في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*العظيمة في الشّهيدات أوفيمية الكلّيّة المديح *القدّيس البارّ دوروثيوس *الشّهيدة ميتيلين *الشّهيدة لودميللا التّشيكيّة *أبونا الجليل في القدّيسين كبريانوس متروبوليت كييف *القدّيس البارّ بروكوبيوس التّشيكيّ *الشّهيدان يوسف وإسحق الجيورجيّان *الشّهيد كورنيليوس الرّوميّ *الجديد في الشّهداء الرّوس غريغوري رايفسكي *القدّيس البارّ كوكشا فاليتشكو أوديسّا *الشّهيد في رؤساء الكهنة مشرق (كبريانوس) القرطاجيّ.
* * *
✤ الشّهيد في رؤساء الكهنة مشرق (كبريانوس) القرطاجيّ ✤
هو أحد كبار آباء الكنيسة اللاتينية. لم يرد ذكره في الروزنامة الأرثوذكسية لأنّ التباساً حصل بشأنه منذ القرن الرابع. فلقد ظُنّ أنّه والقدّيس الشهيد في الكهنة كبريانوس الأنطاكي واحد. وهذا الأخير تعيّد له الكنيسة في الثاني من شهر تشرين الأول.
أما القدّيس كبريانوس القرطاجي فتعيّد له الكنيسة اللاتينية في هذا اليوم – السادس عشر من أيلول – ولهذا نثبت سيرته ههنا.
ولد القدّيس كبريانوس في قرطاجة من أبوين وثنيّين، بين العامين 200 و 210 للميلاد. وقد تسنّى له أن يتعاطى الدراسة فصار خطيباً. مواهبه وفضائله كانت عديدة. اهتدى إلى المسيح واعتمد على يد الكاهن كاسليان. إثر ذلك وزّع أمواله على الفقراء وطلب العزلة ليتفرّغ للصلاة والتأمل في الكتاب المقدّس وكتابات المعلّمين المسيحيّين، أمثال ترتوليانوس الذي حسبه معلّماً. نودي به من الشعب أسقفاً على قرطاجة في العام 248 – 249م. لم يعترض سوى بعض الكهنة الذين قالوا إنّه حديث العهد بالمسيحيّة. يومها لم يكن قد مرّ على انضمامه إلى الكنيسة غير ثلاث أو أربع سنوات.
بعد انتخابه بمدّة قصيرة، شنّ الأمبراطور داكيوس حملة شرسة على المسيحيّين (250)، وطالب الوثنيون القرطاجيون، انتقاماً، بإلقاء كبريانوس للأسود. لكن الأسقف رأى من المناسب، آنذاك، أن يتوارى عن الأنظار ففرّ بصحبة عدد من المسيحيّين، واختبأ في جوار المدينة ما يقرب من سنة كاملة، حافظ خلالها على صِلاته بقطيعه. وقد استغلّ حسّاد كبريانوس الأمر فندّدوا به وشيّعوا أنّه هرب جبناً غير عابئ برعيّته، فنالوا من سمعته وسببوا له متاعب كثيرة.
من جهة أخرى، برزت أثناء الاضطهاد مشكلة جديدة كانت سبباً في نزاعات خطيرة تفاقمت بعدما هدأت الأحوال. فلقد عمد العديد من المؤمنين، هرباً من التعذيب والاستشهاد، إلى تقديم الذبائح للأوثان أو اكتفوا بتوقيع شهادات تؤكّد أنّه سبق لهم أن ضحّوا. ولما هدأت موجة الاضطهاد، جاء هؤلاء “الساقطون” يعترفون بما اقترفوه طالبين المصالحة والعودة إلى الكنيسة. وقد أثار وضعهم ردود فعل مختلفة متضاربة هدّدت الكنيسة بالتمزّق. فبعض المعترفين دعا إلى قبول “الساقطين” على الفور، فيما اعتبر القدّيس كبريانوس أنّه يتعيّن فرض توبة صارمة عليهم، دون حرمانهم الرجاء، وأن تكون فترة التوبة طويلة الأمد، تمتد، في بعض الحالات، مدى الحياة، لا سيما لمن ارتضوا أن يقرّبوا الذبائح طوعاً ولم يكونوا مكرهين على ذلك. على أنّ القدّيس كبريانوس أخذ في الاعتبار أنّه في حال اندلعت موجة الاضطهاد من جديد، فإنّه يمكن اقتبال هؤلاء في حضن الكنيسة بواسطة سرّ الشكر، حتى يتعزّوا ويتشدّدوا في مواجهة المعارك الجديدة. وهكذا بدأت حقبة مؤلمة من الصراع بين كبريانوس ومناهضيه. فبرزت، على الساحة، ثلاثة أحزاب، أولها الحزب الذي ناصر القدّيس كبريانوس، والثاني، بزعامة فيليسيسيموس، قال بالمصالحة الفورية للساقطين واختار الكهنة المنضمّون إليه واحداً منهم – فورتوناتوس – فأقاموه أسقفاً. وسارت الأمور إلى مزيد من التعقيد بعدما انشقّ الكرسي الرسولي في رومية على نفسه وبرز فيه فريقان كان لكل منهما أسقفه: نوفاسيان وكورنيليوس. ولما كان كورنيليوس قد ناصر كبريانوس فقد هبّ نوفاتيوس، وهو الذي قاد الحزب الثاني في قرطاجة، ووقف بجانب نوفاسيان، رغم أنّ هذا الأخير قال بعدم جواز التنازلات للساقطين. أما الحزب الثالث فرفض كل مصالحة للساقطين مع الكنيسة، وكان بزعامة مكسيموس المونتاني الذي أعلن نفسه، هو الآخر، أسقفاً على قرطاجة.
واستمر حال قرطاجة ممزّقة، بثلاثة أساقفة وصراعات لا قرار لها، ردحاً من الزمن إلى أن جاء الطاعون بين العامين 253 و 254 م، فوضع للانشقاق حداً. ولكن، ثارت على الكنيسة موجة اضطهاد جديدة. فكان لكبريانوس، هذه المرة، غير موقف إذ انصبّ اهتمامه على المرضى وتعزية مَن فقدوا أحبّاء بالطاعون وتشديد المؤمنين ليَثبتوا ويواجهوا بصبر وشجاعة ورجاء الحملة الجديدة ضدّهم.
وما لبث السلام أن عاد فدعا كبريانوس إلى ثلاثة مجامع في قرطاجة بين العامين 255 و 256 م ليضع حداً للمشكلات الداخلية في كنيسته، لا سيما مسألة مصالحة الهراطقة. هنا دخل كبريانوس في صراع مع البابا استفانوس. ففيما كان موقف رومية أنّ الهراطقة يقبلون في حضن الكنيسة، بعد التوبة، بوضع الأيدي، أصرّ كبريانوس على إعادة معموديتهم، تبعاً للتقليد المتبع في كنيسة افريقيا وكنائس الشرق، لا سيما تقليد القدّيس فيرميليانوس القيصري. على أنّ كبريانوس، بخلاف أسقف رومية، فرض هذا التدبير على الهراطقة الذين ينتمون إلى تقليد غير تقليد كنيسة افريقيا. ورغم مساعي المصالحة التي بذلها الأسقف ديونيسيوس الإسكندري لتقريب وجهات النظر بين الفريقين، فإنّ العلاقات الكنسية بين روما وكنيسة افريقيا انقطعت، وظلّت كذلك إلى وفاة البابا استفانوس.