في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيس موسى النّبيّ *الشّهيد مُنير (بابيلا) المعلّم الأنطاكيّ الأصل والفتية الـ 84 الّذين معه *الشّهيدان مرسيل (مركلّوس) وكاسيان (كاسيانوس) *القدّيسة النّبيّة أدما (هرميون) واللّذان معها ثيوتيموس وعبد الله (ثيوذولس) *القدّيستان الشّهيدتان نعيمة (خاريتيني) وفرحة (أوتيخي) *الشَّهيد سبيل (سابيلوس) *الشُّهداء أوقيانوس وسنتوريون ونعمة الله (ثيودوروس) وأميانوس ويوليانوس *القدّيس البارّ مزهر (أنثيموس) الأعمى *الجديد في الشُّهداء برثانيوس الرُّوسيّ *الشّهداء الرُّوس استفانوس كوسكوف مع الكهنة وعامّة المؤمنين.
* * *
✤ الشّهيد مُنير ( بابيلا) المعلّم الأنطاكيّ الأصل والفتية الـ 84 الّذين معه ✤
جاء في كتاب “تاريخ الكنيسة” لأفسافيوس القيصري (+ 340) ما يلي: “يفيد بعض المصادر أنّ الأمبراطور الروماني فيليبس، لما كان مسيحياً، رغب ليلة الفصح، أن يشترك مع الجموع في صلوات الكنيسة، فمنعه الأسقف بسبب كثرة الجرائم التي ارتكبها ما لم يدل، أولاً، باعتراف صريح بخطاياه ويدخل في عداد التائبين. فما كان من الأمبراطور سوى أن أذعن للحال…” (تاريخ الكنيسة – الكتاب السادس – الفصل 34).
هذا الأسقف الشجاع الذي تحدّث عنه أفسافيوس والذي صار مضرب المثل، على مرّ العصور، هو القدّيس بابيلا.
لا نعرف الكثير عن بابيلا. ولعلّه تبوأ عرش أسقفية أنطاكية في العام 237 خلفاً لزابينوس، فأضحى الأسقف الثاني عشر على المدينة العظمى بعد القدّيس بطرس الرسول. ويقال إنّ أسقفيته امتدّت ثلاثة عشر عاماً، أيام الأباطرة الرومان غورديانوس وفيليبس العربي وداكيوس.
فأما فيليبس فكان من بلاد حوران، من قرية قريبة من مدينة بصرى اسمها اليوم شهبا. ويبدو – حسبما يشير بعض المصادر القديمة – أنّه كان وزوجته سفيرة مسيحيّين. لكن هذا لم يكن بحال دليلاً على سيرة طيبة سارها في حياته، لأنّ فيليبس كان عسكرياً وصولياً لا يتورّع عن القتل والتآمر لينال مبتغاه. وينقل عنه أنّه دسّ السمّ لعم غورديانوس قيصر ليأخذ مكانه في الحكم، ثمّ ضغط على غورديانوس فأعطاه لقب قيصر. وإذ خشي غورديانوس جانبه أعطاه ابنه الصغير عربون وحدة وسلام بينهما. لكن فيليبس ما لبث أن فتك بغورديانوس وقتل الصبي وانتزع العرش. ويبدو أنّ أخبار جرائمه كانت على كل شفة ولسان. وهذا ما حدا بالأسقف بابيلا إلى الوقوف في وجهه ومنعه من دخول الكنيسة ما لم يعترف بخطاياه ويتب عنها.
وقد ذكر بابيلا عدد من آباء الكنيسة بإكبار عظيم، لا سيما القدّيس يوحنّا الذهبي الفم الذي قال عنه إنّه كان رجلاً عظيماً وعجيباً. وقد قال عنه أيضاً: “هل هناك إنسان في العالم كان يمكن لبابيلا أن يخشاه، بعدما وقف في وجه الأمبراطور بمثل هذا السلطان؟ لقد لقّن الملوك، بذلك، درساً أن لا يحاولوا بسط سلطانهم إلى أبعد من القدر المسموح به من الله، كما أعطى رجال الكنيسة مثلاً كيف ينبغي أن يستعملوا السلطان المعطى لهم”.
