في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيس الرّسول يعقوب بن حلفى *القدّيسان الزَّوجان البارّان مظفّر (أندرونيكوس) وخالدة (أثناسيا) الأنطاكيّان *الشّهيد في الكهنة دوروثيوس الصّوري *الـمُعترفة القدّيسة البارّة بوبليا الأنطاكيّة *القدّيس البارّ بطرس الجنديّ *القدّيسان الصدّيقان إبراهيم أبو المؤمنين وابن أخيه لوط *أبونا الجليل في القدّيسين ديونيسيوس أوّل أسقف لباريس ورفيقاه روستيكوس وألفثاريوس *الجديد في الشّهداء يوحنّا بروسيا *القدّيس الأمير الصّربي استفانوس الأعمى *الجديدان في الشّهداء الرّوس بطرس فياتكين وقسطنطين أكسينوف.
* * *
✤ القدّيسان الزَّوجان البارّان مظفّر (أندرونيكوس) وخالدة (أثناسيا) الأنطاكيّان ✤
عاش مظفّر (أندرونيكوس) وخالدة (أثناسيا) في مدينة أنطاكية، البعض يقول في القرن الرابع والبعض في القرن السادس. كان أندرونيكوس صائغاً ناجحاً، وقد توفّرت له ولزوجته كل أسباب العيش الرغد. كانا تقيّين سالكَين في الفضيلة، شديدَي العطف على فقراء الربّ. وقد قسما ثروتهما الطائلة ثلاثة أقسام متساوية: الأول جعلاه للفقراء في شكل عطاءات مجّانية، والثاني قروضاً دون فائدة، والثالث لصناعتهما ومعيشتهما. وقد بارك الله مسعاهما فأضحى مظفّر من كبار رجال المال في أنطاكية.
كان لهما ولدان، صبياً وبنتاً، فربّياهما خير تربية على محبّة المسيح. وبعدما منّ عليهما الربّ بثمرة البطن اكتفيا وعاشا في العفاف. وقد استمرا على هذا النحو اثني عشر عاماً إلى أن جاء يوم فقدا فيه ولديهما دَفعة واحدة.
كانت الصدمة كبيرة. فأما مظفّر فتصبّر، وكان يتعزّى بكلمات أيوب: “الربّ أعطى والربّ أخذ فليكن اسم الربّ مبارَكاً“. أما خالدة فأبت، كراحيل، أن تتعزّى، لأنّ ولديها ليسا بعد بموجودين. وما كان منها إلاّ أن جلست عند القبر في كنيسة القدّيس يوليانوس تنوح وتبكي وتردد: “هنا، أيضاً، ينبغي لي أن أموت وأُدفَن بجانب ولديّ“. فجاء إليها أسقف المدينة معزّياً فلم تتعزّ.
ثمّ أنّ القدّيس يوليانوس ظهر لها بنفسه، في تلك الليلة، وكان في هيئة راهب، فقال لها: “ما بالك يا بنيّتي، ولماذا أنت حزينة جداً؟!” فنظرت إليه وتهيّبته، ثمّ اندفعت تقول له متنهّدة: “كيف لا أحزن يا أبانا وقد دفنت ولديّ هنا؟!” فقال لها إنّ ولديها في ملكوت السموات وأنّهما أفضل حالاً، بما لا يقاس، مما كانا على الأرض. فأشرق وجهها وتعزّى قلبها، وتحوّلت دموع الحزن في عينيها إلى دموع فرح، فشرعت تشكر الله. وإذ حوّلت وجهها من جديد إلى حيث كان الراهب واقفاً لم تجده. فأسرعت إلى الباب تبحث عنه فلم تقف له على أثر. كان قد اختفى كما جاء.
