في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
✵أبونا الجليل في القدّيسين نيقيفوروس الـمُعتَرِف بطريرك القسطنطينيّة ✵الشّهيد في الأبرار إيرازموس جبل لبنان ✵الشّهداء الثّمانية والثّلاثون ✵الشّهداء الأمّ وأولادها الثّلاثة ✵القدّيس البارّ مارينوس القسطنطينيّ ✵الشّهيد الجديد يوحنّا حامي مولدافيا ✵الجديد في الشّهداء ديمتريوس الفيلادلفيّ ✵الجديد في الشّهداء قسطنطين المسلم المهتدي ✵الشّهيد بوتين الليّوني ✵الشّهيدان مرسلّينوس وبطرس ✵القدّيسان البارّان زبولون وسوزانا ✵القدّيسة الأميرة يوليانا الرّوسيّة.
* * *
✤ أبونا الجليل في القدّيسين نيقيفوروس الـمُعتَرِف بطريرك القسطنطينيّة ✤
وُلد في القسطنطينيّة حوالي العام 758 م. خلال حملة الإمبراطور قسطنطين الزّبلي الإسم على الإيقونات ومكرّميها. كان والده ثيودوروس حافظ الأسرار الأوّل في القصر الملكيّ. خسر وظيفته ونُفي إلى نيقية لتمسّكه بالأرثوذكسيّة. هناك قضى بقيّة أيّامه. أوكلته أمّه، أفذوكيّا، إلى أحد حفظة الأسرار في القصر تلميذًا ثمّ اعتزلت في أحد الدّيورة.
حصّل نيقيفوروس قسطًا وافِرًا من العلوم الدّنيويّة. صار حافظًا أوّل للأسرار، نظير أبيه، للإمبراطور الشّاب قسطنطين السّادس (780 – 797 م.) وأمّه إيريني، الوصيّة على العرش. لعب دورًا فاعِلًا في المجمع المسكونيّ السّابع في نيقية (787) بصفة مُفوّض إمبراطوريّ.
بعدما استُعيدت الأرثوذكسيّة، ولو بصورة مؤقّتة، خرج نيقيفوروس من الحياة العامّة. اعتزل في أقصى البوسفور، على الضّفّة الآسيويّة، في ضاحية أغاثو حيث أسّس ديرًا. انكبّ على الصّلاة والدّرس ليل نهار. بنتيجة ذلك اقتنى معرفة عميقة بكلمة الله وكانت الفلسفة وعلم البلاغة أداة طيّعة بين يديه. جعلته سيرته وزهده متواضع القلب وجعلت العلم لديه مجالًا للشّكران والتّقدُّم في الفضائل الإنجيليّة. استبان أرستقراطيًّا لامِعًا وعلّامَةً مُقتدرًا. كان حرًّا مِنْ كلّ ارتباط بالعالم، وديعًا، معتدلًا، ودودًا، أبعد مِنْ أن يَسلك في المجد الباطل.
تولّى البطريركيّة إثر وفاة القدّيس تراسيوس (+805 م). كان يومها من العامَّة وتمنّع. صُيِّر راهبًا ثمّ تبوَّأ الدَّرجات الكهنوتيّة خلال بضعة أيّام. سيم بطريركًا يوم الفصح من السّنة 806 م. إثر ذلك وضع على مذبح كنيسة الحكمة المُقدّسة كتابًا كان قد ألّفه دفاعًا عن الإيقونات المُقَدَّسَة.
ترفيعه من العاميّة في الموقع إلى البطريركيّة لم يكن بلا ذيول. القدّيسان أفلاطون وثيودوروس السّتوديتيّ ناهضاه. وقد ازداد التّوتّر حدّة بعدما رضي البطريرك الجديد باستعادة يوسف إلى الدّرجة الكهنوتيّة. هذا كان القدّيس تراسيوس قد حرمه بعدما بارك زواج الإمبراطور قسطنطين السّادس خلافًا للقانون الكنسيّ. قطع رهبان ستوديون الشّركة مع البطريرك ولم تعد المياه إلى مجاريها إلّا بعدما تولّى ميخائيل الأوّل زمام الحكم سنة 811 م. وبعدما رضي نيقيفوروس باستبعاد يوسف عن الكهنوت من جديد.
فترة الهدوء المؤقّت الّتي تلت كانت لقدّيسنا فرصة عمل خلالها، بالإضافة إلى دفاعه الثّابت عن الإيقونات، على ضبط العديد من الممارسات الكنسيّة الّتي وقعت في الشَّطَط كالزّواج والحياة الرّهبانيّة. تلك الفترة لم تدم طويلًا. فبعدما أُصيب الإمبراطور ميخائيل بنكسة في حربه ضدّ البلغار واعتزل العرش ليقتبل الحياة الرّهبانيّة، خلفه لاون الأرمنيّ سنة 813 م. لم تَبِنْ نزعة العاهل الجديد إلى مُحاربة الإيقونات إلّا بعدما جعل البطريركُ التّاج على رأسه. فلم يمضِ يومان على ذلك حتّى أصدر لاون أمرًا قضى فيه بالحكم على الإيقونات ومكرّميها. دعا نيقيفوروس إلى الصّوم والصّلاة عسى أن يجنِّب الرَّبّ الإله كنيسته مِحنَة جديدة. تحرّك البطريرك بدا لعيني لاون مُريبًا فاتّهمه بإثارة الشَّغب. ردّ عليه القدّيس فاتّهمه بإقلاق الكنيسة وإنفاذ سمّ الهرطقة فيها. كان لنيقيفوروس مع الإمبراطور حوار لاهوتيّ بعدما استحضره. لكنْ لم يُجْدِ الكلام نفعًا.
