في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
✵الجديد في الشّهداء بولس، صانع الأخفاف ✵الشّهيد فاسيليسكوس ✵ ذكرى المجمع المسكونيّ الثّاني المجتمع في القسطنطينيّة ✵الشّهيد مركلّوس ✵الشّهيد كودراتوس ✵الشّهيدة صوفيّا ✵الشّهيد يوحنّا فلاديمير الصّربيّ ✵الشّهيد القدّيس البارّ بوتيان بياربون الفرنسيّ ✵الشّهيدان كاستوس وإميليوس ✵الشّهيدة جوليا كورسيكا ✵الشّهيدة في العذارى كويتيريا الإسبانيّة.
* * *
✤ الشّهيد فاسيليسكوس ✤
القدّيس فاسيليسكوس نسيب للقدّيس الشَّهيد ثيودوروس التّيرونيّ. تعرّض للتّعذيب من أجل المسيح مع القدّيسَين أفتروبيوس وكلاونيكوس (2 آذار) في أماسيا. لكنّه، لأجل التّدبير الإلهيّ، لم يتسنّ له أن يُشاركهم مجد الشّهادة، ورُدَّ إلى السِّجن بعدما تمّ إعدامهما. وفيما هو يبكي وينتحب في زنزانته، ظهر له الرَّبّ يسوع المسيح مؤكّدًا له أنَّه دُوِّنَ اسمه، هو أيضًا، في ملكوته ولن يكون، بحالٍ، دون رفيقَيه مقامًا. ثم أوعز إليه أن يذهب ويودِّع عائلته.
وبالفعل، في اليوم التّالي، عند شروق الشّمس، رأى فاسيليسكوس أنّ أبواب السِّجن انفتحت. فتوجّه، برفقة حرّاسه، إلى مسقط رأسه، شوميالا. هناك ودّع أمّه وأقرباءه وحثّهم على حفظ الأمانة للمسيح وأن يُصلّوا له لكي يثبت في اعترافه. ثم عاد إلى سجن أماسيا فيما كان الحاكم الجديد، أغريبا، وهو رجل طاغية مَهول، يتسلّم زمام الحاكميّة، وقد جمع أعيان المدينة إلى مأدبة. فلمّا أتوا على ذكر القدّيس فاسيليسكوس أمر بنقله إلى كومانا (البنطس) مع بقيّة الأسرى المسيحيّين، ليُحاكم هناك.
أُخرج فاسيليسكوس بعنف من السّجن وكُبِّل بقيود ثقيلة، كما سمّروا قدميه بخفّين من الحديد. وعلى طول الطّريق رافقه ثلاثة عشر جنديًّا كانوا يضربونه بالسِّياط حتّى استقت الطَّريق من دمه. وإذ توقّفوا للرَّاحَة في قرية اسمها داكوزارا، أوثقوا فاسيليسكوس، ويداه وراء ظهره، إلى شجرة دلب جفّت من سنين طويلة، فيما كانوا يتناولون طعامهم لدى سيّدة اسمها ترواني. فعلى صلاة القدّيس حدثت هزّة أرضيّة أحدثت ضجّة هائلة جعلت المتسكّعين المجتمعين في المكان يسقطون أرضًا. فلمّا نهضوا انذهلوا إذ تبيّن لهم أنَّ الشّجرة قد اخضرّت وأنّ ينبوع ماء صاف كان ينساب من عند قدمي القدّيس المَغبوط.
أمام هذا المشهد آمنت ترواني بالمسيح، هي وكلّ بيتها. وقد أُعطي فاسيليسكوس، بعدما أعتق ممسوسين من الأرواح الخبيثة وشفى المرضى، أن يهدي إلى المسيح، لا جمهورًا من سكّان المَحَلَّة وحسب، بل جنود المواكبة أيضًا. من تلك السّاعة، امتلأ الجنود توقيرًا لأسيرهم، فحلّوه من أربطته وتابعوا المَسير. في كلّ مكان كان القدّيس فاسيليسكوس يجترح المعجزات ويهدي الشّاردين، مُمتنعًا عن تناول أيّ طَعام. كان قد صار له ثلاثة أيّام لم يأكل فيها شيئًا فألحّوا عليه أن يتناول شيئًا فأجاب أنّه ليس بجائع. قال: “أنا ممتلئ من الغذاء الأبديّ ولن أتناول طعامًا مائتًا. الخبز الأرضيّ يُطعمكم، أما أنا فأُطعَم من الكلمة السّماويّة لله. الكون يقدّم لكم خمرًا، أمّا أنا فأتلقّى نعمة الرُّوح القدس. أنتم تغتذون بالأدام، أمّا أنا ففي الصّيام. الطّاقة الجسديّة تقوّيكم، أمّا أنا فصليب المسيح. الذّهب يُغنيكم، أمّا أنا فمحبّة المَسيح. المَلْبَس يُجمِّلُكُم، أمّا أنا فالأعمال الصّالحة. أنتم تبتهجون بالضّحك، أمّا أنا فأتعزّى في روحي بالصّلاة”.
