في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهيدان غليكاريّة ولاوديكيوس *القدّيس المعترف سرجيوس (جاورجيوس) القسطنطينيّ *أبونا الجليل في القدّيسين بوسيكاكيوس أسقف سينادا *القدّيس البارّ في الكهنة نيقيفوروس *الشّهيد اسكندر السّلافيّ *القدّيسان البارّان يوحنّا وأفثيميوس الجيورجيّان مع القدّيس البارّ جاورجيوس الآثوسيّ *القدّيس البارّ غفرائيل الجيورجيّ *شهداء دير الإيفيرون الّذين سقطوا بيد اللّاتين *القدّيس البارّ أفروسينوس الجيورجيّ *القدّيس البارّ ثيوكتيستوس تقوع *القدّيسة البارّة غليكاريّة النّوفغوروديّة *القدّيس البارّ مكاريوس غلوشيتسك *شهداء الإسكندريّة *أبونا الجليل في القدّيسين أركونوالد *القدّيس البارّ مائيل وايلز *القدّيسة البارّة ميراوينّا رامسي الإنكليزيّة *أبونا الجليل ناتاليس ميلانو *القدّيس سرفاتوس البلجيكيّ *القدّيس فاليريانوس أوكسير *الجديد في الشّهداء الرُّوس باسيليوس سوكولوف *الجديد في الشّهداء الكسندر زاوزرسكي *الجديد في الشّهداء الكسندر نادزدين *الجديد في الشّهداء مكاريوس (تالاجين) *الجديد في الشّهداء سرجيوس تيخوميروف *الشّهداء الرّوس الجدد المائة والثّلاثة في شيركاسي.
* * *
✤ القدّيسان البارّان يوحنّا وأفثيميوس الجيورجيّان مع القدّيس البارّ جاورجيوس الآثوسيّ ✤
كان يوحنا أحد نبلاء قصر الأمير داود كوروبالات، أمير جيورجيا الغربية، وكان ينعم بالحظوة لديه لحكمته وبسالته. تحرق لمحبة المسيح فهجر مجد العالم ليترهب في أحد ديورة جيورجيا، أولاً، ثم في جبل الأوليمبوس في بيثينيا حيث اقتبل أحط مهام الطاعة كأن يصير بغالاً.
لما وصله خبر أن ولده أفتيميوس استيق أسيراً إلى القسطنطينة خرج من عزلته واستعاده بمؤازرة بعض أنسبائه في القصر. عاد وإياه إلى الدير حيث شرع في تنشئته على الآداب اليونانية والجيورجية.
علاقة الأب بالابن تحولت، شيئاً فشيئاً، من علاقة بحسب الطبيعة إلى علاقة أبوة روحية. وإذ رغب الاثنان في التواري توجها، بمعية بعض التلاميذ، إلى جبل آثوس. هناك كان القديس أثناسيوس قد أخذ، منذ سنوات، في تأسيس ما عُرف بـ “اللافرا الكبير”. فلما وصلا إلى هناك لم يشأ يوحنا أن يُخفي أصله لكنه عمل سنتين في المطبخ. وقد لحظ القديس أثناسيوس فضائل هذين التلميذين النبيلين فسام أفثيميوس كاهناً.
مرت سنوات قليلة على هذا النحو، وإذا، في حوالي العام 970م، بأحد أقرباء يوحنا، المدعو تورنيق – وكان أحد جنرالات الأمير داود المرموقين وحظي بلقب البطريق في الأوساط البيزنطية – أقول إذا به يأتي إلى الجبل المقدس ويترهب باسم يوحنا. الجيورجيون، مذ ذاك، صاروا تلاميذ القديس أثناسيوس الأكثر اندفاعاً ونالوا ثقته في سعيه إلى ترسيخ حياة الشركة. وإن عدداً إضافياً منهم انضم إلى الموجودين. وقد بنوا كنيسة وقلالي تابعة للدير الكبير كما سلكوا، بهمة ونشاط، في سيرة ملائكية مباركة. كذلك سعت هذه المجموعة الجيورجية إلى ترجمة الكتب الكنسية من اليونانية إلى الجيورجية، الأمر الذي ساعد كثيراً في الإنشاء الكنسي للشعب الجيورجي بعامة.
ثم إن ظروفاً سياسية وعسكرية اضطرت يوحنا – تورنيق إلى الخروج من الجبل والعودة، مؤقتاً، إلى الحياة العسكرية. وبالنتيجة عاد إلى آثوس مظفراً وهو يحمل معه أموالاً طائلة دفعها إلى القديس يوحنا وانضوى تحت لوائه من جديد سالكاً في زهد كامل إلى آخر أيامه. فما كان من القديس يوحنا سوى أن استعمل المال لتأسيس دير مخصص للجيورجيين الذين أخذوا يتدفقون إلى الجبل بأعداد كبيرة بتأثير تورنيق الجنرال. هكذا نشأ دير الإيفيرون. بنوا كنيسة كبيرة على اسم والدة الإله وجملة من الأبنية. كانت الجماعة تعد، يومذاك، حوالي ثلاثمائة راهب، بينهم الجيورجي واليوناني، ولهم ممتلكات شاسعة في مقدونيا قدمها لهم الأباطرة.
