في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشُّهداء سيكستوس الثّاني، أسقف رومية ولافرانديوس رئيس الشَّمامسة وهيبوليتوس. *القدّيس الفيلسوف هيرون الإسكندريّ. *شهداء ليبيا السّتّة. *القدّيس البارّ لافرانديوس كالوغا الرّوسيّ المتباله.
✤ القدّيسون الشُّهداء: سيكستوس الثّاني الرّوميّ ولافرنديوس رئيس الشَّمامسة وهيبوليتوس (+ 258 م)✤
كان القدّيس سيكستوس الثّاني يوناني المولد. درس الفلسفة في أثينا قبل أن يخرج إلى رومية ليستقرّ فيها زمنَ الأمبراطور فاليريانوس ورئاسة كهنوت القدّيس استفانوس الأوَّل (3 آب). الأمبراطور، أوَّل أمره، كان ينظر بعطف إلى المسيحيّين، لكنّه ما لبث أن وقع تحت تأثير السحرة والمنجّمين المصريّين، إثر حملة شقيّة في المشرق. لذا أصدر مرسوماً حرّم فيه الممارسة العامة للعبادة المسيحيّة. طالب الإكليروس جميعاً بتقديم الأضاحي للآلهة مهدِّداً بنفيهم إن لم يفعلوا. كان القدّيس استفانوس أحد أوَّل ضحايا هذا الاضطهاد، فاختير سيكستوس الثّاني خلفاً له. ثمّ ما لبث الاضطهاد أن تكثّف وصدر مرسوم قضى بإعدام الأساقفة والكهنة والشَّمامسة بمجرّد الكشف على هويّاتهم، فيما كان نصيب العامة الإهانة والأشغال الشاقة. على هذا جرى إيقاف القدّيس سيكستوس الثّاني واستيق، بعد استجواب أوَّل، إلى سجن مامرتين الشهير. في الطَّريق التقاه لافرانديوس، رئيس شمامسته، فقال له بدموع: “إلى أين أنت ذاهب من غير ابنك، أيّها الأب القدّيس؟ أي ذبيحة تتهيّأ لتقديمها من دون شمّاسك؟ أتُراك وجدتني غير أهل لها؟ أتمنع من قَبِلتَه في القدسات أن يكون رفيقك في بذل دمك؟” فأجابه الأسقف: “كلا، يا بنيّ، لست أتركك، لكنّ جهادات أكبر تنتظرك. نحن، الشيوخ، نصيبنا جهاد طفيف. أما أنت، الشابَ القويّ، فإنّ غلبة أمجد على الطاغية في انتظارك. كُفّ عن البكاء. في ثلاثة أيام سوف يتبع الشمّاس الكاهن”. ثمّ قبل أن يعطيه قبلة السلام أسند إليه العناية، باسمه، بإدارة خزينة الكنيسة. للحال أتمّ لافرانديوس المهمّة الموكلة إليه في الله فوزّع ما للكنيسة على الإكليروس والفقراء. وقد التقى، على تلّة كيليوس، أرملة اسمها كيرياكي تخبّئ لديها العديد من المسيحيّين. فلما أذِن الليل أتاهم بمال وألبسة. ثمّ تحوّل إلى بيوت أخرى، فشفى المرضى وغسل أقدام المؤمنين على غرار السيّد. وإذ حُكم على سيكستوس بقطع الهامة على طريق أبيانوس وقف لافرانديوس في دربه وهتف به: “لا تتركني، يا أبتي القدّيس، لأنّي وزّعت ما كلّفتني به من كنوز”. فقبض عليه الجند للحال لسماعهم بالكنوز، واستاقوه إلى أمام القاضي برثانيوس الذي أخطر الأمبراطور. أُلقي لافرانديوس في السجن وسُلِّم إلى القاضي هيبوليتوس. وحدث أن شفى القدّيس لافرانديوس بصلاته وهدى أعمًى اسمه لوسيللوس. فلما ذاع الخبر تهافت عميان آخرون على رجل الله فشفاهم جميعاً. كذلك اعتمد هيبوليتوس وتسعة عشر من أهل بيته. وكان أن استدعى فالريانوسُ لافرانديوسَ وطلب إليه أن يُسلمه الكنوز التي لديه فطلب رئيس الشَّمامسة أن يُعطى