في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهيد في الكهنة بوليكربوس، أسقف إزمير. *القدّيسة غورغونيا أخت القدّيس غريغوريوس اللّاهوتيّ. *القدّيس البارّ الكسندروس، مؤسّس رهبنة الّذين لا ينامون. *القدّيسون الأبرار يوحنّا وموسى وأنطيوخوس وأنطونينوس. *القدّيسون الأبرار زبيناس وبوليخرونيوس وموسى وداميانوس. *الشّهيد كليمنضوس. *الشّهيدة ثيا. *القدّيس البارّ داميانوس الآثوسيّ. *القدّيس البارّ يوحنّا الحصّاد. *الجديد في الشّهداء لعازر البليوبونيزيّ.
✤ القدّيس البارّ الكسندروس، مؤسس رهبنة الّذين لا ينامون (+430 م)✤
ولد في منتصف القرن الرّابع الميلادي. تلقّى العلم في القسطنطينيّة. خدم عسكريًا لبعض الوقت. زهد في أمور الحياة الدّنيا. مسّ قلبه قول للرّبّ يسوع: “إذا أردت ان تكون كاملًا فاذهب وبع كلّ مالك ووزّعه على الفقراء فيكون لك كنـز في السّماء” (متّى 19: 21). على الأثر وزّع خيراته على الفقراء وخرج إلى دير في سوريا على رأسه راهب تقي اسمه إيليا. أمضى الكسندروس في الدّير أربع سنوات سلك خلالها في الصّلاة والفضيلة بجدّ واجتهاد. ولكن، شقّ عليه ان معيشة الرّهبان في الدّير مؤمَّنة بعناية الأب الرّئيس. كان يعتبر ان الرّاهب لا يليق به ان يهتم بأمر الغد. وإذ كان كلّيًا في تطلّعاته، انسحب إلى الصّحراء مكتفيًا بالإنجيل رفيقًا رغب في السّير في رَكْبه كلمة كلمة. أقام في البرّية سبع سنوات مقتديًا بإيليا النّبي ومسترشدًا بروح الرّبّ القدّوس دونما اهتمام بحاجات الجسد. وبعدما اكتملت سنواته السّبعة خشي ان يُحسب عبدًا كسولًا. وإذ احتدّت فيه الغيرة الرّسولية، توجّه إلى مدينة في بلاد ما بين النّهرين حيث دكّ بيديه وقيل بنار من السّماء هيكل الأوثان. وقد تمكّن من هداية مقدّم المدينة ويدعى رابولا. رغب فيه أهل المدينة أسقفًا عليهم فلم يشأ. سدّوا الأبواب ليمنعوه من المغادرة ففرّ بالطّريقة نفسها الّتي فرّ بها الرّسول بولس من مدينة الدّمشقيّين. سلك طريق البرّية وهدى عصابة من اللّصوص. وبنعمة الله جعلهم جماعة رهبان.
أقام عبر الفرات عشرين سنة يصلّي نهاريه في الجبال ويلجأ في اللّيل إلى ما يشبه البرميل. وإذ انتشر إشعاعه تدفّق عليه التّلاميذ فبلغوا الأربعمائة عددًا. حرص الكسندروس على حفظ أحكام الإنجيل بدقة. علّمهم ان يسلموا أنفسهم بالكامل لعناية العليّ. فصاروا يكتفون مما يحصّلونه لمعيشتهم بما يكفيهم يومًا فيومًا والباقي يوزّعونه على المحتاجين. لم يكن للواحد منهم إلا ثوب واحد. همّهم الأكبر كان رفع الصّلوات والتّسابيح إلى الإله العليّ. قولة الرّسول بولس إلى أهل تسالونيكي كانت تقضّ الكسندروس. كيف يحقّق الصّلاة المتواصلة والطّبيعة البشرية على ما هي عليه من الضّعف؟ ثلاث سنوات قضاها القدّيس في الصّوم والصّلاة الحارة إلى الله في هذا الشّأن. في نهايتها رأى في رؤيا كيف يمكن الاقتداء بالقوات الملائكية على الأرض. قسم رهبانه إلى أربع فرق وفق جنسية كلّ منهم: يونانيّين ورومانيّين وسوريّين ومصريّين. وقد شاءهم ان يتوزّعوا اللّيل والنّهار ليقيموا أربعًا وعشرين خدمة تفصلها قراءات من المزامير والكتاب المقدّس بحيث يستمر عمل التّسبيح دونما انقطاع اليوم كلّه ويبقى للرهبان وقت لإتمام الاشغال