في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهيدة المجيدة مارينا *أبونا الجليل في القدّيسين أوفراسيوس أسقف إيونوبوليس (بفلاغونيا) *القدّيس لعازر جبل جيلاسيوس *القدّيس البارّ ليونيد النوفغوروديّ *القدّيس البارّ إيرينرخوس الرّوسيّ *شهداء سِلِّي، سبيراتوس ورفقته.
* * *
✤ الشّهيدة المجيدة مارينا ✤
هي المعروفة في الغرب المسيحيّ باسم القدّيسة مرغريتا. عاشت في زمن مُلك الإمبراطور كلوديوس في حدود العام 270 م. أصلها من أنطاكية بيسيديّة وهي ابنة أحد كهنة الأوثان، المدعو أيديسيموس. رقدت والدتها وهي في الثّانية عشرة فكلِّفت مربِّية تُقيم في الرّيف بأمرها. وإن عِشرَة المسيحيّين في تلك النّاحية ازدوج باستعدادات الفتاة الطّبيعيّة فأنبتت، في قلبها، إيمانًا حقّانيًّا. فلمّا بلغت الخامسة عشرة ملكتها محبّة المسيح لدرجة أنّها لم تعد ترغب ولا تفكّر في شيء إلّا في مُساهمة تضحية الشّهداء القدّيسين حبًّا بالله ببذل الدَّم. لذا كانت أبعد من أن تخفي ميلها ولا تتورّع عن المجاهرة بمسيحيّتها وذمّ الأصنام، الأمر الّذي أثار أباها فحرمها الميراث.
فلمّا كان يوم اتّفق فيه مرور حاكم آسيا، المدعوّ أوليبريوس، في طريقه إلى أنطاكية، أنّه التقى القدّيسة ترعى القطعان هي ونساء أخريات من القرية. أُخذ الحاكم بطلعتها فأمر رجاله بأن يحضروها إليه ليتّخذها لنفسه زوجة. فلمّا بلغ بها الحاكم ومَن معه القصر سألها مَن تكون فأجابت بلهجة واثقة: “اسمي مارينا وأنا ابنة أبوَين حرَّين من بيسيديا، لكنّي خادمة إلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح الّذي خلق السّماء والأرض”. أُودعت السّجن، إلى اليوم التّالي، الّذي صادف فيه عيد وثنيّ كبير. فلمّا أُحضرت، من جديد، دُعيت إلى التّضحية للآلهة أُسوَة ببقيّة الشّعب، فأجابت: “بل أذبح ذبيحة التّسبيح لإلهي لا لأصنامكم الخرساء الّتي لا حياة فيها!” فحاول أوليبريوس إقناعها بالحسنى صونًا لفتوّتها وجمالها. لكنّها أجابت “أنّ كلّ جمال جسديّ يذوي فيما تجمِّل العذابات، من أجل اسم المسيح، النّفس وتعدّها للعرس الأبديّ”. أثارت جسارة القدّيسة حفيظة الحاكم فأمر بمدّها على الأرض وضربها بالسّياط المشوّكة وأن يُخدَّش لحمانها بأظافر حديديّة. بنتيجة ذلك سال دم القدّيسة وصبغ الأرض. لكنْ لم تخرج من فمها صرخة ألم ولا اضطربت نفسها وكأنّ آخر يكابد عنها. طال تعذيبها، على هذا النّحو، ساعات أُعيدت بعدها إلى السّجن. كلّ هذا دفعها إلى الصّلاة إلى ربّها سُؤْلًا لعونه في المحنة والاعتراف بالإيمان. وقد ورد أنّه كانت لمارينا رؤيا عاينت فيها الشّيطان تنّينًا ينفث نارًا ودخانًا باتّجاه القدّيسة. ومع أنّ مارينا ارتعبت من المنظر إلّا أنّ صلاتها ما لبثت أن فعلت إذ تحوّل التّنّين إلى كلب أسود ضخم منفِّر. وبنعمة الله داسته وقتلته. إذ ذاك امتلأ الحبس نورًا متلألئًا ينبعث من صليب ضخم استقرّت عليه حمامة بيضاء. نزلت الحمامة ووقفت بجانب مارينا وقالت لها: “افرحي يا مارينا، يا حمامة روحيّة لله لأنّك غلبت الخبيث وأخزيته. افرحي يا خادمة أمينة للرَّبّ الّذي أحببته من كلّ قلبك ومن أجله هجرت كلّ متع الأرض العابرة. افرحي وسُرَّي لأنّ الوقت حان لتتلقَّي إكليل الغلبة وتدخلي باللِّباس اللّائق، مع العذارى الحكيمات، خدر ختنك وملكك!”
في الصّباح نُقلت مارينا، مرّة جديدة، إلى أمام الحاكم. فلمّا أبدت تصميمًا أشدّ من ذي قبل، أمر أوليبريوس بتعريتها وإحراقها بالمشاعل. وبعدما أُلقيت في الماء لتختنق وأعانتها الحمامة البيضاء، اهتزّ العديدون لمرآها واعترفوا بالمسيح، فاغتاظ الحاكم بالأكثر وأمر بقطع رأسها. في الطّريق إلى مكان الإعدام آمن الجلّاد بالمسيح، فلم يشأ بعدُ أن يمدّ يده لأذيتها، فقالت له القدّيسة: “لا نصيب لك معي إذا أمسكت عن إتمام ما أُمرت به”. إذ ذاك، بيد مرتجفة، قطع هامتها. وإنّ مسيحيًّا، اسمه تيوتيموس، كان يتردّد على القدّيسة حاملًا لها طعامًا، جاء وأخذ جسدها وواراها الثّرى بلياقة. وقد بقيت رفات القدّيسة، حتّى زمن الصّليبيّين (1204م) تُكرَّم في القسطنطينيّة.