مهلة ثلاثة أيام وأن تُفرز له عربات كذا عددها لهذا الغرض. في تلك الأثناء استدعى لافرانديوس إلى بيت هيبوليتوس عمياناً وعُرجاً ومرضى وبائسين من كل لون. وبعدما أركبهم العربات جاء بهم إلى القصر الملكي وأعلن: “هذه هي الكنوز الأبدية للكنيسة، لا تنقص وتزيد أبداً وهي موزّعة على كل أحد وموجودة في الجميع”. قابل فاليريانوس المشهد بسخط شديد وصاح: “ضحِّ للآلهة وانسَ ما تلجأ إليه من سِحْر”. أجاب القدّيس أن ليس ما يجعله يؤثر عبادة الشياطين على خالق الكل. فسُلِّم، على التوّ، للتعذيب وأُلقي في السجن. ثمّ إثر استجواب ثان في قصر طيباريوس، على تلّة بالاتان، جُعلت عليه شفرات من الحديد المحمّى بالنار، وجرى ضربه بالسياط المزوّدة بأطراف رصاصية وكذلك بالسلاسل ذات الصنارات المعقوفة. فلما أبدى من الصبر قدراً وافراً حرّك المشهد أحد الجنود المدعو رومانوس فاهتدى إلى المسيح وصِيْر إلى إعدامه على الفور. بعد ذلك أُخضع لافرانديوس لاستجواب ثالث بقرب قصر سالوستوس. وقد عمد الأمبراطور إلى تحطيم فكّي قدّيس الله بالحجارة، ثمّ أمر بتجريده من ثيابه ومدّه على ما يشبه السرير الشبكي فوق مجمرة. وإذ دُعي، للمرة الأخيرة، للتضحية للآلهة أعلن: “أنا أقدّم ذاتي للإله الحقيقي الأوحد ذبيحة طيّبة الرائحة حيث الذبيحة التي يرضى عنها الله هي قلب خاشع متواضع”. وفيما كان الجلاّدون يضرمون النار قال القدّيس للطاغية: “ألا اعلم، يا شقي، أنّ هذه المجمرة تحمل إليّ الندى، أما لك أنت فالعذاب الأبدي. والآن وقد انشويت في جنبٍ فأدرني إلى الجنب الآخر!” فلما تمّ له ذلك لفظ صلاة أخيرة قال فيها: “أشكرك، أيّها الربّ يسوع المسيح، لأنّك أهّلتني أن أجتاز باب ملكوتك”. قال هذا وأسلم الروح. أما هيبوليتوس فخرج به سرّاً إلى مِلكية الأرملة كيرياكي لمواراته الثَّرى، ورافقه الكاهن يوستينوس. يُذكر أنّ القدّيس قسطنطين الكبير، بعد ذلك بخمسين سنة، شيّد بازيليكا بجانب الدَيماس الذي دُفن فيه القدّيس لافرانديوس، على طريق تريبورتين، شرقي رومية. ثمّ في القرن السادس ميلادي حُوِّلت المقبرة إلى كنيسة فسيحة، ولكنْ بقي الضريح حيث كان. بعدما قام هيبوليتوس بعمله هذا وُشي به وأُوقِف، لكنّ ملاكاً جاء فنجّاه ونقله إلى بيته حيث ودّع أقرباءه وخدّامه وأقام لهم عيداً. وقد كانوا كلّهم جلوساً إلى المائدة عندما داهمهم الجند وألقوا الأيدي، مرة أخرى، على هيبوليتوس واستاقوه إلى أمام الأمبراطور. أمل فاليريانوس في كسر تصميمه فألبسه الحلّة العسكرية ووعده بكرامات عظيمة. لكنْ بقي قدّيس الله صامداً لا يتزعزع. وقد أعلن أنّه لا يتمنّى سوى أن يتشرّف بالخدمة في عسكر المسيح. ضُرب بالسلاسل المسنّنة ثمّ أُوثق إلى خيل برّية جرّرته طويلاً. على هذه الصورة حاز إكليل الظفر. وما لبثت أن لحقت به مرضعته كونكورديا وأهل بيته الذين هداهم. وثمّة رواية أنّ القدّيس هيبوليتوس، بعدما تمّت شهادته بسبعة أيّام، ظهر للأمبراطور وابنه وهما في طريقهما إلى المُدَرّج، فعاقبهما بسلاسل غير منظورة من نار.