في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهيد في الكهنة كورنيليوس ورفقته، ديمتريس وزوجته أفانثيا وولدهما متريان *الشّهداء كرونيدوس وليونتيوس وسربانوس الإسكندريّ *الشّهداء ماكروبيوس وغُرديان (غورديانوس) وإيليا وسلوق (سلوقس) وفاليريانوس ولقيان (لوقيانوس) وزوتيكوس *الشّهيد ستراتون *القدّيس البارّ إيروثيوس الصّغير *الشّهيدة كيتيغان الجيورجية *القدّيس البارّ يوحنّا بريسلوب الرّومانيّ *الشّهداء الرّوس الجدد ألكسندر أكسانوف ورفيقاه.
* * *
✤ القدّيس البارّ إيروثيوس الصّغير ✤
ولد ايروثيوس في كالاماتا، وهي مرفأ في جنوب اليونان، في العام 1686، لعائلة غنية ورعة. شغف، منذ حداثته بالعلوم، لاسيما الفلسفة والكتب المقدسة، فانكّب على الكتب يلتهمها حتى أضحت الحياة كلها في عينيه استشراقاً للمعرفة بالكلمة. ولما رغب والداه في ازويجه امتنع فأصرّا فرضخ مدمى القلب مبلبلاً. لكن الله الضابط الكل، العارف بمكنونات القلوب وحده، لم يشأ أن يترك لوالدي منذر حق تقرير مصيره، فرقدا فجأة إثر حادث مفجع قبل موعد إكليله بأربعة أيام. فقام ايروثيوس، بين مهابة ورجاء، وفرّ من المنزل الأبوي على عجل، غير عابئ بما خلّفه وراءه ولا حاسب لأمر حساباً. وهكذا هام على وجهه في الأرض حزيناً.
وما أن هدأ روع الفتى، بعد حين، حتى تلّظى شوقه إلى العلم من جديد. فعزم على السفر إلى أوروبا – كما حلم دائماً – ليتسنى له أن يشبع نهمه إلى المعرفة. إلا أنه، بتدبير إلهي، مرّ بالجبل المقدس (آثوس)، فأقام فيه ردحاً من الزمان تلميذاً لأحد النساك. النسك يومها خلبه. لكنه اكتشف من قراءته لتراث الآباء أن في النسك صعوبة وخطورة لا يستهان بهما إن لم يتمرس الراهب على الحياة المشتركة أولاً ويتعلم الطاعة. وهذا ما حدا بإيروثيوس إلى الانتقال إلى أحد الديورة، المسمى ايفيرون، طالب رهبنة. كان يهمه أن يتلقن المعرفة الإلهية وفقاً للأصول الرهبانية المتداولة. إلا أن وطأة الحياة الرهبانية عليه كانت ثقيلة وكأنها سابقة، إذ ذاك، لأوانها. والحق أيضاً أن نفسه كانت منقسمة لأن رغبته في الاستزادة من العلم والتعليم كانت ما تزال بعد قوية فيه. فقام وارتحل، ولو إلى حين. ثم أخذ ينتقل بين القسطنطينية وفلاخيا والبندقية، يتعاطى البحث والتنقيب في دنيا الكتب، معلماً ومتعلماً. وبدا له، أول أمره، كأنه أصاب مرامه، وقد سحرته بطون المعاجم والمخطوطات. لكن وهج العلم في نفسه ما لبث أن خبا بعد أن أخذت تنجلي لناظريه حقيقة، طالما قمعها، أن العلم وإن كان يشير إلى ما يروي ظمأ العطاش إلى الحق فلا شبع منه يرتجى. يعطيك كلمات في الهواء ولا يعطيك الكلمة الذي هو وحده الطريق والحق والحياة. إذن، لم يبق أمامه غير النسك والتأمل طريقاً سبق له أن ذاق طيباتها في الجبل المقدس (آثوس) وعبر مزهواً بوعود العلم. والآن، وقد استفاق، حان أوان النسك من جديد، ولكن، هذه المرة، حتى الثمالة.
وعاد ايروثيوس إلى دير ايفيرون. عاد موّحد الفكر، مجموع القلب، حار النفس. عاد لينكب على العلم الحي، على الصلاة والنسك والطاعة والصبر والاتضاع وقطع المشيئة والمحبة. وقد ثبت وصمد فبلّغه الكلمة الابن المعرفة اليقين: محبة تطرد الخوف ونوراً غير مخلوق يملأ الكيان وصلاة نقية.
سيم ايروثيوس كاهناً وترك الجبل المقدس لبعض الوقت، أباً “روحياً” لكثيرين ومعلماً يشهد لما رأى وسمع. ثم أنه اعتزل وثلاثة من رفاقه، ناسكاً في إحدى الجزر القاحلة ليتسنى له الاستغراق في حياة التأمل، في العلم الكامل الذي لا حدّ له، الذي طالما تحرّق إليه. رقد بسلام في الرب عام 1745، ولم يكن قد بلغ الستين. وقد فاحت من رفاته رائحة الطيب وجرت بواسطته عجائب عدة، وشفى بعض المرضى من أمراضهم.