في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيسان الرّسولان ياسون وسوسيباتروس. *الشُّهداء أفسافيوس وزينون وفيتاليوس وناون. *الشُّهداء الإثنان والعشرون. *الشُّهداء أغابيوس ورفقته. *القدّيس البارّ دانيال جيرونا الإسبانيّ. *القدّيس ديشو الإيرلنديّ. *القدّيس ساويروس نابولي الصّانع العجائب. *الشَّهيد توربيز بيزا. *القدّيس البارّ يوحنا كالوكتينوس الرَّحيم. *القدّيس البارّ نيقيفوروس سيبازي. *القدّيس البارّ فياخنا الإيرلنديّ. *القدّيس البارّ باسيليوس الصّربيّ. *الجديد في الشُّهداء ستانكو الرّاعي. *القدّيس البارّ نكتاريوس أوبتينا الرّوسيّ المعترف.
* * *
✤ القدّيس البارّ نكتاريوس أوبتينا الروسي المعترف (+1928م)✤
وُلد في بلدة يالتز لأبوين فقيرين سنة 1857/1858م. اتّخذ، في المعمودية، اسم نيقولاوس. رقد أبوه وهو في السابعة. كان لامعاً وأحبّ العلم لكن الفقر حدّه بمدرسة القرية. يُروى عنه أنه كان يلعب، مرّة، بقرب أمّه. وكانت، في الجوار، قطّة عيناها تلمعان. فأمسك بإبرة وفكّر بشك عين الحيوان ليرى ما الذي كان يُحدث فيها هذا اللمعان. لكن أمّه ضربته على يده وقالت له: “يا لك من ولد خبيث! لو كنت لتجسر على فقأ عين القطّة لحكمت على نفسك بأن تخسر، فيما بعد، إحدى عينيك!” بعد ذلك بسنوات، لما صار راهباً تذكّر هذه الحادثة. فإنه أتى، مرّة، إلى بئر الإسقيط وكانت معلّقة فوق البئر مِغرفة حادّة الطرف. وإن راهباً آخر كان حاضراً، ولم يلاحظ نكتاريوس، رفع المِغرفة بطريقة أدنت طرفها الحاد من عين القدّيس وجعلتها على بعد سنتمترات منها. في تلك اللحظة بالذات انتبه القدّيس وتمكّن من دفع المِغرفة عن وجهه. إثر ذلك قال: “لو كنت قد فقأت عين القطّة، في ذلك الحين، لخسرت عيني”. وأردف: “هذا كان تذكيراً لي، أنا غير المستحق، ان كل شيء في الحياة، من المهد إلى اللحد، يأخذه الربّ الإله بعين الجدّ “.
كان نيقولاوس متعلِّقاً بأمّه، في طفوليته. وقد أنشأته على الصرامة المقرونة بالمحبّة. لكنها غادرته إلى ربّها باكراً. عمل بدءاً من السنة الحادية عشرة، من عمره، في محل تجاري. كان هادئاً، مصلّياً، محبّاً للقراءة، وكان وسيم الطلعة. لمّا بلغ الثامنة عشرة أحبّ صاحب المحل، واسمه خاموف، أن يزوّجه ابنته. نيقولاوس نفسه مال إلى الصبيّة. في ذلك الحين كانت في يالتز امرأة مسنّة بارّة بلغت المائة، وكانت تحمل الإسكيم الرهباني، وهي ابنة روحية للقدّيس تيخون زادونسك. سكان يالتز كانوا يذهبون إليها لاستشارتها في شؤون حياتهم. فأوعز التاجر إلى نيقولاوس أن يذهب إليها ويسأل بركتها في أمر زواجه من ابنته. فلما جاء إليها قالت له: “أيها الشاب، اذهب إلى أوبتينا، إلى الأب هيلاريون، وهو يقول لك ما يناسبك أن تفعله”. ثم رسمت عليه علامة الصليب فقبّل يدها وعاد إلى مخدومه وأطلعه على ما قالته له ثيوكتيستا، المرأة البارّة. فلم يعترض التاجر بل أعطاه مالاً وأرسله إلى أوبتينا. مذ ذاك لم يعد نيقولاوس إلى القرية ولا رأى عروسه الموعودة. فإنه وصل إلى أوبتينا خلال العام 1876 وليس معه، في كيسه، سوى إنجيل. فأرسله الأب هيلاريون إلى الشيخ أمبروسيوس الذي استقبله للحال وتحدّث إليه على مدى ساعتين. لم يُعرف ماذا جرى في هذا اللقاء. جلّ ما بات معروفاً أن نكتاريوس قرّر ملازمة الإسقيط ولمّا يبرحه إلى بيته في يالتز ولا ليوم واحد بعد ذلك. صار راهباً. أوّل عمل طاعة له كان الاهتمام بالزهور ثم صار خادماً للهيكل. قلاّيته كانت مقابل الكنيسة. بقي فيها خمساً وعشرين سنة لم يكلّم خلالها أحداً من الرهبان. فقط كان يذهب إلى الستاريتز أناتوليوس أو الستاريتز أمبروسيوس. سلك في الطاعة بأمانة كبيرة. اقتبل الإسكيم الرهباني سنة 1887. سيم شمّاساً سنة 1894 فكاهناً سنة 1898. مذ ذاك نادراً ما كان يغادر قلاّيته. ولأحد عشر عاماً، بعد ذلك، كان يغطّي نوافذ قلاّيته بورق أزرق. اعتاد أن يقول إن للراهب منفذَين من القلاّية، منفذاً إلى الكنيسة ومنفذاً إلى القبر. لكنه خلال هذه السنوات كان يدرس ويقرأ. لم يقرأ الآباء القدّيسين