في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيس كاربوس الرَّسول، أحد السّبعين. *القدّيس الرَّسول حلفى مع ابنه أفركيوس وابنته هيلانة. *الجديد في الشّهداء اسكندر الدّرويش التّسالونيكيّ. *أبينا الجليل أوغسطينوس أسقف كانتربري. *الجديد في الشّهداء جاورجيوس البلغاريّ. *القدّيس البارّ يوحنّا بْسيخانتس المعترف. *الشّهيد ألفتاريوس، أسقف رومية. *القدّيس البارّ أودولفالد ملروز السّكوتلانديّ. *القدّيس البارّ كودراتوس المدافع. *الشّهيد كودراتوس الإفريقيّ. *الشّهداء سيميتريوس ورفاقه.
* * *
✤ تذكار أبينا الجليل في القدّيسين أوغسطينوس أسقف كانتربري (+604م)✤
عندما قرّر القدّيس غريغوريوس الكبير، بابا رومية، أن يضع موضع التنفيذ مشروعه القاضي بحمل البشارة إلى الشعوب الأنجلو سكسونية، في بريطانيا العظمى، لم يجد خيراً من القدّيس أوغسطينوس يُسند إليه المهمّة. هذا كان عميداً لدير القدّيس أندراوس الذي أسّسه القدّيس غريغوريوس على تلة كيليوس. كانت مهمّة أوغسطينوس أن يوجّه فريقاً من أربعين راهباً مرسَلاً يتولّون العمل. يشار إلى أن البريطانيين (Bretons) سبق لهم أن اهتدوا للمسيح منذ القرن الثالث الميلادي، لكن غزوات القبائل الجرمانية المعروفة بالأنجلو سكسونية اجتاحت البلاد في أواخر القرن الخامس الميلادي ومحت المسيحية والمسيحيّين فصار لازماً إعادة تبشير البلاد من جديد.
انطلق المرسَلون الجدد فأتوا إلى دير ليران في البروفانس، وهو موقع نسكي عريق استقى تراثه من الشرق واستقبل القدّيس باتريكيوس، في القرن الفائت، وهو في طريقه إلى إيرلندا. ولكن لما بلغتهم معلومات عن وحشية القبائل الأنجلو سكسونية، أصابهم الذعر وصِغر النفس، فقرّروا أن يعودوا أدراجهم من حيث أتوا. وقد أوفدوا القدّيس أوغسطينوس إلى رومية لإطلاع البابا على ما بلغهم وما رأوه مناسباً. لكن لم يطل الوقت حتى عاد أوغسطينوس حاملاً رسالة من البابا يشجّعهم ويقوّيهم ويحثّهم على إتمام مهمّتهم بعون الله. كذلك حمل أوغسطينوس رسائل بابوية موجّهة إلى رئيس أساقفة آرل وحكّام الفرنجة.
على هذا تابع المرسلون المسير فشتّوا في باريس ثم اجتازوا المانش وجاؤوا إلى جزيرة تانيت، شرقي مملكة كانت التي وفّرت لهم الأرضية الموافقة لعمل الكرازة بالإنجيل. فإن ملكها، القدّيس أتلبارت الذي كان رأساً للممالك الأنجلو سكسونية الجنوبية، سبق له أن تزوّج فتاة مسيحية، هي برتا، ابنة ملك باريس. فأوفد أوغسطينوس مبعوثاً إلى الملك يُعلن له أنه جاء حاملاً الإنجيل ووعد المُلك الأبدي بمعيّة الإله الحقيقي. وما هي إلاّ أيام قليلة حتى وصل أتلبارت إلى الجزيرة وطلب من الرهبان أن يعرضوا عليه معتقدهم. وإذ أَعجب بهم أشد الإعجاب، أجاز لهم الكرازة بالإنجيل في كل مملكته مقدِّماً لهم مقرّاً في عاصمته، كانتربري. دخل الرهبان المدينة في موكب والصليب وإيقونة المسيح في المقدِّمة، فيما رنّمواالطلبات وفق العادة الرومية التي أدخلها القدّيس غريغوريوس. ثم جعلوا مُقامهم في كنيسة بُنيت قبل غزوات البربر كان من عادة الملكة أن تصلّي فيها. هناك نظّموا حياتهم الرهبانية مقتدين، بصورة كاملة، بطريقة الحياة الأخوية للرسل القدّيسين والمسيحيّين الأوائل. كما شرعوا بالكرازة بالإنجيل وأصابوا نجاحاً كبيراً حتى ان الملك ذاته طلب بعد مدّة قصيرة أن يقتبل المعمودية ودعا شعبه إلى الاقتداء به. فلما كان ميلاد العام 597م إذا بعشرة آلاف أنكلوسكسوني يتنصّرون.
نمت الكنيسة الجديدة بسرعة بإشراف القدّيس أوغسطينوس الذي سيم أسقفاً بيد القدّيس فيرجيلوس آرل وبمساعدة الملك. وفي العام 601م بعث قدّيسنا باثنين من تلاميذه إلى رومية ليُطلع القدّيس غريغوريوس على النتائج الأولى لعمل الإرسالية ويسأله بشأن مسائل رعائية خاصة بتلك البقعة البعيدة. وقد زوّد البابا المبعوث بأجوبة فيها الكثير من الحكمة والتمييز، كما أوفد مجموعة ثانية من اثني عشر مرسلاً تحمل الـ “باليوم”، الذي هو علامة تشير إلى سلطة أوغسطينوس على كل الكنيسة الإنكليزية. كما زُوِّدت المجموعة بالأواني المقدّسة ورفات القدّيسين. إلى ذلك وضع غريغوريوس مخطّطاً تنظيمياً تناول الكنائس المحلية الجديدة: على لندن ويورك أن تصيرا متروبوليتين على رأس اثنتي عشرة أسقفية. أثناء ذلك شرع أوغسطينوس في بناء كاتدرائية كانتربري (كنيسة المسيح)، وكذلك في بناء دير، خارج المدينة، يحمل اسم القدّيسين بطرس وبولس (الدير اليوم على القدّيس أوغسطينوس). كنيسة هذا الدير أخذت تضمّ، فيما بعد، مدافن أساقفة كانتربري وملوك كانتْ.
وإذ حانت الساعة لمدّ عمل الإرسالية إلى الممالك الأخرى الوثنية، دعا أوغسطينوس الأساقفة والمعلِّمين في بلاد الغال إلى مؤتمر دعاهم خلاله إلى نبذ خصوصياتهم كمثل الاختلاف في تحديد تاريخ الفصح وإتمام سرّ المعمودية وبخاصة المفاهيم المتباينة بشأن التنظيم الكنائساني. كل ذلك ليتسنّى لهم مجتمعين أن ينقلوا الإنجيل إلى القبائل الأنكلو سكسونية. هذا وقد سام أوغسطينوس أسقفين آخرين ووضع الأسس القانونية التي تتيح لهذا العمل الرسولي أن يمتدّ في كل البلاد الإنكليزية بانتظام. وقد رقد بسلام في الرب في 26 أيّار سنة 604م.