في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهيد في الكهنة هيباتيوس العجائبيّ، أسقف غنغرة *أبينا الجليل في القدّيسين أكاكيوس الأنطاكيّ المعترف *القدّيس البارّ بلاسيوس الفيرجي *الشّهيد ميناندروس *الشّهداء الثّمانية والثّلاثون *القدّيس البارّ استفانوس العجائبيّ *القدّيس البارّ هيباتيوس الطّبيب الكييفيّ *أبينا الجليل في القدّيسين يونان متروبوليت كييف وكلّ الرّوسيّا *أبينا الجليل في القدّيسين إينوكنديوس متروبوليت موسكو ومنير آلاسكا وسيبيريا.
* * *
✤ تذكار أبينا الجليل في القديسين إينوكنديوس متروبوليت موسكو ومنير آلاسكا وسيبيريا (1879م)✤
من إحدى قرى مقاطعة إيركوتسك السّيبيرية. صاحب ذكاء حاد. ممتلئ نشاطًا وحيوية منذ الطّفولية . ماهر في ممارسة الحِرف على اختلافها كالنّجارة وتصليح السّاعات وغير ذلك الكثير. تزوّج ورُزق ستة أولاد. سيم كاهنًا وجُعل على رعية في إيركوتسك. سنة 1823 طلب المجمع مرسَلًا متطوعًا إلى الألاسكا. بتدبير الله روسيٌ عاش في الألاسكا وعاد إلى بلاده بعد زمان طويل نقل إلى القديس، وكان اسمه يومذاك يوحنا، كم كان الأليوت في آلاسكا على تقى وكم هم مشتاقون إلى سماع كلمة الله . كلمات ذلك المهاجر كما لو كانت كلامًا من عند الله حرّكت قلب الكاهن فتلظّت الغيرة الرّسولية في كبده وقرّر الانتقال إلى آلاسكا فانتقل وعائلته. بعد سفر عبر سيبيريا طال ، أربعة عشر شهرًا، بلغ المهاجرون الجدد جزيرة أونالاسكا. هناك كانت كنيسة صغيرة خربة مهملة. ومع أن العديد من سكان الجزيرة كانوا معمّدين بيد القدامى من المرسلين فإنهم غرقوا في الجهل لعدم وجود رعاة يرعونهم. عمد يوحنا أولًا إلى بناء كنيسة بيديه وبمساعدة السّكان المحليّين الّذين علّمهم أصول البناء وكلمة الله في آن. وإذ كان رجلًا صبورًا محبًّا فإنه إثر احتكاكه بالأليوت تعلّم لغتهم بسرعة فائقة وأخذ يُعدّ ترجمات لنصوص ليتورجية وقراءات إنجيلية. كان كثير التّنقل من جزيرة إلى جزيرة يعظ ويعمّد. رغم مشاغله الرّعائية الكثيرة وضع أول كتاب قواعد للغة الأليوتية الّتي لم يسبق أن عُرفت مكتوبة، كما ترجم ونشر الأناجيل وكتبًا للتعليم الدّيني والعديد من الصّلوات وكتابًا من تأليفه هو “الطّريق إلى ملكوت السّموات”. كان بسيطًا وعميقًا وانتشر انتشارًا كبيرًا حتّى تُرجم إلى عدة لغات وجرى طبعه سبعًا وأربعين مرة.
وصل يومًا إلى إحدى الجزر وكانت المرة الأولى الّتي يأتي إليها فوجد السّكان في انتظاره على الشّاطئ فتعجّب وما لبث أن عرف أن شيخًا كانت له موهبة شفاء المرضى وسبق له أن اعتمد قبل ثلاثين سنة وكان ملاكان يعلّمانه حقائق الإيمان ولا يراهما أحد غيره. علّماه أيضًا كيف يصلّي بالرّوح وبقلب نقي وأعطياه موهبة شفاء المرضى. هذا أنبأه الملاكان قبل سنة من قدوم يوحنا بمجيء مرسَل إلى جزيرته.
جهد قدّيسنا عشر سنوات في عمل بشاري لا يكل حتّى لم يعد هناك وثني واحد في كلّ مقاطعة أونالاسكا.
