في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*ميلاد القدّيس الصّابِغ الـمَجيد يوحنّا السّابِق *القدّيسان البارّان زكريّا وأليصابات *الجديد في الشّهداء بنايوتيس القيصريّ *القدّيس البارّ أنطونيوس دِيمْسْك *القدّيسان البارّان يعقوب ويوحنّا مينيوغا *القدّيس البارّ أثناسيوس باروس *شهداء رومية في زمن نيرون *الشّهيدة ألينا البلجيكيّة *الشّهداء أغوار وأغيلبير ورفاقهما.
* * *
✤ القدّيس البارّ أثناسيوس باروس ✤
من والدين تقّيين في جزيرة باروس. تلقى تعليمه الابتدائي في وطنه وفي مدارس أخرى في الجزيرة. التحق بالمدرسة الإنجيلية في أزمير. بقي فيها ستّ سنوات. من هناك انتقل إلى مدرسة الجبل المقدس. الغرض من إنشاء هذه المدرسة، في الأساس، هناك، كان ربط التعليم المعجمي بالتقليد الأرثوذكسي كما بقي محفوظاً، باستقامة، في الجبل المقدس. وبفضل العالمين الكبيرين كافسوكاليفا وأفجانيوس بولغاريس، أشبع أثناسيوس نهمه من المعارف. أجاد في كل الميادين، لاسيما في دراسة الكتاب المقدس والوعظ. جُعل أستاذاً سنة 1757 وتخطّى صيتُه، سريعاً، حدود جبل آثوس فأُسندت إليه إدارة مدرسة تسالونيكية. استبان لامعاً لا في تعليمه وحسب بل في عظاته أيضاً التي تردد فيها الإيمان والثقة بالله مما جعل الشعب يتعلّق به. إلاّ أنّ وباء الطاعون تفشّى هناك فأدّى إلى أقفال المدرسة، فانتقل أثناسيوس إلى كورفو حيث عاد تلميذاً يروم استكمال معارفه في الفلسفة والفيزياء والبيان على نيقيفوروس ثيوتوكيس الذي كان أحد رجالات الكنيسة الأكثر ثقافة في زمانه. دُعي، فيما بعد، إلى ميسولونغيون ليعلم في المدرسة التي أنشأها زميله في الدراسة وصديقه بنايوتيس بالاماس فساهم مساهمة جدّية في إنماء هذه المدرسة التي بقي نجمها متلألئاً حتى الثورة في العام 1821م.
في العام 1771 عُين مديراً لمدرسة جبل آثوس فأمّن على مدى ستة أعوام خلافة أفجانيوس بولغاريس. سيم كاهناً رغم مقاومته اتّضاعاً. كان القدّيس مكاريوس الكورنثي المقيم في آثوس مَن سامه. ساهم مع القديس نيقوديموس في استعادة ونشر ينابيع الروحانية الأرثوذكسية مما روّج له الأسقف القدّيس وسُمّي عن حقّ “النهضة الفيلوكالية”. والفيلوكالية كتابات للآباء الروحيين في الكنيسة الأرثوذكسية تمتدّ، بخاصة، بين القرن الرابع والخامس عشر. كان أثناسيوس بين الذين دافعوا عن تراث الكنيسة وتصدوا للمتجددين في صفوف الأرثوذكسيين الذين تسللت إليهم الروح الدهرية. بنتيجة ذلك عانى ومن معه الإطاحة والنفي، لكنهم لم يتوقفوا عن الاعتراف بالإيمان والتقاليد المسلمة من الآباء القديسين. وقد أضحى نفيهم، بعناية العلي، فرصة لحركة عميقة من التجدد الروحي في تساليا وفي الأبيروس وفي البليوبونيز وخاصة في جزر البحر الإيجي.
بعدما أُطيح بالقديس أثناسيوس، كتب دفاعية نابضة بالحياة كانت مقنعة لدرجة أنه بُرئ. ثم بعد فترة وجيزة من إعادته إلى خدمته استدعي ليتسلم، من جديد، إدارة مدرسة تسالونيكية التي استعادت نشاطها. عُرضت عليه إدارة مدرسة بطريركية القسطنطينية وورد إمكان صيرورته أسقفاً لكنه رفض العرض رفضاً قاطعاً مبدياً أنه يؤثر سكون الحياة الرهبانية وخدمة شعب الله في وطنه. لذلك استقال وارتحل إلى باروس. ولكن فيما كانت السفينة في عرض البحر بلغ خبر اندلاع الحرب الروسية التركية، واضطرت السفينة إلى التوقف في خيوس. هناك اعتزل أثناسيوس في دير صغير منتظراً، في السكون، الوقت المناسب لمتابعة رحلته. غير أن سكّان خيوس اكتشفوا مكانه وطلبوا منه أن يتسلّم إدارة مدرستهم. ومع أنه أبدى رفضاً قاطعاً لكنهم تمكّنوا من إقناعه بتأمين تعليم البيان لديهم حتى نهاية الصراع القائم. وإذ طالت الحرب رضي أن يعطي، أيضاً، دروساً في اللاهوت العقائدي والمنطق. وقد نجح في تعليمه إلى درجة أنه لما وضعت الحرب أوزارها، تمكّن السكّان والأعيان، مدعومين من السلطات الكنسية، من إقناع رجل الله بإدارة “مدرسة خيو الفلسفية” حتى العام 1812م.
بنتيجة ذلك تدفق التلاميذ بالمئات من كل أنحاء اليونان ومصر وفلسطين وحتى أرمينيا. علّم المنطق والماورائيات واللاهوت والبيان والأخلاق مبدياً، في شخصه، بخاصة، مثال السلوك الإنجيلي الكامل. ولم يتمكن من الاعتزال في دير صغير برفقة عدد من تلاميذه إلّا بعدما بلغ شيخوخة متقدمة. إذ ذاك وجد السكون الذي طالما اشتهته نفسه. هناك وضع العديد من المؤلفات التي كملت لائحة أعماله لاسيما المقالات الدفاعية بهدف الذود عن هوية التراث الأرثوذكسي في وجه التأثيرات الغربية. وغيرة منه على التراث، اهتم، بخاصة، بنشر فكر المحافظة على شهادة الإيمان ببذل النفس. لذلك كان واحداً من الذين شجعوا، بشكل نشط، الشهداء الجدد على بذل دمهم صوناً وأمانة للإيمان القويم. وفيما كان في صدد كتابة مؤلف بعنوان: “حول الإيمان الحقيقي وما هي الفلسفة الحق” تعرّض لجلطة دماغية. وقد رقد بسلام بعد ذلك بأيام قليلة في 24 حزيران سنة 1813م. لم يوجد عنده سوى ثوب فقير رث وقنديل ومحبرة.
طروباريّة القدّيس أثناسيوس باروس (باللّحن الثّامن)
لِلبَرِيَّةِ غَيْرِ الـمُثْمِرَةِ بِمَجارِي دُمُوعِكَ أَمْرَعْتَ. وبِالتَّنَهُّداتِ التي مِنَ الأَعْماق أَثْمَرْتَ بِأَتْعابِكَ إِلى مِئَةِ ضِعْفٍ. فَصِرْتَ كَوكَباً لِلمَسْكونَةِ مُتَلأْلِئاً بِالعَجائِب. يا أَبانا البارَّ أثناسيوس فَتَشَفَّعْ إِلى المَسِيحِ الإِلَهِ أَنْ يُخَلِّصَ نُفُوسَنا.