Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

* الخميس العظيم:تذكار الغسل الشريف والعشاء السرّي والصَّلاة الباهرة العجيبة وتسليم ربّنا من يهوذا إلى أمّة اليهود. *أبينا الجليل في القدّيسين أثناسيوس الإسكندريّ الكبير. *الشُّهداء هسباروس وزويي مع كيرياكوس وثيوذولوس. *أبينا الجليل في القدّيسين سابا، أسقف دفنوسي. *القدّيس البارّ يوردانوس العجائبيّ. *القدّيس البارّ بوريس (ميخائيل) ملك بلغاريا. *أبينا الجليل أثناسيوس لوبانسك، البطريرك المسكونيّ. *الشَّهيد فيليكس سافيل. *الشَّهيد جرمانوس نورماندي. *القدّيس فالنتينوس جنوا. *الشُّهداء في الكهنة فانديمياليس وأفجانيوس ولونجينوس.

القدّيسة مطرونة الموسكوفيّة العجائبيّة (1881-1952)

تعتبر القدّيسة مطرونة قدّيسة الكنيسة الروسيّة، وقد أنعم عليها الله بموهبة الرؤيا ونعمة الشفاء من صغرها. يُعيّد لها في الثاني من شهر أيّار. مِن أكثر الأماكن خشوعًا في موسكو مَن لديه نعمة الدموع يفرح بالسجود عند القدّيسة مطرونا حشود من العالم عندها على مدار الساعة

حتّى الأشخاص يوميًّا يأتون إليها للتبرّك منها قبل التوجّه إلى عملهم وينتظرون ساعة وأكثر.

لقاء القدّيسة مطرونة بالقدّيس يوحنا كرونشتات:

أتت القدّيسة في عمر ال14 سنة لزيارة القدّيس يوحنا كرونشتات وكانت تقف وسط زحمة كبيرة من الناس.  لكن المفاجأة أن القدّيس يوحنا تقدّم إليها طالبّا من الزائرين إفساح المجال لكي يستطيع بلوغها، وطلب منها الإقتراب منه.

وعندما اقتربت منه أعلن للجمع مشيرًا إليها:”هذه الإنسانة ستكون وريثتي”.وفعلًا، كانت هذه نبوءة من الروح القدس نطق بها القدّيس، ولعبت القدّيسة دورًا مهمًّا بتعزية المؤمنين أبان الحكم الشيوعي.

ولادتها:

وُلدت القدّيسة مطرونة في روسيّا جنوب موسكو في عائلة فقيرة جدًا من أربعة أولاد. كانت والدتها قد قرّرت قبل ولادتها أن ترسلها إلى ميتم مجاني يموّله أمير المنطقة.

رؤيا والدة القدّيسة:

حصل مع والدة القدّيسة رؤيا رأت فيها ابنتها القدّيسة قبل ولادتها على شكل طير غط على يديها، وكان أبيض اللون فائق الجمال، وجهه على شكل إنسان ولكن عيناها مغمّضتين. قبلت الأم الرؤيا على أنّها إشارة من الله. وبالفعل لمّا ولدت كانت القدّيسة عمياء وجفونها مغلقة بإحكام، وأبقتها والدتها في المنزل ولم ترسلها إلى الميتم. وكان يوجد على صدرها نتوءًا على شكل صليب.

معموديّتها:

كما كانت العادة، عمّدها ذويها بعمر الأربعين يومًا. أثناء العمادة، وعندما غطّسها الكاهن فاسيلي ظهر شعاعًا من السقف، وفاح عطرٌ اشتمّه الجميع. فقال الكاهن: “لقد عمّدت أطفال كثيرين وهذه أوّل مرّة يحدث مثل هذا الأمر. هذه الطفلة حتمًا ستكون قدّيسة”.