وحسب بل درس العلوم أيضاً والرياضيات والتاريخ والجغرافيا والآداب الكلاسيكية، الروسية وغير الروسية معاً. كان يتحدّث إلى زائريه عن بوشكين وشكسبير وميلتون وكريلوف وسبيغلر ودانتي وتولستوي ودوستويفسكي. كما درس اللاتينية والفرنسية. وتعلّم الرسم من بولوتوف الذي ترهّب وأسّس مشغلاً لرسم الإيقونات في أوبتينا. خلال سنوات الدرس والنمو الروحي هذه، أخذ نكتاريوس يقتبل التباله من أجل المسيح. فإنه كان يلبس سترات ملوّنة لامعة فوق غمبازه. كل طعامه كان يخلطه خلطاً في وعاء واحد، المخلّل مع الحلو مع المالح. وكان يسير خارج قلاّيته لابساً جزمة في إحدى قدميه وخُفّاً في قدمه الثانية. وقد أثار تعجّب بقيّة الرهبان بالأكثر، حتى لما صار شيخاً، بما كان لديه من ألعاب. فإنه كان لديه لِعَب من سيارات ومراكب وقطارات وحتى طائرات. سنة 1913 اجتمع الرهبان في أوبتينا لاختيار رئيس عليهم، فاختاروا نكتاريوس. لم يكن هو حاضراً، فأرسلوا في طلبه، فحضر وهو يلبس الجزمة والخفّ. فلما أبلغوه اختيارهم بادرهم: كلا يا آبائي وإخوتي! أنا غبي ولا يمكنني أن أحمل مثل هذا الحمل. فأصرّوا عليه فرضخ. واعتاد أن يقول: أي نوع من الشيوخ أنا؟ كيف يمكنني أن أكون وريث الشيوخ الأوائل؟ ضعيف أنا وهزيل. لقد أتتهم النعمة بأرغفة كبيرة، أما لي فبشرائح قليلة. هذا وقد شُهد له أنه كانت له بصيرة حسنة ويتنبّأ ويصنع المعجزات. في العام 1917 تنبّأ أن أوقاتاً صعبة آتية وأن العدد ستة قد خرج إلى العالم، وأن العدد سبعة قد بدأ. الآن مطلع زمن الصمت. اصمتوا. اصمتوا! قال هذا وبكى. وعن القيصر تنبّأ أنه سيُقتل هو وأفراد عائلته وأنه سيقف أمام عرش الديّان كشهيد. قال: علينا أن نصلّي. بالصلاة وكلمة الله كل نجاسة تتنقّى. لا تقدر النفس أن تتصالح والحياة. فقط بالصلاة تتعزّى. من دون صلاة تموت النفس عن النعمة. عن المزامير الستة كان يقول: لا يجوز أن تُقرأ ككاتزماتات مزامير بل كصلوات. فإن معنى المزامير الستة عميق. إنها صلاة ابن الله لأبيه. لإحدى بناته الروحيات قال: يأتي وقت وهو قريب تكون فيه مجاعة للكتب. اشتروا كتباً الآن لأنكم لن تتمكنّوا، فيما بعد، من شرائها وبأي ثمن. سألوه مرّة كيف نصلّي من أجل مَن لا نعرف ما إذا كانوا بعد أحياء أو أمواتاً. فأجابهم: لا تضلّون إذا صلّيتم من أجلهم كما من أجل الأحياء لأن الجميع أحياء عند الله. الجميع ما خلا الهراطقة والذين خانوا الإيمان. هؤلاء قد ماتوا، وبإمكانكم أن تذكروهم كأموات. وفي مناسبة أخرى قال: عندما تستعدّون لسرّ الشكر قلّلوا الكلام وأكثروا الصلاة. كثيراً ما كان يحدث لرجل الله أن ينوِّه إلى أمر على وشك أن يحدث بطريقة رمزية. الأسقف ثايوفانس كالوكا لم يكن يؤمن بقداسة الشيخ. فلما زار أوبتينا وذهب إليه لم يبالِ الشيخ به وشغل نفسه ببعض الألعاب التي سبق لأولاد أن قدّموها له. فأمر الشيخ بأن توضع واحدة من هذه الألعاب في السجن، لفترة معيّنة، وأخذ لعبة أخرى وضربها وعاقب ثالثة. فلما رأى الأسقف ذلك قال عنه إنه مجنون. ولكن لما قبض البلاشفة على الأسقف وألقوه في السجن فهم ما أراد القدّيس نكتاريوس أن يقول له. سنة 1923، قبل الفصح، عمد البلاشفة رسمياً إلى إقفال دير أوبتينا. الكنائس خُتمت بالشمع الأحمر وقبور الشيوخ دُنِّست، وحُوِّل المكان إلى منتجع للطبقة السوفياتية العليا. أما الأب نكتاريوس فأُوقف في مستشفى سجن كوزلزك. وبعدما غادر السجن أقام في منزل أحد الفلاّحين في ناحية بريانسك. الحياة هناك كانت صعبة للغاية رغم أن العديد من أبنائه الروحيّين كانوا يأتون إليه. وقد هدّدته السلطات بالنفي إن استمرّ في استقبال الناس. كذلك ورد في شأنه أنه كانت عنده موهبة شفاء المرضى. حافظ نكتاريوس على الأمانة إلى المنتهى وبقي يستقبل الناس رغم تهديد السلطات وترويعها له. أخيراً رقد في الرب في 29 نيسان من العام 1928. كان قد عرف بساعة موته سلفاً وزوّد خاصته بإرشادات موافقة. وبعد رقاده أخذ يظهر للعديد من أبنائه الروحيّين. نقلت رفاته إلى منسك أوبتينا في 16 تموز 1989. صلاته تنفعنا، آمين.