في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*نقل رُفات أوّل الشُّهداء ورئيس الشّمامسة استفانوس *الشّهداء مكسيموس وكوينتيليانوس ودادا *القدّيس البارّ باسيليوس المسكوفيّ المتباله *القدّيس البارّ باسيليوس كوبانسك *الشّهيد روتيليوس الإفريقيّ.
* * *
✤ القدّيس البارّ باسيليوس المسكوفيّ المتباله ✤
باسيليوس المغبوط هو أبرز القدّيسين المتبالهين الذين أزهروا في الروسيا. ولد سنة 1464م في ألوخوف، قرية قريبة من موسكو، من أبوين فلاّحين تقيّين، هما يعقوب وحنّة. تتلمذ، وهو ولد، على إسكافي وسلك في الحياة النسكيّة. كان يصلي بتواتر. أبدى، مذاك، أولى علائم النعمة الإلهية. في السادسة عشرة، تهكّم، يوماً، تاجراً طلب كمية من الأحذية الجديدة. لما انصرف التاجر سأله معلّمه، بإصرار، لماذا تهكم الرجل فأجاب أنّه كان غريباً أن يطلب الزبون هذا القدر من الأحذية التي تكفيه سنين عديدة وهو على وشك أن يقضي نحبه في اليوم التالي. وقد تحققت نبوءة الشاب ولم يشأ، من بعد، أن يلازم معلمه ولا العودة إلى ذويه، بل ارتحل إلى موسكو.
غار باسيليوس في وسط جماهير المدينة الصاخبة. اتخذ نسك التباله، اشتراكاً في ملء آلام ربنا يسوع المسيح، بمعزل عن كرامات الناس. لم يكن له بيت ولا كوخ يريح رأسه فيه، وكان شبه عريان، شريد الطرقات والأماكن العامة، يمضي لياليه في الصلاة في حمى أروقة الكنائس، حافظاً، وسط الناس، صمتاً كاملاً نظير النساك في عمق الصحارى. حين كان مجبراً على الكلام، كان يدّعي الكلام بصعوبة. غريباً عن كل إنسان، مُعرِضاً عن العالم والتعلق به. كان يبدي، رغم ذلك، رأفة عظيمة حيال المساكين والمرضى والمقهورين. على هذا كان يعود الموقوفين في السجن لسكرهم ليحثّهم على التوبة. وفيما ساد القمع والرعب، كانت سيرة القديس باسيليوس تقريعاً حياً للبويار (الأمراء المحليين) الفاسدين وعزاء للشعب المبتلى. أكثر تصرّفاته كانت ذا مغزى نبوي. على هذا حدث مراراً أن ألقى المغبوط حجارة على زوايا بيوت الناس الأتقياء، فيما اعتاد، متى مرّ بمنازل من يحيون في الخطيئة، أن يضّم زاوية البيت إلى صدره. لما سألوه لماذا يفعل ذلك أجاب إن البيوت التي تزدان بالقداسة لا موضع فيها للأبالسة. لهذا إذا كان يراها خارجاً كان يطردها بضرب الحجارة. وبعكس ذلك، إذ كان يحتضن زاوية البيوت الرديئة كان يحيي الملائكة القائمين خارجاً، حزانى لعجزهم عن الدخول. في السوق كان يضرب موائد باعة الغش. ذات يوم دفع إليه القيصر مالاً فذهب، على غير عادته، ولمّا يوزّعه على الفقراء، بل أعطاه لتاجر ليس حسناً كان فقد ثروته ولم يقو على التسول وكاد يموت جوعاً.
سنة 1521م، فيما هددّ التتار، بزعامة محمد حيراي، مدينة موسكو، صلى القديس باسيليوس أمام أبواب كاتدرائية الرقاد ذارفاً الدمع السخيّ لنجاة بلاده. فإذا بضجة هائلة تنبعث من الكنيسة ولهب يندلع وصوت يُسمع صادراً من إيقونة والدة الإله (سيدة فلاديمير) يعلن أنّها تتخلّى عن موسكو لخطايا سكانها. كثف القديس صلاته فكف الظهور المروع. كان محمد حيراي قد أحرق الضواحي، لكن ظهوراً لجحافل من العسكر رده على أعقابه ففر بسرعة إلى ما وراء حدود الروسيا.
كان القيصر إيفان الرابع، المعروف بـ “الرهيب”، يود القديس، معجباً به بعمق، وكذا القديس المتروبوليت مكاريوس. دُعي، ذات مرة، إلى القصر، إحياء لذكرى مولد القيصر، فسكب، على ثلاث دفعات، خمراً على النافذة. ولما سأله القيصر بغيظ عن فعلته أجاب أنه كان يطفئ حريقاً شبّ في نوفغورود. فإذا بمذيع يفد قائلاً إن حريقاً كبيراً أُعلن عنه في نوفغورود، لكنه لم يمتدّ لأن رجلاً غريباً عرياناً كان يرش البيوت بالمياه ويطفئ النار. وقد استعرف المرسلون باسيليوس لما رأوه أنه هو الرجل الغريب.
مرة أخرى شرع القديس يبكي بكاء مراً أمام كنيسة دير الصليب المكرم، في الموضع عينه، الذي بعد فترة وجيزة، اندلع الحريق الكبير الذي دمر موسكو. بعد حين من ذلك، فيما كان القيصر يشترك في القداس الإلهي، انتصب المغبوط في زاوية وشَخَص إليه. بعد القداس قال للقيصر: “أنت لم تكن في الكنيسة بل في مكان آخر!” فاحتج القيصر، فأردف باسيليوس قائلاً: “ليس كلامك صحيحاً. فقد رأيتك تتمشى، في الفكر، على جبل الدواري ملتمساً بناء قصرك الجديدّ” مذذاك أخذ القيصر يرهب القديس ويوقره بالأكثر. لكن، لم تحل تقواه دون إبداء ما بدا منه من وحشية أسطورية.
كذلك تراءى القديس باسيليوس لركاب سفينة فارسية وهم في ضيق شديد وأنقذهم من الغرق. يُضاف إلى ذلك عدد كبير من العجائب جرت به خلال أعوام خدمته الخلاصية الاثنين والسبعين. فلما بلغ الثامنة والثمانين مرض. حالما درى الإمبراطور بالأمر هرع وعائلته إليه طالبين صلاته. فيما كان يتنبأ بشأن مستقبل المملكة، توهج وجهه نوراً إذ عاين جمهرة من الملائكة آتية لتأخذ روحه. وفيما كان في نشوة رقد بسلام في 2 آب سنة 1552م. كل المدينة انتشر فيها عطر زكي وحضر جمهور كبير دفنه. وقد حمل الإمبراطور وأولاده جسده على أكتافهم إلى الكنيسة. جرت به عجائب جمة. كانوا يأتون إليه من القريب والبعيد. شُيدت، فوق ضريحه، كنيسة على اسم والدة الإله الحامية. وقد حُولت إلى اسمه فيما بعد. أُعلنت قداسته سنة 1588م. يومها استعاد مائة وعشرون مريضاً عافيتهم ببركة رفاته المقدسة.