وبالتالي دُعيت مطرونة على اسم القدّيسة مطرونة العظيمة من القرن الخامس. وقد روت صديقة لوالدتها أن الطفلة القدّيسة كانت ترفض الرضاعة من والدتها يومي الأربعاء والجمعة، إذ كانت تنام كل الوقت خلالهما، وكان من المستحيل إيقاظها.

طفولتها:

أحبّت القدّيسة مطرونة الله وقدّيسيه من صغرها، فكانت تمضي ليلها في زاوية الأيقونات فب منزلها.  وهي زاوية معروفة في روسيّا موجودة في المنازل على ملتقى حائطين مخصّصة للصلاة، حيث يجتمع أهل المنزل للصلاة يوميًّا.

كان الأولاد في محيطها يسخرون منها ويرمون عليها أحجارًا كونها عمياء، كما كانوا يضعونها في حفرة ويهزئون بها، على أثر ذلك امتنعت عن اللعب وكانت تبقى في المنزل.

منزلها قرب الكنيسة:

كان منزل عائلتها قرب كنيسة رقاد السيّدة الَّتي كانت كنيسة رعيّة سبعة أو ثمانية رعايا محيطة. عُرف أهلها بالتقوى والصَّلاة، وكانوا يصطحبون القدّيسة معهم إلى القدّاس الإلهيّ الَّذي عشقته من نعومة أظافرها، لدرجة أنّها تربّت في الكنيسة، وكانت تمضي أكثر أوقاتها هناك، تخدم وترتّل. كانت تحفظ الصلوات عن ظهر قلب وبطلاقة.

نعمة الرؤيا وموهبة الشفاء:

برزت نعمة الرؤيا عندها من عمر السبع سنوات، لدرجة أنّها أصبحت مقصدًا لكثير من الناس يطلبون صلواتها.

كان يقصدها أناس من أماكن بعيدة عن قريتها، وكانت عائلتها تتلقّى العطايا من الناس إكرامَا لها، فأضحت معيلة لعائلتها. في عمر السابعة عشرة من عمرها أصابها مرض ولم تعد تستطيع السير وبقيت مقعدة طوال حياتها.

عجيب أمرها، كانت تصلّي للأخرين والرّبّ يستجيب لصلواتها وتحصل شفاءات، ولم تكن تصلّي لنفسها بتاتًا، بل كانت تعتبر كلّ ما أصابها بسماح من الله وتقبله بفرح وشكر كبيرين.

نبوءتها عن الثورة في روسيّا:

تنبأت القدّيسة مطرونة عن اندلاع الثورة في بلادها، فروت بالتفاصيل كيف ستُحرق الكنائس وتُدمّر، وكيف سيُضطهد االكهنة والمؤمنون وينفون ويستشهدون، وكيف ستُسفك دماء كثيرة نتيجة الثورة. في العام 1925 اضطرّت القدّيسة مغادرة منزلها بسبب شقيقيها الَّذين أصبحا شيوعيين، وكانا يتضايقان جدًا من المؤمنين الَّذين كانوا يقصدونها طلبًا بالصَّلاة. ساعدها الله بطريقة عجائبيّة أن تنجوا من الاعتقال عشرات المرّات، إذ كانت تعرف مسبقًا وتطلب من بعض المؤمنين نقلها من مكان إلى أخر.

رقادها

كشف الله لها عن رقادها مسبقًا، وأخبرت رفاقها أنها سترقد بعد ثلاثة أيّام، فتناولت القدسات ورقدت.

وقالت أن قبرها سيكون محجّةً بسماح من الله. أعلنت قداستها من قبل الكنيسة الروسية في العام 1999 كقدّيسة الكنيسة الروسيّة، وبطلب من راهبات دير Pokrovsky تم نقل رفاتها إلى الدير بحيث أصبحت محجّةً للمؤمنين ويسجّل مئات الشفاءات والأعاجيب بشفاعتها.