أخيرًا بلغ الأسرى كومانا. حيث كان أغريبا في انتظارهم. أمر أن يُقتاد الشّهيد بلا تأخير إلى هيكل أبولون ليضحّي. أخذ جنود الحامية المَحَلِّيَّة في ضربه وهم يسخرون من إيمانه بإله غير منظور. أمّا القدّيس، فإذ امتلأ ثقة ورجولة، أجاب أنّه إذا لم يكن الله منظورًا بحسب طبيعته، فإنّه يظهر روحيًّا بحسب طاقة نعمته بقدر ما هو ممكن للعقل البشريّ أن يدركه، وهو يجترح أعاجيب كثيرة بواسطة أولئك الّذين حسبهم أهلًا لاقتباله. وإذ قُدِّم قدّيس الله إلى المحكمة في الهيكل ودُعي إلى التّضحية، أجاب أنّه يُقدّم ذبيحة التّسبيح لله في كلّ حين. سأله أغريبا عن اسم هذا الإله، فأجاب: “إلهي لا يُعبَّر عنه، لا يُدرك ولا يوصَف ولا يُرى، والأسماء المُعطاة له في الكتاب المُقَدَّس هي: الآب والكلّيّ القدرة والرّبّ الإله والملك السّماويّ وربّ الجنود والمخلّص والرّؤوف والرَّحوم والطّويل الأناة والغنيّ بالرّأٍفة. هذا هو الّذي أقدّم له ذبيحة التّسبيح!” فسخط الحاكم عليه وقال له: “ضحِّ باسم الإله الّذي تشاؤه، ولكن ضحِّ ولننتهي من الأمر”.
مدّ فاسيليسكوس يديه نحو السّماء ورفع إلى الله صلاة حارّة من أجل دكّ الأصنام. للحال نزلت نار من السّماء وأحرقت الهيكل وأحالت تمثال أبولون إلى غبار. فخرج الحاكم إلى خارج المبنى بسرعة بعدما أخذت ألسنة اللّهب تنتشر فيه، وكلّ المدينة اضطربت لهذا الحدث. فلمّا عاد إلى نفسه صرّ على أسنانه من الغيظ وأخرج القدّيس من الهيكل، وكان قد انحفظ من ألسنة اللّهب بصورة عجائبيّة، واتّهمه بالسّحر. أجاب فاسيليسكوس أنّ الأمر لا علاقة له بالألعاب السِّحريّة، ولكنّ قوّة الله هي الّتي صنعت كلّ ذلك لتبيِّن أنّ آلهة الوثنيّين ليست سوى عدم ووهم.
وبعد أن تأكّد للقاضي الثّبات غير المُتزعزع للقدّيس في موقفه، لفظ، في حقّه، حكم الموت. فأُخرج فاسيليسكوس خارج المدينة، إلى مكان يقال له ديوسكوروس، حيث جرى قطع رأسه.
وإنّ رجلًا مسيحيًّا اشترى جسده من الجلّادين ودفنه بإكرام جزيل وبنى كنيسة فوق ضريحه. في هذه الكنيسة، في 13 أيلول 407 م.، لمّا أُتي بالقدِّيس يوحنّا الذّهبيّ الفَم، في المحطة الأخيرة من نفيه، أقول في هذه الكنيسة رأى الذّهبيّ الفم القدّيس فاسيليسكوس في رؤيا فعزّاه ووعده بأن يلتقيا معًا في اليوم التّالي. وبالفعل، في اليوم التّالي، بعد أن ارتدى القدّيس يوحنّا ثيابًا بيضاء وساهم القُدُسات، أسلم روحه للرَّبّ الإله هناك.