نجح لاون في اجتذاب عدد من الأساقفة والكهنة. هؤلاء، مع لاهوتيّين مُناهضين للإيقونات، حاولوا حمل البطريرك على الإذعان. وإذ لم يُجْدِ النّقاش نفعًا عمد نيقيفوروس إلى إيقاف الإكليريكيّين المستغرقين في الهرطقة عن الخدمة. كما حرّر رسائل إلى الإمبراطورة والوزراء حاثًّا على حقن الدِّماء.
خلال الصّوم الكبير مرض القدّيس واشتدّ المرض عليه، فاستغلّ الإمبراطور الفرصة وانتزع من يده إدارة صندوق الكنيسة العظمى. ثمّ جمع مجمعًا مُناهِضًا للإيقونات استدعى نيقيفوروس. دافع القدّيس عن الإيمان القويم ولكنْ عبثًا لأنّ قرار التَّخلّص منه كان سبّاقًا. وفي ليل الثّالث عشر من شهر آذار انتزعه الجند من سرير ألمه ونقلوه في مركب إلى دير أغاثو محتجزًا. دير أغاثو هو الدَّير الّذي أنشأه رجل الله وقضى فيه سني رهبانيّته المُبكّرة. بعد ذلك أبعدوه إلى دير آخر سبق فأسّسه هو دير القدّيس ثيودوروس. خلال ذلك أرسل البطريرك من ذاته، إلى الإمبراطور، رسالة تنازل فيها عن سدّة البطريركيّة. جعل لاون مكانه المدعو ثيودوتوس كاسيتيراس، وهو عدوّ لدود للإيقونات ومُكرّميها. هذا دعا إلى مجمع أساقفة هراطقة ليثبِّت قرارات مجمع هياريا (754 م). بنتيجة ذلك حُرّم رسميًّا إكرام الإيقونات وقُطع تراسيوس ونيقيفوروس واندلعت حملة جديدة ضدّ المعترفين بالإيقونات في كلّ الإمبراطوريّة.
استمرّت هذه الحالة إلى أن جرى اغتيال لاون وتولّى الحكم ميخائيل الثّاني سنة 820 م. وبناء لاقتراح نيقيفوروس أُعلنت قرارات المجامع المناهضة للإيقونات باطلة واستُدعي من المنفى القدّيس ثيودوروس السّتوديتي والمُعترفون الآخرون… على أنّ القوانين الخاصّة بمنع إكرام الإيقونات بقيت نافذة وكذلك منع الدّخول إلى المدينة المتملّكة على مكرّمي الإيقونات. في تلك الأثناء تمّت مُصالحة القدّيس نيقيفوروس والقدّيس ثيودوروس السّتوديتي. وقد وصف ثيودوروس البطريرك القدّيس بـ “شمس الأرثوذكسيّة” مُعتبرًا أشعة اعترافه مُضيئة في العالم كلّه.
اشترط ميخائيل الثّاني على نيقيفوروس، لإعادته إلى كرسيّه، أن يحفظ الصَّمت بشأن الإيقونات المقدّسة ومجمع نيقية الثّاني. جواب القدّيس كان الرّفض القاطع وإيثار البقاء في المنفى. وقد تسنّى لرجل الله أن يحرّر مقالات مهمّة في إكرام الإيقونات وهو في المعتزَل. نفى نيقيفوروس أن تكون إيقونة المسيح صورة وثنيّة دنسة للطّبيعة الإلهيّة غير المحصورة كما زعم اللّاهوتيّون المناهضون للإيقونات، بل هي صورة ذات علاقة شَبَه بشخص أو أقنوم المسيح، وهو الإله غير المنظور الّذي جعل نفسه منظورًا بالتّجسّد، فيما بقي غير محصور في لاهوته.
جاهد نيقيفوروس الجهاد الحسن إلى المنتهى، إلى أن رقد بالرَّبّ في 2 حزيران من سنة 829 م. بعد أربعة عشر عامًا مِنَ المَنفى. دُفن في ديره وبقي هناك إلى أن جرى نقله إلى القسطنطينيّة، إلى كنيسة القدّيسين الرُّسل، فكانت عودته إيذانًا بانتصار الأرثوذكسيّة.
ملاحظة: يُعيَّد له في الغرب في 13 آذار وأوّل حزيران.