الدّيرية والقراءات والصّلوات الشّخصية. هذه الجماعة هي الّتي كانت في أساس الطّريقة المعروفة بطريقة الّذين لا ينامون والّتي تعبّر عن اشتراك الرّهبان في عمل الملائكة الدّائم في تسبيح الثّالوث القدّوس. على ان غيرته الرّسولية كانت ما تزال متّقدة فيه فوجّه إرساليات إلى قبائل وثنيّة في الجنوب المصري. ثم غاص هو ومائة وخمسون من رهبانه في عمق الصّحراء السّورية، بين الفرات وتدمر، معتمدًا بالكلّية في معيشته ومعيشة من معه على حسنات النّاس. البخلاء في تدمر أوصدوا أبواب بيوتهم دونه وردّوه. تحوّل إلى أنطاكية. هناك أيضًا تعرّض وجماعته لاضطهاد أسقف المدينة. لكنه تسلّل ومن معه أثناء اللّيل إلى الحمّامات العامة المهجورة وأخذوا يقيمون فيها الصّلوات فأحالوها ديرًا. ومن دون ان يذيع عن نفسه كلمة فاحت رائحة قداسته وصلاته ومحبته فأخذ النّاس يهجرون كنائسهم ويتحوّلون إليه. جعل القدّيس يعلّمهم ويَفْصِل في نزاعاتهم. ولم يتورّع من اتهام أسقف المدينة والحاكم بالتّهاون والاهمال. كذلك اهتمّ بالفقراء أكثر من اهتمامه بمعيشة رهبانه. أنشأ مضافة وأخذ يستقبل المعوزين. وان بعضًا من كهنة المدينة غار منه ومن نجاحه السّريع فعمل على طرده من المدينة. ويبدو انه عومل معاملة قاسية. انتقل الكسندروس من هناك ليزور تلاميذه الموزّعين في البلاد السّورية. أكمل طريقه إلى القسطنطينيّة حيث أقام وأربع من رهبانه بقرب كنيسة القدّيس ميناس. ولم يمض عليه هناك وقت طويل حتّى انضمّ إليه ثلاثمائة راهب: رومانيّين ويونانيّين وسوريّين. كانوا رهبانًا سمعوا به – لأن اسمه شاع – فتركوا أديرتهم وجاؤوا إليه. وزّعهم على ثلاث فرق، كلّ فرقة جوقتان واتبع نظامه الأول بشأن الصّلاة والتّسبيح المستمرّين. لكنه لم ينعم بالسّلام طويلًا. رؤساء الأديرة الّتي خرج منها هؤلاء الرّهبان اشتكوا واعتبروا عمله جريمة حتّى انه أُدين في أحد المجامع كهرطوقي بحجة انه يكتفي من الحياة المسيحية بالصّلاة كجماعة المصلّين Missaliens دون سائر الأعمال الإنجيلية الأخرى. قيّدوه بالسّلاسل وألقوه في السّجن وصدر الأمر إلى رهبانه بالعودة إلى أديرتهم الّتي خرجوا منها. بعد ذلك أُخرج القدّيس إلى البلاد السّورية ومُنع من جمع الرّهبان. ولكن ما ان جرى إطلاق سراحه حتّى عاد الرّهبان وانضمّوا إليه من جديد. هكذا عانى الكسندروس الاضطهاد من مكان إلى مكان. أخيرًا وجد ملاذًا في دير القدّيس هيباتيوس ونعِم باهتمام الأمبراطورة وحسن معاملتها. من هناك توجّه إلى البحر الأسود وأسس ديرًا ضمّ ثلاثمائة من الرّهبان في المكان المعروف بـ”غومون”. هناك رقد في الرّبّ عام 430 بعد جهاد مرير في الحياة الرّهبانيّة والعمل الرّسولي داما خمسين سنة. هذا وقد نشر تلاميذ القدّيس الكسندروس الصّلاة المتواصلة في عدة مواضع من الأمبراطورية. في زمن تلميذه مركلّوس انتقل دير الّذين لا ينامون إلى مكان قريب من عاصمة الأمبراطورية وأضحى النّموذج الّذي اعتمده العديدون في تأسيس أديرتهم. نخصّ بالذّكر في هذا الشّأن، دير ستوديون المشهور. ومع ان نمط الّذين لا ينامون لم يعد قائمًا اليوم إلا انه مما لا شك فيه انه أثّر تأثيرًا كبيرًا في تكوين الدّورة اللّيتورجية اليومية الكنسية، سواء في الشّرق أو في الغرب.