في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشَّهيدان بروكلس وهيلاريون. *الشَّهيد سيرابيون الإسكندريّ الجديد. *القدّيس البارّ ميخائيل الكبّادوكيّ. *القدّيسة فيرونيكا النّازفة الدّم. *الشَّهيدان ثيودوروس ويوحنّا الكييفيّان. *أبينا الجليل في القدّيسين سيرابيوس أسقف فلاديمير. *القدّيس البارّ سمعان فولومسك الرّوسيّ. *القدّيسون الأبرار يوحنّا وأوفيميوس وغفرائيل الجيورجيّيون. *الشَّهيدة في العذارى مرقيانا توليدو الإسبانيّة. *الشّهداء بولينوس الإنطاكيّ ورفقته. *القدّيس البارّ باييسيوس الآثوسيّ.
✤ القدّيس البارّ ميخائيل ماليينوس الكبّادوكي (القرن 10 م)✤
وُلد سنة 894 م في خرسيانون في بلاد الكبّادوك. كان من عائلة ماليينوس الشهيرة المقتدرة التي أعطت الإمبراطورية قادة عسكريّين ورجال دولة وتربطها بالعائلة الملكية صلة قرابة. بقي والداه بلا عقب زمناً طويلاً وقد حظيا به إثر رؤية لوالدة الإله. اسمه في المعمودية كان مانوئيل. لمّا كان في القسطنطينية مع أبيه، البطريق أفستاتيوس، حضر جنازة قريبه الإمبراطور لاون السادس (912 م). هذا جعله يفهم بطلان المجد والكرامات الأرضية. اجتاحته رغبة في الحياة الرهبانية. وإذ أراد أن يعرف ما إذا كانت هذه هي مشيئة الله فتح كتاب المزامير اتفاقاً فطالعته الآية: “على الربّ توكّلت فكيف تقولون لنفسي أنفري إلى الجبال كالعصفور” (مز 10: 1 – 2). أطبق الكتاب بفرح وهو مقتنع بأنّ هذه علامة من عند الله. فرّ من المنزل الأبوي فيما كان أبواه يدبّران له صبيّة زوجة تليق بمقامه. جاء إلى قرية قرسيني عند أسفل جبل كيميناس في بيثينيا حيث عاش شيخ مشهور اسمه يوحنّا مع تلاميذه. سجد أمامه بدموع. وإذ أخفى هوّيته سأل الشيخ أن يقبله في عهدته. ألبسه الشيخ الثوب الرهباني بعد أربعة أيام إذ استبانت له غيرته ومحبّته العارمة لله، وأعطاه اسم ميخائيل. لمّا درى البطريق أفستاتيوس بالنبأ لم يطق ألم الفراق فتوجّه، على عجل، إلى جبل كيميناس. وصل في عمق الليل. دخل إلى الكنيسة فيما كانت تجري خدمة صلاة السحر، فإذا به يسمع صوت ابنه الملائكي يصدح: “يا نفسي، إنّ الأشياء التي هنا زائلة والتي هناك أبدية…” فتأوّه وانتحب. ولمّا قُدِّم للشيخ أنّبه على ما فعل واتّهمه باستمالة ولده لترك العالم، فأجابه يوحنّا بوداعة إنّه لم يفعل إلاّ ما أملته عليه الوصيّة: “مَن يأتي إليّ لا أطرحه خارجاً”. فهدأ أفستاتيوس وكفّ عن التهديد لكنّه عاد بابنه. في البيت بالكاد تعزّت أمّه لأنّها رأته متّشحاً بالثوب الرهباني. وإذ لم يتمكّن والداه من إقناعه بالعدول عن عزمه تركاه يعود إلى الدير. في الدير فُرز القدّيس لخدمة الموائد فأبدى طاعة وتواضعاً فائقَين في خدمة الإخوة. عذّبه استبداد النوم به فقرّر أن يقضي أيّامه بثوب واحد، عاري القدمَين، صيفاً وشتاء، وأن ينام مباشرة على لوح من خشب. بعد سنتين من الجهاد المبارَك أخذ النذور الرهبانية. أبوه الذي كان حاضراً قال له: “احذر يا بنيّ أن تسيء إلى الربّ الإله لأنّك من أجله هجرت العالم وذويك”. إثر ذلك عاد أفستاتيوس بفرح إلى زوجته ولسان حاله أنّ والدة الإله أعطته لهما وها هي تستردّ العطيّة، وأردف أنّ مشيئة الله هي أن يكون ابنه معيناً لكثيرين ومفخرة له ولزوجته. لمّا رقد أبوه فجأة عمدت أمّه إلى اقتبال الحياة الرهبانية فيما تزوّجت أخته لتصير أمّ الإمبراطور نيقيفوروس فوقاس (963 – 969). أمّا ميخائيل فاقتسم الميراث وأخوه قسطنطين وسلّمه إلى أبيه الروحي الذي وزّع نصفه حسنات واستعمل الباقي لتوسيع الدير. بعد ذلك نال ميخائيل بركة أبيه ليخلد إلى السكون فنسك على صخرة قريبة من الدير سنة 918 م. كان يقضي هناك خمسة أيّام في الأسبوع ناسكاً، يصلّي ويشتغل بيديه، ثمّ في السبت والأحد يعود إلى شركة الإخوة. تمتّع