في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الآباء الأجلّاء في القدّيسين ألكسندروس ويوحنّا وبولس الصّغير، بطاركة القسطنطينيّة *شهداء ميليتين السّتّة *شهداء ثيبا السّتّة العشر *القدّيس البارّ سارمتا *القدّيس البارّ خريستوفوروس الفلسطينيّ *القدّيس البارّ فانتين الصّانع العجائب *الشّهيدة بريانا النّصيبيّة *أبونا الجليل في القدّيسين أفلاليوس القبرصيّ *القدّيس البارّ ألكسندر سْفِير *نقل رفات القدّيس ألكسندر نفسكي *عيد جامع للأساقفة المنيرين في الكنيسة الصّربيّة *الشّهيدان الرّوسيّان الجديدَان بطرس وأغناطيوس *القدّيس المعترف بطرس الرّوسيّ *الشّهيدان فيليكس وأدوكتوس الرّومانيّان *القدّيس باماخيوس الرّوميّ.
* * *
✤ القدّيس البارّ فانتين الصّانع العجائب ✤
ولد حوالي العام 927م لعائلة تقية مميزة من كالابريا. انكب، منذ الصغر، على تأمل الكتب المقدسة. امتد صوب الخيرات الأبدية ونبذ المسرات ولهو الأولاد من سنه. لاحظ ذووه لديه مثل هذه الأميال فكرسوه لله، وهو في الثامنة عشرة. كلفوا بأمره القديس إيليا السبيليوتي. للحال لاحظ الناسك القديس المصير الذي كان الشاب مدعواً إليه فسلمه إلى خيرة رهبانه لينشئوه في العلم الروحي. كان فانتين حكيماً حكمة شيخ في جسد ولد، لذلك، في خلال خمس سنوات، ألبسه إيليا الثوب الرهباني.
أُسند إليه الطبخ عمل طاعة قاسياً ولكن مقدساً. فلما كان يقف أمام نار الفرن كان يجعل نصب عينيه العقليتين النار الأبدية التي ستكون نصيب الخطأة. هكذا اقتنى نعمة نخس القلب. منذ دخوله الدير لم يأكل إلا مرة كل يومين أو ثلاثة. وابتداء من السنة الثانية لم يكن يتناول الخضار إلا مرة واحدة في الأسبوع ونادراً ما يتناول القليل من الخبز. وإذ طرد من نفسه كل ميل إلى المتعة تقدّم في كل الفضائل وصار قلبه المنقّى أرضاً خصبة تُنتج، بوفرة، أثمار الروح القدس.
عندما رقد القديس إيليا سنة 960م، قرر فانتين، وقد صار له في الدير عشرون سنة واكتسب خبرة كافية في الانضباط النسكي، قرّر أن يسلك في الحياة النسكية. اعتزل في موضع قاحل من منطقة جبل مركوريون (شمالي كالابريا)، وسلك، على مدى سنوات، في سيرة نسكية صارمة، عرياناً، لا يغتذي إلا من جذور الأعشاب. محّصته الأبالسة تمحيصاً شديداً فكانت تظهر له، أحياناً، في شكل أبويه ينتحبان ويحاولان أن يستعيداه إلى العالم، وأحياناً أخرى في شكل وحوش ضارية. لكنه قوي، بنعمة الله، على كل هذه التجارب بعلامة الصليب المحيي وبالصلوات الليلية الطويلة. بعد ثمانية عشر عاماً اكتشف ذووه خلوته، وقد تمكن من إقناعهم باعتزال العالم وبطلانه. جعل أمه وأخته في دير للراهبات. وبعد أن رهبن أباه وأخويه لوقا وقوزما، قادهم في الطريق الضيق المؤدي إلى الملكوت. أصبحت الجبال القاحلة منازل لرجال ونساء يسكنون على الأرض في سيرة الملائكة في عهدة المغبوط فانتين. كان للجميع أباً ومفسّراً للشريعة الإلهية ونموذجاً حيّاً للفضائل الإنجيلية.
