نيفون روحاً فأخذ ينشد على غرار والدة الإله: “تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي…” (لوقا47:1). بعد ذلك بفترة منّ عليه الرب الإله بمنّة اللاهوى التي هي قمة وإكليل جهاد الفضيلة. بدت له في رؤيا كأنها عرش الله، قائمة على قمة عمود من نار. مزروعة في عرض البحر.
بعدها عاش نيفون كملاك على الأرض. نعمة الله جعلت جسده وحواسه تتجلى حتى كان يرتفع عن الأرض أثناء الصلاة ويلتمع وجهه بالنور الإلهي التماعاً. أضحى لأهل القسطنطينية نبياً جديداً. شاهداً لرؤى جليلة وإعلانات لا توصف. بشأن الدينونة العتيدة وامتحان النفوس بعد الموت. عاين نفوس الناس تغادر أجسادها والملائكة الحارسة تلتقيها. تحدث إلى الملائكة وقارع الأبالسة. رأى، مرة، نفس أحد الخطأة وقد تاب في اللحظة الأخيرة قبل موته، فجاء ملاك الرب ودافع عنه في وجه الأبالسة المستأسدين، ثم اختطفه إلى الفردوس. لم يأل جهداً في نقل تعاليمه السماوية إلى العديد من زواره. يوبخ ويصلي من أجل هداية اليهود والوثنيين ويشفع بالمحتضرين. كرامات الناس ومجدهم كان لديه ممقوتاً أكثر من الخطيئة ومرعباً أكثر من الأبالسة. جاءه في الرقاد حلم أنه سيصير أسقفاً. قام فترك القسطنطينية إلى الإسكندرية هرباً. ولكن حدث له ما حدث ليونان النبي. هرب من وجه ربه فألفى نفسه بين يديه. جعله رئيس أساقفة الإسكندرية أسقفاً على قسطنطيانا. قبل رقاده بثلاثة أيام جاءه ميخائيل رئيس الملائكة وأنبأه بقرب رحيله. قيل أن الرب يسوع نفسه جاء إليه محاطاً بالرسل والشهداء والأنبياء وقال له” “هيا إلي، أنت يا من لبست تواضعي!” فرقد بسلام.
ملاحظة: لم يرد ذكر القديس نيفون في السنكسار اليوناني بل في مصدر مستقل. قيل أن القديس ألكسندروس، رئيس أساقفة الإسكندرية (313 -326م)، هو الذي جعله أسقفاُ وأن القديس أثناسيوس الكبير عرفه وكان معه لما رقد. في ظننا أن من يقرأ سيرته يستدل أنه عاش في زمن متأخر، لأن فيها من التفاصيل ما لا يسمح بنسبتها إلى ذلك الزمان. مثل ذلك الحديث عن القسطنطينية كمدينة عامرة، ولم تكن بعد قد تأسست. من جهة أخرى ورد، في بعض المراجع، أن نيفون تسقف على قسطنتية في جزيرة قبرص.