بالسكون هناك أربع سنوات، عمد بعدها إلى الدخول إلى البرّية الداخلية بمعيّة أحد أنسبائه أغابيوس. أقام سنتين في إمساك شديد لا يتناول من الطعام إلاّ الخبز الجاف الذي كان يأتيه به، من حين لآخر، أحد القرويّين. من هناك انتقلا إلى ناحية بروسياس. وإذ غادر أغابيوس، اختار القدّيس مكاناً هادئاً في كْسيروليمني حيث بنى كوخاً صغيراً ليخوض فيه حرباً لا هوادة فيها ضدّ الأبالسة. ولم تلبث شهرته أن ذاعت فجرى إليه العديدون يرومون اتّباع سيرته. لم يشأ أن يقبلهم أول الأمر لكنّه ما لبث أن أذعن لمشيئة الله. في فترة وجيزة انضمّ إليه أكثر من خمسين راهباً سلكوا في السيرة الهدوئية لا يغتذون إلاّ بالخبز والماء متّخذين ميخائيل مثالاً لهم في كل شيء. وقد ورد أنّه لم يكن ممكناً أن يوجد في هذه الأخوية المغبوطة مَن كدّه الضجر أو انتابه اليأس أو الحزن أو قسوة القلب، فإنّ كل الذين دنوا من القدّيس ميخائيل كانوا يُحمَلون على نخس القلب وينسون النوم ويخضعون للتحوّل المبارَك ليمين العليّ، ومن ثمّ ينطلقون إلى المعالي. هذا وقد ترك ميخائيل الشركة في عهدة أغابيوس، بعدما ضاق المكان بهم، وذهب بمعيّة أحد تلاميذه إلى بيثينيا. فلمّا وصل إلى جبل كيميناس الذي شهد بدايات جهاداته النسكية، وجد هناك مكاناً معزولاً فيه ماء فباشر بتأسيس لافرا جديدة لشركته. وكان أول ما شيّد كنيسة كبيرة لوالدة الإله. على هذا ساس ميخائيل إخوته كموسى جديد يوجّههم بالكتابة والقول في قواعد النسك والمؤسّسات الرهبانية. وقد نما عدد الرهبان لديه بسرعة. لم يكن يطيق رؤية محتاج دون أن يبادر إليه بالعون. لذلك وزّع كل ما للشركة حسنات وبنى مضافة عند أسفل الجبل. وبفضل أتعابه وصلواته تحوّلت البرّية إلى مدينة رغم هجمات الشيطان الذي لم يحتمل النار الخارجة من فم القدّيس كلّما صلّى. وكان ميخائيل دائم النظر، ليلاً ونهاراً، في الكتاب المقدّس، كما بلغ اللاهوى ومعاينة الأسرار الإلهية. وقد أسبغ عليه ربّه موهبة النبوءة وصنع العجائب. فتنبّأ باندحار البيزنطيّين أمام البلغار أيّام الإمبراطور قسطنطين السابع وسقوط رومانوس ليكابينوس. وبموهبة النبوءة هذه حفظ القدّيس رهبانه من التراخي وأعان الخطأة بينهم على التوبة. وإنّ واحداً منهم استبدّ به إبليس فعزم على قتل رجل الله. فلمّا دنا من قلاّيته ومعه سيف في يده، وكان القدّيس يصلّي، ونار اللاهوت عليه، تسمّر في مكانه دهشاً. إذ ذاك ناداه رجل الله من الداخل وقال له: “ادخل وألقِ أرضاً بما تخفي”. فوقع المسكين عند قدمي رجل الله فصرفه وأوصاه بأن يحترس لنفسه لأنّ عليه بعد فترة وجيزة أن يؤدّي حساباً لله. وبالفعل رقد الراهب بعد ذلك بأربعين يوماً تائباً.
يُذكر أنّ القدّيس ميخائيل هو الذي تأثّر به أبراميوس في القسطنطينية لمّا التقاه. وأبراميوس هو مَن صار القدّيس أثناسيوس الآثوسي فيما بعد. أبراميوس تبع رجل الله ميخائيل إلى جبل كيميناس حيث تلقّى على يديه تنشئته الرهبانية الأولى. فلمّا أشرف قدّيسنا على الموت هرب أبراميوس لئلا يجعلوه رئيساً محلّه. وقد أخذ معه قبّعة أبيه فكان يلبسها في أيام الأعياد. خلال السنوات الخمسين من سعي القدّيس ميخائيل الرهباني لم يغيّر قانونه النسكي البتّة. كان دائماً ممتداً إلى الأمام. كان يبقى خمسة أيام في الأسبوع لا يتناول أيّ طعام. فلمّا دنت آخرته جعل صومه يمتد إلى اثني عشر يوماً خلال فترة الصوم الكبير. لباسه بقي إيّاه واحداً خشناً. ينام على مقعد لا ظهر له ولا يدان ولا يشاء أن يتمدّد على حصيرة إلاّ في حال المرض. رغم ذلك كان محبّاً للاحتفالات الكنسيّة. أيّام الأعياد السيديّة كان يُرى منشداً مع الإخوة طول الليل ووجهه ينضح بِشْراً. على هذا النحو، بعدما عاش صنواً للملائكة رقد بسلام في الربّ في 12 تمّوز سنة 961 م.