في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيس البارّ ثيودوروس الأشعريّ *الشّهداء فيكتور ورفقته *القدّيس الرّسول زكّا، أسقف قيصريّة *أبونا الجليل في القدّيسين أنستاسيوس الأوّل، بطريرك أنطاكية العُظمى *الشّهيد في الكهنة أنستاسيوس الثّاني بطريرك مدينة الله *أبونا الجليل في القدّيسين غريغوريوس الأوّل بطريرك أنطاكية *القدّيس البارّ أنستاسيوس، رئيس دير سيناء *أبونا الجليل في القدّيسين ثيوتيموس الأوّل الإسكيثيّ *القدّيس البارّ يوحنّا اللّافرا القديمة *القدّيسان البارّان أثناسيوس ويواصاف الميتيورا *القدّيس البارّ ألكسندر أوشفنسك الرّوسيّ *الشّهيد الصّغير غفرائيل زابلودوف البولنديّ.
* * *
✤ القدّيسان البارّان أثناسيوس ويواصاف الميتيورا ✤
وُلد أثناسيوس في هيباتيا في كنف عائلة يبدو أنها كانت نبيلة وميسورة. تيتّم وربّاه عمّه. اضطرته التغيّرات العسكرية إلى هجران مسقط رأسه والفرار مع عمّه إلى تسالونيكيا. كان يرغب في العلم رغبة شديدة لكن الشحّ في الموارد ألزم الصبي أندرونيكوس – وهذا كان اسمه في المعمودية – بمتابعة دروس الأدب الكلاسيكي والفلسفة من خلال شبّاك معلّمي المدينة المشهورين الذي وقف به بثبات ومثابرة. حميّته كثيراً ما كانت تحرّك المعلّمين فيقبلونه من دون أجر يسدّده لهم.
زار الجبل المقدّس (آثوس) فتأثّر، بعمق، بالفلسفة الحقّانية التي طالعته هناك من خلال أحاديثه إلى الآباء الروحيين. لكن لم يسمح له بالإقامة في الجبل بسبب صغر سنّه. إثر ذلك أخذ طريق البحر إلى مدينة القسطنطينية حيث زار الكنائس الكبرى متبرّكاً وتعرّف إلى مشاهير القوم كمثل القدّيس غريغوريوس السينائي (6 نيسان) والقدّيس إيزيدوروس، البطريرك العتيد (1347-1349) وكلاهما ثبّته في قصده أن يقتبل الحياة الملائكية. وإذ قدم إلى كريت شرع في ممارسة الحياة النسكية. لكنه لما لاحظ إعجاب حُماته هناك به وما قد يفضي ذلك لجهة الوقوع في فخاخ العدو، قرّر العودة إلى آثوس. وما إن وصل حتى توّجه، لتوّه، إلى إسقيط ماغولا، أحد مواقع الهدوئية المرموقة. هناك نصحه تلامذة القدّيس غريغوريوس السينائي، بالدخول في طاعة شيخين متقدّمين في الفضيلة، موسى وغريغوريوس اللذين أقاما في مكان مرتفع بارد يُدعى ميلايا. كان أندرونيكوس في سنّ الثلاثين لما لبس الثوب الرهباني واتّخذ اسم أثناسيوس واندرج في خدمة الشيخين في كل حاجاتهما، بتواضع قلب، دونما تذمّر، نظير دابة غير حاسب حساباً لقسوة المناخ أو حدود الطبيعة.
غير أن غارات القراصنة الترك أجبرت محبّي الهدوئية على هجران قلايتهم فتحوّل موسى إلى دير الإيفيرون، وغريغوريوس وأثناسيوس وتلميذ آخر إلى بيريا. لكن الخلطة بالعامة هناك شكّلت عقبة دون رغبتهم في العزلة، فوجّهوا طرفهم صوب تسّاليا بناء لنصيحة تلقّوها من أحد الرهبان. وهكذا نزلوا بجوار مدينة كالمباكا حيث تنتصب على ارتفاع ثلاثمائة متر صخور مهيبة موحشة يبدو كأن الله اصطفاها موقعاً مثالياً للحياة الرهبانية. استقرّوا هناك على صخرة تُعرف باسم “الصمود”، حيث سبق لقوم أن نحتوا فيها كنيسة جعلوها لرؤساء الملائكة.
