Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

*عيد رفع الصَّليب الكريم المحيي. *أبينا الجليل في القدّيسين يوحنّا الذّهبيّ الفم، رئيس أساقفة القسطنطينيّة. *القدّيسة البارّة مريم الطّرسوسيّة. *الآباء الّذين اشتركوا في المجمع المسكونيّ السّادس. *القدّيسة الملكة بلاسيلا. *الشَّهيد باباس(بابا). *القدّيس ثيوكليس. *القدّيس فاليريانوس الفتى. *الجديد في الشّهداء مكاريوس التّسالونيكيّ.

القدّيسون الآباء الذين اشتركوا في المجمع المسكوني السادس (680 – 681)‏

التأم هذا المجمع في القاعة السرية المدعوة تروللو في القصر الملكي في مدينة القسطنطينية في 7 تشرين الثاني سنة 680 م، أيام الأمبراطور البيزنطي قسطنطين الرابع المعروف باللحياني، واختُتم، بعد ثماني عشرة جلسة، في 16 أيلول سنة 681. اهتمّ المجمع بدحض البدعة القائلة بأنّ للمسيح مشيئة واحدة وعملاً واحداً. وقد وقّع على محاضر الجلسات الأخيرة للمجمع مئة وأربعة وسبعون أباً، كما تمثّلت الكراسي الخمسة كلها. من أبرز الذين حضروا البطريرك جاورجيوس القسطنطيني، وثلاثة نواب عن البابا أغاثوس، وممثل عن بطريرك الإسكندرية، وآخر عن بطريرك أورشليم. كما اشترك فيه ثلاثة أساقفة غربيون كانوا، آنذاك، عابرين بالقسطنطينية. وقد أدان المجمع بالقطع كل الذين نادوا ببدعة المشيئة الواحدة والفعل الواحد وكتبوا فيها وعلّموا. ومن أبرز هؤلاء بطاركة القسطنطينية السابقون سرجيوس وبيروس وبولس وبطرس، وهونوريوس، بابا رومية، وكيروس، بطريرك الإسكندرية، ومكاريوس، بطريرك أنطاكية. أما الآباء المعترفون الذين يعود إليهم الفضل الأكبر في تحديد التعليم القويم بشأن المشيئتين والفعلين فمن أبرزهم القدّيس صفرونيوس الدمشقي، بطريرك أورشليم (+ 638) والقدّيس مكسيموس المعترف (+ 662).

وقد حدّد المجمع في جلسته الثامنة عشرة تعليم الكنيسة الأرثوذكسية على النحو التالي:

“نصرّح أنّ في المسيح مشيئتين طبيعيتين وفعلين طبيعيين بلا انقسام أو تحوّل او انفصال أو اختلاط حسب تعليم الآباء القدّيسين. وهاتان المشيئتان الطبيعيتان لا تعارض إحداهما الأخرى (لا سمح الله) كما يزعم بإصرار المبتدعون الجاحدون. فمشيئته البشرية تخضع بدون مقاومة أو تلكؤ للمشيئة الإلهية الكلية القدرة. إذ كان يجب أن يتحرّك الجسد ويعمل ولكن بخضوع للمشيئة الإلهية كما قال أثناسيوس الجزيل الحكمة. وكما أنّ جسده دعي جسد الله الكلمة، هكذا مشيئة جسده الطبيعية تدعى مشيئة الله الكلمة كما قال هو نفسه: “قد أتيت من السماء لا لأفعل مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني”. فهنا يسمّي مشيئة جسده مشيئته الخاصة بما أنّ الجسد جسده أيضاً. لأنّه كما أن جسده المقدّس الطاهر الحيّ لم يَفْنَِ لأنّه قد تألّه بل بقي كما هو في طبيعته الخاصة، هكذا مشيئته البشرية، وإن تكن قد تألّهت لم تُلغَ بل بالأحرى قد انحفظت كما قال غريغوريوس اللاهوتي: “إنّ مشيئة المخلّص ليست معاكسة لمشيئة الله بل قد تألّهت بكليتها”.