أما استشهاد بابيلا فيظنّ أنّه كان هكذا: في العام 249 للميلاد فتك داكيوس بفيليبس قيصر. ثمّ في العام 250 باشر حملة اضطهاد للمسيحيّين، فقبض جنوده على بابيلا وطرحوه في السجن حيث قضى، نتيجة المعاملة السيئة التي لاقاها. ويقال إنّ بابيلا طلب قبل موته أن تلقى السلاسل معه في القبر لأنّه اعتبرها أداة لانتصاره. وقد بنى المسيحيّون كنيسة فوق ضريحه.
وإلى جانب بابيلا يذكر التقليد استشهاد ثلاثة أولاد إخوة كان لهم بمثابة أب: أوربانوس (12 سنة) وبرلدان (بريليديانوس) (9 سنوات) وهيبولينوس (7 سنوات) وأمّهم أمة الله (ثيوذولا).
وبعد استشهاد بابيلا بحوالي مئة عام، وبالتدقيق في السنة 351، كان غالوس قيصر، شقيق يوليانوس الجاحد، مقيماً في أنطاكية، وهو أمير تقي ورع يكرم القدّيسين الشهداء على نحو مميّز. هذا أقلقه أن في “دفني“، وهي ضاحية من ضواحي أنطاكية، هيكلاً وثنياً فيه تمثال لأبولون شاع بين الناس أنّه يتنبأ بالمستقبلات، وأحدث بلبالاً، لا سيما بين المؤمنين، ليس بقليل. وإذ رغب غالوس قيصر في تطهير تلك الناحية من أعمال الشيطان وممارسات اللهو والفجور، أقام، مقابل هيكل أبولونª، كنيسة نقل إليها رفات القدّيس بابيلا. وللحال خرس شيطان التمثال ولم يعد يُسمع له صوت، واختشى الناس واستشعروا.
وبقيت الحال على هذا النحو إلى أن جاء يوليانوس الجاحد إلى أنطاكية في العام 362 راغباً في كلمة نبوءة بشأن حربه ضد الفرس. وإذ وجد تمثال أبولون صامتاً، قام بذبح مئات الحيوانات وتقديمها على مذبح الوثن راجياً أبولون أن يعود إلى سابق نبوءاته، أو على الأقل، أن يقول لماذا توقّف عن الكلام. فلم يشأ الشيطان أن يذكر رفات القدّيس بابيلا بالاسم، بل اكتفى بالقول إنّ في “دفني” جثثاً كثيرة ينبغي إبعادها أولاً حتى يعود “أبولون” إلى الكلام. ففهم يوليانوس أنّ المقصود هو القدّيس بابيلا، في الجوار. فأمر المسيحيّين أن يخرجوا رفات القدّيس من المكان. وما إن فعلوا حتى ضربت صاعقة الهيكل الوثني فأضرمت فيه النيران. ثمّ تبعت الصاعقة هزّة أرضية دكّت ما تبقى من الجدران فأحالتها كومة من الحجارة.
ملاحظة
تعيّد الكنيسة المارونية للقدّيس بابيلا في نفس هذا اليوم، فيما تعيّد له الكنيسة اللاتينية في 24 كانون الثاني. يذكر أنّ رفات القدّيس بابيلا اختلسها الصليبيون من أنطاكية ونقلوها إلى الغرب، وهي موجودة حالياً، فيما يظنّ، في كريمونا الإيطالية. وقد اتّخذ عدد من كنائس الغرب في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا القدّيس بابيلا شفيعاً لهم.
ª – مجمّع أبولون الوثني في دفني كان معثرة كبيرة للمؤمنين. الهيكل نفسه كان فسيح الأرجاء فخماً يخلب الألباب. جدرانه كانت من المرمر اللمّاع وسقفه من خشب السرو. وكان تمثال الإله ضخماً مغشّى بالذهب ومرصعاً بالحجارة الكريمة. المكان كله كان حديقة غنّاء مكرّسة لإشباع لذائذ العباد تحت ستار إكرام الإله: حمامات ومياه دفّاقة وعطر الأزاهير وظلال السرو الكثيف والمماشي والأعمدة، عدا طبعاً المآكل والنساء والموسيقى.