روى الأسقف استفانوس (نيكيتين):

في الثلاثينيات سُجنتُ في أحد المعتَقَلات، وكنت حينها وقد طبيباً. وفي المعتَقَل عُهِدت إلي مسؤولية العيادة. كان معظم السّجناء في حالة خطيرة مما حطّم قلبي، وقد أعفيت العديد منهم من العمل لإعطائهم على الأقل بعض الراحة، أمّا مَن هم أكثر ضعفاً فقد كنت أرسلهم إلى المستشفى.

في أحد الأيام، عندما كنت أعاني المرض، قالت لي الممرضة الَّتي تعمل معي، وهي أيضاً سجينة في المعتَقَل: “دكتور، لقد علمتُ أنّ إنذاراً أعطي لك. أنت متهم بإفراطك في التساهل مع السجناء، وأنت مهدد بإطالة مدة اعتقالك 15 سنة”. كانت الممرضة واسعة الإطلاع وتعلم ما يجرى في المعتقل، لذا كان لدي سبب كافٍ لأجزع من كلماتها. لقد كنت محكوماً بثلاث سنوات كانت على وشك الانقضاء. كنتُ أحصي الأشهر والأسابيع الَّتي تفصلني عن حريتي الَّتي طال انتظارها، وفجأةً 15 سنة!

لم أستطع النّوم طوال الليل، وعندما ذهبتُ إلى العمل في الصباح، هزّت الممرضة رأسها بحزن عندما رأت ما كان مرتسماً على وجهي. بعد ٱنتهائنا من المعاينات، قالت بتردد: “أرغب يا دكتور بإعطائك بعض النصح، لكنني أخشى أنك سوف تضحك مني”. “أخبريني”، قلت.

في بانزا (Penza)، المدينة حيث ترعرعت، عاشت ٱمرأة تدعى “ماطرونوشكا” أي مطرونة القديسة، أعطاها الله موهبة خاصةً في الصَّلاة. إذا صلّت لأحدهم، تكون صلاتها مستجابة دائماً. يقصدها العديد من الناس لمساعدتهم وهي لا ترفض أحداً. لماذا لا تطلب منها مساعدتك؟”

فضحكتُ بحزن وأجبتُ:

“خلال الوقت الَّذي تستغرقه رسالَّتي لتصل إليها، يكونون قد حكموا عليّ بـ15 سنة”. فقالت الممرضة ببعض الارتباك: “لكن ليس من الضروري أن تكتب لها. فقط نادِها من هنا”. “أنادي! من هنا؟” سألتها وأضفت: “إنها تعيش على بعد مئات الكيلومترات”.

فأجابت: “علمتُ أنك ستضحك مني لقولي هذا، لكنها تستطيع سماعك من أي مكان. إفعل هذا عندما تخرج لتتمشى في المساء، تأخّر عن الباقين قليلاً ونادِ بصوت عالٍ لثلاث مرات: ماطرونوشكا، ساعديني، أنا في مشكلة. وستسمعك وتستجيب”.

رغم ما كان يبدو ذلك غريباً، تقريباً مثل السّحر، عندما خرجت لأتمشى في المساء فعلتُ كما قالت لي صديقتي.

مرّ يوم فأسبوع فشهر… ولم يستدعِني أحد إلى المحكمة. فقد أُجريَت تغييرات في إدارة المعتَقَل إذ نُقل أحدهم، وأُسندَت المسؤولية إلى آخر. نصف سنة أخرى مرت، ثم جاء نهار إطلاق سراحي من المعتَقَل. عندما تسلّمت ملفي في مكتب القائد، طلبتُ إرسالي باتجاه المدينة حيث تعيش مطرونة، لأنني وعدتُ قبل ندائي لها بأنني إذا ساعدتني سوف أذكرها في صلاتي اليومية، وفور إطلاق سراحي سأتوجه مباشرة لأشكرها.

عند استلامي مستنداتي، سمعت أنّ آخرَين أُطلق سراحهما أيضاً، وهما مسافران إلى المدينة نفسها الَّتي أقصد.