وإنّنا نمجّد فعلَين طبيعيَّين في ربّنا يسوع المسيح إلهنا الحقيقي نفسه، فعلَين غير منقسمين وغير مختلطين وغير منفصلين، نعني بذلك فعلاً إلهياً وفعلاً بشرياً حسب قول الواعظ الإلهي لاون الذي يؤكّد بكل صراحة هكذا: “إنّ كل طبيعة تعمل بالشركة مع الأخرى ما يختص بها أي أنّ الكلمة يعمل ما يختص بالكلمة والجسد يعمل ما يختص بالجسد”. لأنّنا لا نسلم بعمل طبيعي واحد في الله وفي المخلوق، كما أنّنا لا نرفع إلى الجوهر الإلهي ما قد خلق ولا نحط من قدر مجد الطبيعة الإلهية إلى درجة معادلة للمخلوق.

إنّنا نعترف بصدور العجائب والآلام من الشخص الواحد نفسه، ولكنّنا نعترف بها إما لهذه الطبيعة أو للطبيعة الأخرى اللتين هو كائن بهما كما يقول كيرللس قولاً مقبولاً. وهكذا إذ نحفظ عدم الاختلاط وعدم الانقسام نقدّم باختصار هذا الاعتراف كله مؤمنين بأنّ ربّنا يسوع المسيح هو أحد أقانيم الثالوث الأقدس وهو بعد التجسّد أيضاً إلهنا الحقيقي. ونقول إنّ طبيعتيه ظهرا بجلاء في أقنومه الواحد الذي به أتمّ العجائب واحتمل الآلام في كل مدة تجسّده التدبيري، وإنّ ذلك لم يكن حسب الظاهر فقط بل بالفعل والحقيقة وذلك بسبب اختلاف الطبيعتين الواجب الاعتراف بهما في الأقنوم نفسه، لأنّه وإن اجتمعت الطبيعتان معاً، فكل طبيعة منهما تشاء وتعمل ما يختص بها وذلك بدون انقسام وبدون اختلاط أو امتزاج. ولذلك نعترف بمشيئتين وفعلين متوافقين على أحسن نظام لخلاص الجنس البشري…”.

ومن المهم أن نوضح في هذا الإعلان أنّ المشيئتين والقوّتين في المسيح تُدعيان طبيعيتين ولا تُدعيان أقنوميّتين، لأنّنا إذا دعوناهما هكذا اضطررنا أن ننسب للثالوث القدّوس ثلاث مشيئات وثلاث قوى. وليس للثالوث القدّوس إلاّ مشيئة واحدة وفعل واحد لأنّه ليس له غير طبيعة واحدة هي الطبيعة الإلهية. أما المسيح فله مشيئتان وفعلان لأنّه ذو طبيعتين إلهية وإنسانية.

ومن المفيد أن نذكر أنّ بدعة الفعل الواحد في المسيح قد جرى إعلانها عام 624 م برعاية الأمبراطور البيزنطي هرقل الذي توخّى الوصول إلى صيغة عقيدية تكون مقبولة لدى أصحاب الطبيعة والطبيعتين معاً. ولا يخفى أن الهمّ الأول للأمبراطور كان سياسياً لأنّ الخلافات العقيدية أدّت إلى تفكّك سياسي خطير في الأمبراطورية في الوقت الذي أخذ الضغط الفارسي يتزايد على الأمبراطورية، متبوعاً بالضغط الإسلامي العربي. إلاّ أنّ الصيغة المطروحة وإن حظيت بموافقة بعض الأطراف، لكنّها أثارت مزيداً من الجدل والبلبلة حتى إنّ الأمبراطور هرقل أصدر في العام 638 م مرسوماً منع فيه البحث في موضوع الفعل والفعلين في المسيح. فقط بأنّ للمسيح مشيئة واحدة. ومع أنّ الأمبراطور وضع كل ثقله في الميزان إلاّ أنّه لم يتمكّن من وضع حد للخلافات القائمة. وقد ظلّت الأمور على هذه الحال إلى أن جرى حسمها في المجمع المسكوني السادس (680 – 681 م) الذي تحتفل الكنيسة اليوم بذكرى الآباءª الذي اشتركوا فيه.

ª   من الآباء الأنطاكيين الذين حضروا هذا المجمع: ثاوفنيس، بطريرك أنطاكية، ثاودوروس، أسقف طرسوس، استفانوس، أسقف عين زربة، كوميطا، أسقف صور، أولمبيوس، أسقف بانياس، يوحنّا، أسقف أضنة، ثاودوروس، أسقف بيروت.

مواضيع ذات صلة