من هناك توجّه إلى سيتكا حيث كان الهنود المسمّون تلانغيت. هؤلاء لم يتمكن المرسلون القدامى من تبشيرهم لأن كهنة الأوثان عندهم كانوا قد هيّجوهم على المرسلين. فلما وصل يوحنا إلى تلك الأنحاء شاءت العناية الإلهية أن يُصاب السّكان بمرض الجدري. ولما لم يستطع كهنة الأوثان أن يعينوا الشّعب بل قضى منهم النّصف تحوّلت أنظار السّكان المحليّين إلى الرّوس الّذين تلقّوا لقاحات حَمَتهم من المرض فأخذوا، مذ ذاك، يبدون ميلًا إليهم ويقبلون بتلقّي العناية الطّبية من يدهم. لهذا استقبلوا الكاهن يوحنا بوقار كبير. أما هو فقد درس لغتهم وأخلاقهم وأخذ يقيم الخدم الإلهية على أرضهم. وهم عاينوا وسألوا عن الحياة بعد الموت واستجابوا لندائه. اهتمّ قدّيسنا ببناء الكنيسة الّتي أصبحت فيما بعد كاتدرائيته في سيتكا. كما اهتمّ ببعض التّرجمات وتدوين مفكرة الرّحلة. وقد أعطى وقتًا لبعض الأشغال الحرفية كصناعة الأثاث وأعمال الميكانيك والآلات الموسيقية. لم تكن هذه الأشغال لتمضية الوقت أو من قبيل الهواية الشّخصية بالنّسبة للقديس بل مدًّا ليد المساعدة للسكان المحليّين لتعليمهم حرفًا يعتاشون منها بكرامة. كذلك من اهتمامات الكاهن يوحنا كان إنشاء المدارس وأن يمدّ التّلامذة بالكتب المدرسية باللّغتين الرّوسية والتّلانغيتية الّتي يضعها هو بنفسه.
وإذ اتسع نطاق العمل الرّسولي الّذي باشره قدّيس الله بانت الحاجة متزايدة لكهنة جدد وكنائس ومدارس في أماكن مختلفة من الأرخبيل. لهذا قام بزيارة الرّوسيا سنة 1838. عمله وملاحظاته أثار اهتمام المجمع المقدس والعامة في آن. رُفِّع إلى درجة متقدم في الكهنة وقرّر المجمع دعم الإرسالية. أثناء ذلك تلقّى خبر وفاة زوجته فأخذت الكنيسة على عاتقها أمر الاهتمام بتعلبم أولاده السّتة فيما جعلته أسقفًا على كامتشتكا وآلاسكا باسم إينوكنديوس.
لدى عودة قدّيس الله إلى سيتكا، بعد غياب ثلاث سنوات برفقة مساعدين حاملًا معه عطايا جزيلة، باشر، دونما تأخير، ببناء الكنائس بادئًا بجزيرة كودياك الّتي سبق أن تقدّست بقدوم القديس جرمانوس إليها. وعلى مدى ثلاث سنوات قطع إينوكنديوس خمسة آلاف كلم عبر السّهول الجليدية، أحيانًا غير المعبورة قبلًا في كامتشتكا، شمال سيبيريا. شخص واحد رافقه في عربة تجرّها الكلاب. وأحيانًا كانت الرّحلة على الأقدام. ما عانياه لا يُتصوَّر. فقط بنعمة الله وحرارة الإيمان كان الأمر ممكنًا. وقد اختلط بالسّكان المحليّين حيثما حلّ ونظم الكنائس والمدارس. سنة 1850 أعطي لقب رئيس أساقفة وضُمّت إليه مقاطعة ياكوتسك. تعلّم لهجة النّاس فيها وتابع سيره حتّى إلى قلب الصّحراء السّيبيرية. ولما قرأ الإنجيل في القداس الإلهي باللّغة الياكوتية سرت الغبطة في نفوس السّكان لدرجة أنهم طلبوا أن يُؤذَن لهم باعتبار هذا اليوم عيدًا يُضمّ إلى الرّوزنامة الكنسية. حميّته الرّسولية دفعته إلى زيارة المناطق الأكثر نأيًا في سيبيريا.
سنة 1857 حضر المجمع المقدّس في بطرسبرج وعُيِّن أسقفان يعاونانه في عمله، أحدهما لياكوتسك والآخر لسيتكا.
ولعشر سنوات، بعد ذلك، أعطى القديس إينوكنديوس الكنيسة الرّوسية دفعًا جديدًا فنظّم المدارس والمؤسسات الخيرية والجمعية الرّوسية للإرساليات. أخيرًا أصابه العمى الكامل ولم يشأ القيصر الرّوسي أن يسمح له بالاستقالة. وهكذا بقي زمانًا يقوم بدور فعلي في إدارة شؤون الكنيسة الرّوسية. وكان يؤدّي الخدم الإلهية متّكلًا على ذاكرته. بقي كذلك إلى أن رقد في الرّبّ سنة 1879م قبل لحظات من المباشرة بالاحتفال بعيد الفصح المجيد.