ٱنضممت إليهما ومضينا سوية. خلال سفرنا سألتهما إذا كانا بالصدفة يعرفان “ماطرونوشكا”.

“نحن نعرفها جيداً، الكلّ يعرفها في المدينة أو حولها على مسافة أميال. سوف نأخذك إليها إذا رغبت، لكننا نعيش في الريف، لا في المدينة، ونحن مشتاقان للعودة إلى بيتنا. لكن إفعل ما نقوله بالضبط: عندما تصل إلى المدينة، إسأل أول شخص تصادفه عن مكان سكن مطرونة وهو سيرشدك”.

عند وصولي، فعلت تماماً كما قال لي زميلايّ. سألت أول صبي صادفته فأجاب: “اتبعْ هذا الشارع رقم 9، ثم انعطفْ في الزقاق قرب مكتب البريد. إنّ مطرونة تعيش في ثالث منزل”.

كنت أرتعش من الحماس، صعدت إلى المنزل وكنت على وشك قرع الباب، لكنه لم يكن مقفلاً وقد ٱنفتح بسهولة. وقفتُ على العتبة مشرفاً على الغرفة شبه الفارغة حيث تقوم في وسطها طاولة عليها صندوق كبير.

“هل أستطيع الدخول؟”، سألت بصوت مرتفع. فجاء صوت من الصندوق “ادخل ساريوزيلا”(ساريوزيلا هو اسم راوي القصة). دخلت متردداً، جافلاً من الاستقبال غير المتوقع، وتوجهت نحو الصوت، ولما نظرت داخل الصندوق وجدت امرأة صغيرة مضطجعة بلا حركة. كانت عمياء ولديها فقط يدان ورجلان غير مكتملة. كان وجهها لامعاً وبسيطاً وكريماً. بعد إلقاء التحية سألتها: “كيف تعرفين اسمي؟”. فجاء صوتها ضعيفاً لكنه واضح: “ولماذا لا أعرفه؟ لقد ناديتَني وقد صليتُ إلى الله من أجلك، هكذا عرفتُ اجلس وكن ضيفي”.

مكثت لدى ماطرونوشكا طويلاً. أخبرتني بأنها أُصيبت بمرض في صغرها مما أعاق نموها وأقعدها. في عمر السنتين فقدت بصرها بسبب الجدري. كانت أسرتها فقيرة وكانت أمها، في طريقها إلى العمل، تضجعها في صندوق وتأخذها إلى الكنيسة. كانت تضع الصندوق على أحد المقاعد وتتركها حتى المساء. في صندوقها، كانت الفتاة تصغي إلى كلّ الخدم الكنسية. كان الكاهن يعتني بها متعطفاً عليها. ثم أصبح أبناء الرعية أيضاً يرثون لها، فكانوا يجلبون القليل من الطعام أو شيئاً من الملبس. كان البعض يداعبها أو يساعدها للاستلقاء براحة أكثر. وقد كبرت على هذه الحال محاطة بجو من الروحانية العميقة والصَّلاة. ثم تحدثنا عن غاية الحياة وعن الله. عندما أصغيتُ إليها صدمتني الحكمة في آرائها وبصيرتها الروحية. عند مغادرتي قالت: “عندما تنتصب أمام عرش السيد، اذكر أمةَ الله مطرونة”.

حينها لم يكن يخطر ببالي أني سوف أصبح أسقفاً حتى أنني لم أكن بعد كاهناً. أما عنها فقالت بأنها ستموت في السجن. عندما كنتُ جالساً بقربها، أدركتُ أنني لم أكن أمام امرأة مريضة، بل أمام شخص كبير في عيني الرب. كان أمراً معزياً ومفرحاً أن أبقى معها حتى أنني كرهت الرحيل، ووطدتُ نفسي على زيارتها مرة أخرى حالما أستطع. لكن هذا لم يحدث، إذ سرعان ما سيقت “ماطرونوشكا” إلى السجن في موسكو حيث قضت هناك.

مواضيع ذات صلة