وإذ لم تترك له مسؤوليته عن هذا القدر من النفوس إمكان الانصراف إلى الله دون تشتّت، وإذ كان مشتاقاً إلى المزيد من الترقي في التأملات الإلهية، أسند إدارة الدير الرئيسي لأخيه لوقا وعين مدبّرين في الأخويات الباقية. على الأثر اعتزل سراً في موضع آخر. لكنه اعتُبر جاسوساً من سكان تلك الناحية الذين أوثقوه وألقوه في سجن مظلم تحت الأرض. حرموه من كل عناية، وجعلوه فريسة للحشرات والهوام. اشتملته النعمة الإلهية فبقي، في الوضعية الجديدة، غريباً عن الألم وكانت له تعزياته الروحية. عندما فطن متّهموه إلى أنهم ارتكبوا خطأ فادحاً استخرجوه وسقطوا عند قدميه وسألوه الصفح. إذ ذاك تحوّل فانتين إلى موضع آخر مناسب لحياة السكون فيه وفرة من الماء وخضرة. لكنه تعرّض، من جديد، لإقلاق الزوار له. إذ ذاك قرّر أن يعود إلى ديره. استعاد حياة الشركة دون أن يتنازل عن شيء من نظامه النسكي. كان يغتذي من الخضار النيئة وينام على الأرض القاسية ويعيش عارياً أو يكاد. عمله اليدوي كان الخط. وكان يُمضي نهاريه ولياليه في الصلاة المتواترة والأناشيد الإلهية. اقتنى اللاهوى ونمت رغبته في الله من يوم إلى يوم إلى حد أنه لم يكن يشبع من الرحيق الإلهي الذي يغترف منه في قلبه. كذلك اقتنى القدرة على طرد الأبالسة وشفاء المرضى والارتخاء من كل نوع في النفس والجسد. كان يأمر الحيوانات الضارية والزواحف كمثل آدم جديد ويرى لحاجات الدير بعجائبه. ذات يوم، بعد صلاة الفجر، دخل في انخطاف وبقيت يداه وعيناه مشدودتين إلى السماء حتى ساعة الغروب. وإذ سأله تلاميذه ماذا عاين أجاب بدموع غزيرة: “ما تطلبون معرفته لا يوصف”. وإذ قال ذلك، ترك رداءه على الأرض وغادر الدير إلى عمق الجبل عارياً حيث بقي عشرين يوماً بلا طعام ولا شراب. عاش كذلك أربع سنوات، حليق الذقن والشعر لا يأكل إلا من البقول البرية. وإذ أعطى الجهلة ورهبان ديره الانطباع أنه قد جُنّ، تنبأ، نظير النبي إرميا في أورشليم، أن المسلمين سيجتاحون البلاد لانحطاط أخلاق المسيحيين. ذات يوم، ظهر للإخوة من جديد وأعلن لهم وصول القديس نيلوس الذي أنشأه في العلم النسكي والذي يكن له توقيراً كبيراً. لما قصّ فانتين على نيلوس كيف حمله ملاكان ليعاين مكان العذابات الأبدية والفرح السرمدي، وبخ نيلوس الرهبان لأنهم ظنوا مخبولاً رجلاً كالقديس بولس ارتفع إلى السماء الثالثة.
بعد ذلك بفترة طويلة ظهر ملاك للقديس فانتين خلال صلاته الليلية وأمره أن يذهب إلى تسالونيكة ليعين نفوساً عديدة على ممارسة الفضيلة. جمع الرهبان في الكنيسة وأوصاهم أن لا يضيّعوا الوقت المعطى لهم من الله من أجل التوبة في اهتمامات بطالة أو تعلقات أرضية، بل أن يعظ أحدهم الآخر ليقسو على نفسه استعداداً لملاقاة الرب متى عاد ليدين العالم. ثم بعد أن ودعهم، أبحر إلى اليونان مصطحباً معه تلميذيه فيتالوس ونيقيفوروس. بلغوا جزر البليوبونيز، بعد عبور سعيد حلّى القديس خلاله مياه البحر ليروي ظمأ ركاب السفينة. ثم أقام ومن معه بعضا الوقت في كورنثوس وأثينا. نفوس كثيرة تبحث عن الخلاص تهافتت على الرجال الإلهيين الذين نشروا من حولهم الرائحة الطيبة للروح القدس. إلا أن فانتين مرض مرضاً خطيراً وانتظر الجميع أن يغادرهم إلى ربّه، لكنه تنبأ أنه ينبغي له أن يموت في تسالونيكية. فلما تحسنت حاله انتقل إلى لاريسا وعاش لبعض الوقت بقرب كنيسة القديس أخيلا ناشراً، بوفرة، تعليمه الروحي. من هناك أبحر النساك الثلاثة في اتجاه تسالونيكية حيث نزلوا في كنيسة القديس ميناس. وإن أشراف المدينة، الذين منهم رئيس الأساقفة، وقد جذبتهم شهرة القديس فانتين، أتوه للزيارة وأخذ بركة كلامه وصلاته. صار لتوه طبيب كل الذين كانوا ممتحنين وحامي كل المضنوكين ومعلم كل الذين يرومون السيّد في السبل الإلهية.
بعد ثلاثة أشهر غيّر مكان إقامته. لكن سيل زائريه لم يتوقف عن الازدياد، وجرت به أشفية عديدة. ذات يوم، إذ كان قريباً من بوابة كاساندرا، أسرع فانتين الخطى، فجأة، باتجاه كنيسة القديسة أنيسيا حيث وجد راهبين قادمين من جبل آثوس ومتجهين نحو أثينا، أحدهما شيخ وقور والآخر خصي. سجد، بعمق، عند أقدامهما وطلب بركتهما. وإذ عبرا دون أن يتوقفا كشف القديس لتلميذه، الذي تعجب من هذا التصرف، أن أحدهما هو أثناسيوس الكبير، مؤسس اللافرا، والآخر هو القديس بولس كسيروبوتامو (28 تموز) اللذان سيلمعان في الجبل المقدس كقمرين. فلما عاد إلى تسالونيكية، قدّم الآثوسيان إلى فانتين الذي سمعا الكثير عن عجائبه فتبين لهما أنه هو إياه الراهب الذي احتقراه في عبورهما فارتبكا.
بعد ذلك استمر القديس فانتين ينشر مراحم الله بعجائبه. ثم إنه بفضل موهبة التبصر لديه أمكن المدينة أن تنجو من البلغار. فلما مضى عليه ثماني سنوات في مدينة القديس ديمتريوس، رقد بسلام في الرب في السنة 1000م، عن عمر ناهز الثالثة والسبعين.