إثر وفاة يوحنا – تورنيق ـ شاء القديس يوحنا أن يغادر ضجيج العدد الكبير من الرهبان الذين تجمعوا حوله إلى أسبانيا، لكن الحكام، في القسطنطينية، توسلوا إليه ألا يترك الدير. فلما عاد أصيب بداء المفاصل وصار يلزم الفراش طويلاً. وإذ احتفظ هو بصفة رئيس الدير أسند إلى ابنه، أفثيميوس، إدارته يعاونه ابن أخيه جاورجيوس. ولما دنت ساعة وفاته سلم سلطة الدير لابنه وضمن أن يكون الإمبراطور راعياً لهذه المؤسسة وحافظاً لها. وبعدما أوصى رهبانه بالطاعة والضيافة أسلم روحه بين يدي الله في 14 حزيران 1005م.
أما أفثيميوس فإذ كان، منذ صباه، قد أعده أبوه لصناعة ترجمة الكتب الكنسية والآبائية إلى الجيورجية، ولما كانت له موهبة أدبية فذة، فقد كان، منذ أن وصل إلى آثوس، قد أعد فرسقاً من الكتبة والمجلدين (العارفين بتجليد الكتب) لنشر المخطوطات في كل جيورجيا، عمل ليل نهار ولم يعط لعينيه راحة لكي يمد شعبه بكل غنى التراث البيزنطي. لقبه الأمير داود الجيورجي بـ “الذهبي الفم الثاني”. وإلى عمله كرئيس لدير الإيفيرون، تسلم إدارة اللافرا الكبير. هذه مسؤولية كان القديس أثناسيوس الآثوسي قد أسندها إلى أبيه من قبله. ورغم كثرة مشاغله لم يخفف من أتعابه النسكية ولا توقف ترقيه الروحي. أمضى أيامه يلبس الخشن والسلاسل. كان متواضعاً، هادئاً، قوياً في عمل الله، يستشهد بالكتاب المقدس في كل أمر. وكان، خلال الخدم الإلهية، يشترك وقوفاً، كل حين، لا يتحرك، وعيناه محدرتان إلى الأرض كمثل ملاك يقف في حضرة ربه. صعد مرة إلى قمة آثوس، وفقاً للعادة المتبعة، للاحتفال بعيد التجلي. فيما كان يؤدي خدمة القداس الإلهي، وما إن جاء دور الكلام الجوهري، حتى التمع ضوء فجأة صحبته هزة أرضية جعلت الجميع يسقطون أرضاً إلا أفثيميوس بقي منتصياً أمام المائدة المقدسة كعمود نار في حضانة النور. ومرة أخرى وضع حداً، بنعمة الله والصلاة، لجفاف حل بأنحائه حين أقام الخدمة الإلهية في كنيسة النبي الياس.
كان أفثيميوس أميناً لوصية أبيه في شأن حسن الضيافة، فكان يستقبل بفرح ومحبة كبيرة كل قادم إليه جاء يلتمس العون الروحي، كما كان يوزع العطايا، مع الرهبان، في غير مكان من الجبل المقدس. كذلك ساعد رهباناً أتوا من إيطاليا ليؤسسوا ديراً عُرف بـ “الأمالفيتان”، لعله بنديكتي، كان يتعاطى اللاتينية ويستعملها في الخدمة واستمر إلى القرن الثالث عشر. عرض الإمبراطور على أفثيميوس رئاسة أسقفية قبرص فرده بلطف.
بعد أربعة عشر عاماً من الرئاسة، وإذ لم تعد المهام الإدارية تسمح له بما يكفي للانصراف إلى الصلاة وعمل الترجمة، أسند إلى ابن عمه جاورجيوس، سنة 1019م، إدارة الدير، كما رغب أبوه يوحنا، وأقبل هو على الحياة الهدوئية، في أحد الأبراج العالية أولأ ثم خارج الدير، لكي يتسنى له أن يسبح من دون تشتت. على أنه بقي يلاحظ اللافرا الكبير، ولو لم يتدخل في شؤونه الإدارية العادية. لكن بردت محبة الرهبان هناك فثاروا عليه ونقلوا صراعهم معه إلى الإمبراطور. استُدعي أفثيميوس إلى القسطنطينية لكنه قضى نحبه في المدينة إثر حادث مؤسف. كان ذلك في 13 أيار 1028م. وقد رثاه الإمبراطور وأتقياء العاصمة. وقد أعيد جسده إلى الإيفيرون حيث ووري الثرى بقرب أبيه.