وجود النسّاك هناك ما لبث أن اجتذب عدداّ كبيراً من المؤمنين العطاش إلى النصح الروحي وبعضهم صار راهباً. بإزاء الحالة المستجدّة هذه أستأذن أثناسيوس معلّمه وصار يعتزل خمسة أيام في الأسبوع ليكون إلى ربّه من غير ما يلهيه. وقد أقام في تجويف في الصخر مثابراً على الصلاة المتواترة يغزل الصوف ليرد عن نفسه تجربة الضجر. كان يردّد في كل حين: اصح يا نفسي لتخلصي وأنت، يا جسدي، اشتغل لتأكل. المثابرة على السهر أتاحت له أن يقوى، بنعمة الله، على طغيان النوم. وكان يحدث له، أحياناً، لما كانت تأخذ الصلاة بمجامع قلبه، أن يدخل في انخطاف عجيب. هذا لم يكن ليخبر أحداً من تلامذته البتّة. وذات ليلة عاين غريغوريوس الأبالسة تنقضّ على عرين أثناسيوس لتلقيه في الفضاء. لهذا ألزمه بالعودة إلى الحياة المشتركة. وإذ أزعج أثناسيوس الضجيج المتأتي من قرب المكان من المدينة تحوّل إلى موضع أكثر هدوءاً، إلى أدنى، وصار لا ينضمّ إلى الآخرين إلا ليشترك وإيّاهم في سهرانة الأحد، هناك، أيضاً، لم ينعم بالهدوء الكافي لأن لصوصاً جاؤوا ونهبوا منسكه الفقير. لذلك طلب من شيخه أن يسمح له باللجوء إلى صخرة تطلّ على سواها من الصخور يمتدّ على قمّتها سفح ملائم لإقامة الرهبان. وإذ كان غريغوريوس يرغب في تولّي أثناسيوس للإخوة من بعده تردّد، بادئ ذي بدء، لكنه، أخيراً، أعطى البركة شرط أن يرافق أثناسيوس آخرون من الإخوة. وهكذا استقرّ أثناسيوس ومَن معه على الصخرة التي أسموها “ميتيورا” في مغارتين حوّلوا إحداها إلى كنيسة مكرّسة لوالدة الإله.
بعد عشر سنوات من إقامة الجماعة على “العمود”، أضنت ضغوط السلطات المحليّة غريغوريوس فقرّر العودة إلى موطنه بيزنطة. وهناك رقد بسلام بعدما ساهم في بناء أتقياء المدينة بفضائله. أما أثناسيوس، إثر ذلك، فسمّى لأخويّة “العمود” رئيساً ولمّا يقبل لديه في الميتيورا سوى أربعة عشر راهباً قادرين على السلوك في سيرة أكثر شظفاً. لكنه ما لبث أن أدرك أن العديد من هؤلاء النسّاك أضعف من أن يكتفوا بنصيب مريم، لجهة الصلاة والتأمّل، فنظم لهم أخوية شركوية على نمط أديرة آثوس ووفق تيبيكونها. كما بنى لهم كنيسة جعلها لذكرى التجلّي. كذلك رتّب لهم أن يحيوا في وحدة، بإرادة واحدة، وأن يتقاسموا الطعام عينه والأثواب ذاتها، وأن يتخلّوا عن كل قنية شخصية، حتى لو كانت إبرة، وأن يجتمعوا كلّهم في الكنيسة لإتمام الفرائض اليومية فيها.
هذه الأخويّة المنظّمة على أسس مستقرّة لتقليد الآباء القدّيسين اجتذبت عدداً متزايداً من طلاب الحياة الرهبانية، لا فقط من صفوف عامة المؤمنين، بل من بين رهبان تركوا مناسكهم في آثوس، أيضاً، وجاؤوا يضعون أنفسهم في عهدة القدّيس أثناسيوس. وكان هو يعلّمهم فنّ الفنون ويستعين بموهبة التبصّر التي حباه بها ربّه ليرشدهم على درب الخلاص. كذلك أخذ قدّيسنا من ربّه موهبة النبوءة، وقد تنبّأ، في هذا الإطار، برقاد والدة القدّيس يواصاف، وكذلك بحصار الأتراك الفاشل لتسالونيكية، قبل حدوثه بثلاث سنوات (1372م). ولما كان ضنيناً بهدوئه فقد أقام تلميذه غريغوريوس مدبِّراً لعاديات الأمور في الدير. لما بلغ أثناسيوس الثامنة والسبعين مرض وتنبّأ بقرب رحيله. كما عيّن الراهب الأمير يواصاف خلفاً له. وبعد أربعين يوماً في المرض التحق بجوق الآباء القدّيسين سنة 1380م. غير أن عنايته بقطعان المسيح هناك لم تتوقّف فإنه بقي ساهراً على أديرة تلك البريّة عبر القرون.
طروباريّة القدّيس البارّ أثناسيوس الميتيورا (باللّحن الثّامن)
لِلبَرِيَّةِ غَيْرِ الـمُثْمِرَةِ بِمَجارِي دُمُوعِكَ أَمْرَعْتَ. وبِالتَّنَهُّداتِ التي مِنَ الأَعْماق أَثْمَرْتَ بِأَتْعابِكَ إِلى مِئَةِ ضِعْفٍ. فَصِرْتَ كَوكَباً لِلمَسْكونَةِ مُتَلأْلِئاً بِالعَجائِب. يا أَبانا البارَّ أثناسيوس فَتَشَفَّعْ إِلى المَسِيحِ الإِلَهِ أَنْ يُخَلِّصَ نُفُوسَن