في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهيد في الكهنة أكليمنضوس الرّوميّ *الشّهيد في الكهنة بطرس الإسكندريّ *القدّيس ثيودوروس المعترف الأنطاكيّ *أبونا القدّيس البارّ ملخس القنسرينيّ *الشّهيدان فيلومانوس وخريستوفوروس *الشّهيد أفجانيوس *الشّهيدان بروكوبيوس وخريستوفوروس الآخر *الشّهيد الإسكندر الكورنثي *الشّهيد خريسوغونوس *القدّيسان كاريون وهرموجانيس أسقف أغريغنتية *القدّيس البارّ غريغوريوس الّذي من آسيا *القدّيس البارّ مرقص رئيس دير تريكليا *أمّنا القدّيسة البارّة مستريديا *الشّهيد خريسوغونوس *الشّهيد مركوريوس سمولنسك *القدّيس البارّ سمعان *القدّيس البارّ لوقا الكييفيّ *القدّيس البارّ نيقوديموس الجديد.
* * *
✤ تذكار القدّيس الشّهيد في الكهنة بطرس بطريرك الإسكندريّة ✤
يبدو من المعلومات المتوفرة عن القدّيس بطرس أنّه كان رجل علم، حكيماً، تسلّم مدرسة الإسكندريّة لبعض الوقت قبل اختياره أسقفاً على الإسكندرية خلفاً للقدّيس ثيوناس في العام 300 للميلاد. أفسافيوس القيصري، في تاريخه، تحدّث عنه بإكبار، قال:
“بعدما أدى ثيوناس أجلّ خدمة على امتداد تسعة عشر عاماً، خلفه بطرس على أسقفية أهل الإسكندرية. وقد كان هو أيضاً بارزاً على مدى اثني عشر عاماً. ساس الكنيسة لأقل من ثلاث سنوات قبل الاضطهاد، وبقية أيامه قضاها في قسوة على نفسه، واهتمّ علناً بالصالح العام للكنائس. لهذا السبب، قُطع رأسه في السنة التاسعة من الاضطهاد وتزيّن بإكليل الاستشهاد“.
وأفسافيوس أيضاً اعتبر القدّيس بطرس “معلماً مسيحياً موهوباً… ومثالاً للأسقف يحتذى، لصلاح سيرته ومعرفته للكتب السماوية“.
ولما انطلقت موجة الاضطهاد جديدة على المسيحيّين في زمن الأمبراطور ذيوكليسيانوس (245 – 313 م) في العام 303 للميلاد، فضّل القدّيس بطرس الاختباء على تعريض نفسه للموت لأنّه لم يشأ أن يترك قطيعه دون رعاية والظرف عصيب. ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان فإنّ أسقفاً اسمه ملاتيوس، كان على ليكوبوليس في الطيبة، وضع يده على كرسي الإسكندرية وكراسي أسقفيات أخرى متذرعاً بأن أساقفة هذه الكراسي خانوا الأمانة وفرّوا تاركين الشعب لمصيره، وقام، للحال، بسيامة أتباع له كهنة وشمامسة وزّعهم هنا وهناك. غير أنّه في غضون أشهر جرى القبض عليه وخُيّر بين الموت والتضحية للأوثان فضحّى. ومع هذا استمر ملاتيوس في حركته إلى أن انعقد مجمع محلي برئاسة القدّيس بطرس في الإسكندرية في العام 305 أو 306 للميلاد جرّده من الأسقفية بعدما أدانه بتهمة ارتكاب “جرائم متعددة والتضحية للأوثان“.
لم يمتثل ملاتيوس لقرار المجمع بل أعلن ما أسماه “كنيسة الشهداء” شاقاً بذلك كنيسة الإسكندرية إلى اثنين في ما عُرف بـ “الانشقاق الملاتي” الذي استمر ما يقرب من القرن. يذكر أنّ آريوس الهرطوقي هو من هذه الكنيسة المنشقّة وفيها وُجد أشدّ أتباعه حماساً له.
واستمر القدّيس بطرس في رعاية شعبه بغيرة وأمانة إلى أن جرى القبض عليه وقطع الولاة رأسه. يذكر أنّ أعداداً كبيرة من المؤمنين قضت في اضطهاد ذلك الزمان. بعض المصادر يقول إنّ بضع مئات لاقوا حتفهم وإنّ عائلات بأكملها أبيدت. وقد تركت تلك الفترة بصمتها في وجدان المصريين حتى إنّ الكنيسة القبطية اعتمدتها بداية لتقويمها الكنسي. من جهة أخرى، سرى القول، مذ ذاك، أنّه “كما كان بطرس أول الرسل كان بطرس آخر الشهداء“. وبالفعل فإنّه باستشهاد القدّيس بطرس الإسكندري انتهى زمن الاضطهاد. وقد كان ذلك في الرابع والعشرين أو الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني من العام 311 للميلاد.
هذا ويحكى عن القدّيس بطرس أنّه لما كان في السجن رأى رؤيا، الربّ يسوع المسيح في هيئة صبي في الثانية عشرة بهيّ الطلعة يلبس ثوباً ممزّقاً من فوق إلى أسفل وكان الصبي ممسكاً بشقي الثوب يحاول بهما، وبدموع، إخفاء عريه، فسأله بطرس: “يا سيّد، مَن الذي مزّق ثوبك؟” فأجاب: “آريوس! لذلك أقول لك إيّاك أن تقبله في الشركة وقل لأخيلاس والإسكندر الكاهنَين عندك، وهما سيخلفانك، أن يحفظا الإيمان الأرثوذكسي المقدّس من هجماته“.
من جهة أخرى يُحكى عن القدّيس بطرس أنّه كان يرفض باستمرار الجلوس في سدّة الأسقفية وكان يكتفي بالجلوس على الدرج تحت الكرسي. ولما ألحّ عليه أهل بيته معترضين أجابهم: “لا تجبروني بالجلوس على هذا العرش الأسقفي لأنّ الخوف والرعدة يعتريانني كلّما دنوت منه، فأنا أنظر سلطان العليّ وضياءه مستقراً عليه، سلطان ربّنا يسوع الذي هو وحده الكاهن الأكبر“.
هذا ويبدو أنّ القدّيس بطرس ترك كتابات قيّمة لم يبق منها غير أصداء وشواهد في كتابات الآباء اللاحقين. مجمع أفسس (431) استشهد به لتأكيد ألوهية السيّد وإنسانيته وكذلك ليونتيوس البيزنطي في القرن السادس. ولعل أبرز ما بقي لنا منه مجموعة قوانينه بشأن الساقطين وجاحدي الإيمان أثناء الاضطهاد. هذه القوانين ذكرها القانون الأول للمجمع المسكوني الرابع (خلقيدونيا 451)، والقانون الثاني للمجمع المسكوني السادس المسمّى ترولو (692). ولعل ميزة هذه القوانين أنّها أقل تشدداً وأكثر رحمة من غيرها في الموضوع عينه.