وكان هذا الحادث إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في حياة الزوجَين مظفّر (أندرونيكوس) وخالدة (أثناسيا). فلقد زهدا في الحياة الدنيا وعزما على اقتبال الحياة الرهبانية. فقاما يوزّعان ما بقي من ثروتهما على الفقراء، ثمّ انطلقا إلى الأماكن المقدّسة للزيارة والتبرّك، كما جرت العادة في ذلك الزمان. ومن هناك انحدرا إلى بلاد مصر، قاصدَين الأنبا دانيال الذي كانا قد سمعا عنه الكثير. فأرسل الأنبا دانيال أثناسيا إلى دير للعذارى في تبنّيسي وأبقى أندرونيكوس عنده في الإسقيط. وهكذا بدأ الزوجان، كل على حدة، جهاداً مبارَكاً في مراقي حياة التوحّد. وقد دام سعيهما في هذه المرحلة، أيضاً، اثني عشر عاماً بلغا بعدها قامة روحية سامية.
وتشاء العناية الإلهية أن يستأذن أندرونيكوس أباه الروحي يوماً لزيارة الأماكن المقدّسة. وفي الوقت عينه خرجت أثناسيا من ديرها للغاية عينها. ولما أرادت أن تصرف عنها الأنظار لأنّه لا يوافق أن تسافر امرأة وحدها، تزيّت بزيّ الرجال واتّخذت لنفسها اسم أثناسيوس. وفي الطريق التقيا، فعرفته ولم يعرفها لأنّ لون بشرتها كان قد اسودّ وأضحت نحيلة القدّ. فتبادل الراهبان بعض الكلمات، ثمّ قرّرا السير معاً شرط المحافظة على قانون الصمت أثناء الطريق. وفي الطريق خرجت أثناسيا عن صمتها واقترحت على أندرونيكوس أن يشتركا معاً في حياة القلاّية في إحدى نواحي مدينة الإسكندرية. فذهب أندرونيكوس إلى أبيه دانيال وعرض عليه الأمر بعدما أطلعه على لقائه بالراهب أثناسيوس ونظام الصمت الذي حفظاه طوال الطريق، فأعطاه الأنبا دانيال البركة.
وهكذا عاش مظفّر وخالدة معاً، من جديد، لا كزوجَين بل كراهبَين مجدَّين، مدة اثني عشر عاماً كان كل واحد منهما للآخر خلالها بمثابة الملاك الحارس يرشد رفيقه ويشدِّده ويعزّيه. وكان الأنبا دانيال يفتقدهما بين الحين والحين ويزوّدهما بنصائحه.
وحدث أن زار الأنبا دانيال مرة هذين المناضلَين. فبعدما أمضى معهما بضعة أيام انصرف عائداً إلى قلاّيته. وما كاد ينصرف حتى حضرت أثناسيوس ساعةُ الوفاة، فأسرع أندرونيكوس إلى الأنبا دانيال فأدركه في الطريق، فعاد بسرعة وأخذ يشجّع الراهب أثناسيوس ثمّ ناوله القدسات. فأشارت أثناسيا إلى رسالة تحت وسادتها طلبت من الأنبا دانيال أن يقرأها بعد موتها. ثمّ بعدما رأت أنّ كل شيء قد تمّ أسلمت الروح. فأخذ الأنبا دانيال الرسالة وفضّها وقرأها فاكتشف أن الراهب أثناسيوس هو امرأة لا رجل واكتشف أيضاً أنّ أثناسيا هي زوجة أندرونيكوس.
ودعا الأنبا دانيال كل رهبان تلك الأنحاء فجاؤوا ومجّدوا الله على الصبر العجيب الذي كان لهذه الأمَة البارّة وعظّموا روح الشهادة الذي فعل فيها إلى المنتهى. فلبسوا كلّهم الأبيض وحملوا سَعَف النخل علامة الظفر والغلبة وساروا بهذه الأخت المجاهدة إلى حيث واروها الثرى.
أما مظفّر (أندرونيكوس) فكان أوهن من أن يحتمل الصدمة فوقع مريضاً، ومات بعد ذلك بثمانية أيام، وانضمّ إلى رفيقة حياته في الأخدار العلوية.