في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدٍّيسون الشّهداء ميناس وهرموجانيس وأفغرافوس. *الشّهيد جميلوس. *القدٍّيس البارّ توما البثينيّ. *الشّهيد في الكهنة ثيوتكنوس. *الشّهيد مريانوس. *الشّهيد أفجانيوس.
* * *
✤ القدٍّيس البارّ توما البيثينيّ (القرن 9 م)✤
نشأ في جوار جبل كيمينا في بيثينيا لعائلة تقية. جبل كيمينا كان في ذلك الزمان مركزاً رهبانياً عامراً وهو قريب من جبل الأوّليمبوس، جبل الرهبان المميز قبل ازدهار جبل آثوس. كان والد توما يتردد على الرهبان ويأخذ ولده معه. وهكذا تسنى لتوما أن يطلع على المبادئ الأوّلية للحياة الرهبانية وانطبعت في نفسه صورة الرهبان على ما فيها من فقر وصلابة ووداعة ودماثة وإقبال على حياة الصلاة. كل هذا أثر فيه فأخذ يقتدي بالرهبان. من حيث يدري ولا يدري. وحفظ كتاب المزامير والرسائل عن ظهر قلب، وفي الوقت المناسب انضم إليهم. وحدث أن واحداً من أغنياء القسطنطينية شاء أن يشيد ديراً لمجد الله وخلاص نفسه. فاستطلع رأي أسقف تلك الناحية في راهب مجد يصلح لأن يكون رئيساً لهذا الدير. وكان أن أوصى الأسقف بتوما. اهتم توما بقطيع الرهبان، في الدير الجديد، زمناً. وقد ازداد قسوة، في النسك، على نفسه ملتمساً العزلة قدر استطاعته مستغرقاً في السهر والصلاة. معطياً نفسه قدوة في الهدوء والتواضع. والرهبان يتعلمون من مرأى شيوخهم وأتعابهم أكثر مما يتعلمون من كلامهم. وكان توما حريصاً على التواري بحيث لا يدري بأمر جهاداته أحد من الناس. ولكن كلما يهرب من الناس وأمجاد الناس كلما كانوا يتهافتون عليه لينعموا بدفء حضوره. أخيراً خشي على نفسه وعلى خلوته فعيّن للإخوة في الدير رئيساً بدلاً عنه وانصرف إلى عزلته. ولكن لم يلبث تلاميذه أن لحقوا به وأعادوه إلى ديره بعدما وعدوه بأن يجعلوا له قلاية منعزلة فيتسنى له أن يجمع بين الخلوة وإرشاد الإخوة دون سائر اهتمامات الدير. استقر توما في منسكه بسلام إلى حين، ثم لم يلبث عدو الخير أن شن عليه حرباً لا هوادة فيها. إراد أن يكسر مقاومة حبيب الله ويبطل عليه جهاداته بأي طريقة. وهكذا على مدى ثلاث سنوات سلط الشرير على توما الناسك بعوضاً لا ينقطع ليلاً نهاراً، كان يلسعه باستمرار حتى تغيرت هيئته. ثم بعد البعوض حرّك عليه الذباب ثم النمل فكان يذيقه عذاباً مريراً دون أن يتمكن من صرفه عن قلايته أو أن يقطع عليه صلاته المتواصلة أو يفسد عليه نظام حياته. كان توما، في سعيه، شهيداً يومياً بكل معنى الكلمة. وقد دامت حاله على هذا النحو تسع سنوات. ولما أدرك الشرير عقم تدابيره على توما، سلط عليه الحيّات السامة وكثرها حتى ملأت على حبيب المسيح قلايته، فعاد لا يقدر أن يجلس إلا ليجدها بين رجليه ولا يحرك غرضاً من أغراضه في القلاية إلا ليجد إحداها قابعة تحته. كل هذا ولم يتزحزح توما عن ثباته ولا خار ولا فقد رجاءه بعون الله له. أحدى عشر سنة إضافية قضاها قديس الله على هذا المنوال. ثم ذات يوم فيما كان يقيم الذبيحة الإلهية، إذ كان كاهناً، وكان أحد تلاميذه معه، انقض عليه الشرير من ورائه على مهل بهيئة وحش ضخم شبيه بثور دميم. فلما وقع نظر التلميذ عليه ارتعدت فرائصه ونربط لسانه وتجمد الدم في عروقه، فيما تابع رجل الله صلاته بسكون، مستغرقاً في الله. واستدار توما فرأى الوحش مستعداً للانقضاض عليه ورأى تلميذه منبهراً مرتعداً فاستدعاه إليه، إلى داخل الهيكل، ثم خرج هو باتجاه الوحش دونما اضطراب. وإذ دنا منه حاول الوحش أن يعضه. فما إن مسّ هدب ثوبه حتى شبّت فيه النار فارتد إلى الوراء وولى الأدبار باحثاً عن هوّة يلقي فيها نفسه ويتوارى. في تلك الأثناء أشرق وجه قديس الله بالنور غير المخلوق. لقد خسئ الشيطان وخابت أحابيله. أما الحيّات التي كانت تملأ القلاية فهلكت للحال وأكلتها أسراب العصافير. مذ ذاك سكن في قلب القدٍّيس سلام لا ينطق به ومنّ عليه الرب الإله بالقدرة على صنع العجائب والتنبؤ بالمستقبلات. فصارا لناس يأتون إليه من كل حدب وصوب يلتمسون لديه المشورة والتعزية والشفاء. وإن الإمبراطور البيزنطي لاون السادس شاء أن يجربه فأرسل إليه برسالة يسأله فيها عن أمر يخصه فأعاد القدٍّيس إليه الرسالة مع الجواب عليها دون أن يفضها. بعد ذلك، ازداد إقبال الناس على القدٍّيس فوق الطاقة. فقام القدٍّيس وانصرف إلى مكان قفر. ولم يعد ينزل إلى الدير إلا إذا كان أحد الإخوة بخطر. على هذه الحال استمر قديسنا إلى أن رقد بسلام في الرب ممتلئاً أياماً.