في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدِّيس البارّ باتابيوس المصري .*القدِّيسون الرّسل سوستانيس وأبلّس وصفا وتيخيكوس وقيصر وأبفرودتس .*الأب الجليل في القدِّيسين صفرونيوس أسقف قبرص .*القدِّيس البارّ كيرلّلس تْسَلْما الرّوسيّ.
✤ القدِّيس البارّ باتابيوس المصري✤
لا نعرف تماماً متى عاش القدِّيس بتابيوس. بعض الدارسين يجعل رقاده في القرن السابع الميلادي. ولد في صعيد مصر لعائلة تقية. أحسّ ببطلان العالم بقوة منذ نعومة أظفاره فمال عن الحياة الدنيا إلى الحياة الرهبانية الملائكية. خرج إلى الصحراء لا يدري كيف يتدبر ولا ماذا يعمل ولا إلى أين يتجه. شوقه أخرجه إليها كما أخرج الكثيرين من قبله. وهج النور الإلهي الساكن في مقتحمي البرّية الأبرار، في تلك الأيّام، جذب الكثيرين إليها. وإذ ألقى بتابيوس بنفسه في أحضان الصحراء ظنّ، بكل بساطة، أنه إنما يلقي بنفسه، بالإيمان، في أحضان الله الحي. ولم يخيبه ربه، لأن من قال: “كل من يأتي إليّ لا أطرحه خارجاً”، و “لا أهملك ولا أتركك”، تلقّف عبده برحمته ورعاه بحنانه، فنما بتابيوس في النعمة والقامة وتكمّل في الهدوء وكل فضيلة وماثل المعلم في الوداعة وتواضع القلب، فمّن عليه المعلم بمواهب جمّة حتى صار منارة لكثيرين ومشفى لأدواء العديدين. وسطع نور الرَّبّ في عبده فاهتدى إليه الناس وصاروا يتدفّقون عليه. وخشي باطابيوس، من كثرة المقبلين إليه، أن يخسر سيرة الهدوء والصلاة المستمرة ففكر بالانتقال إلى مكان آخر لا يدري بأمره فيه أحد. ولكن، إلى أين؟ إلى عمق الصحراء؟ كلا، بل إلى عمق المدينة وصحراء الغربة فيها، إلى المدينة المتملكة، القسطنطينية! هذا ما أوحت به إليه عناية ربّه فانتقل إلى موضع قريب من كنيسة السيدة في ناحية بلاشيرن المعروفة في قلب القسطنطينية. نعِم قدّيسنا بالهدوء في “برّية القسطنطينية” ردحاً من الزمان. قسى على نفسه فيها أكثر من ذي قبل. عاد لا يبالي بالكلية لا بطعام ولا بلباس. صار كملاك في الجسد. وقد تقدّم في صلاة القلب إلى حد أنه تمكّن، بنعمة الله، من الارتقاء إلى السموات ومعاينة القوّات العلوية تمجّد الله على الدوام.
شفاء الأعمى: يحكى أن شاباً تقياً فاضلاً كان أعمى منذ مولده. هذا سمع بفضائل القدِّيس ونعمة الله عليه. فقدم إليه وفعل ما فعله أعمى أريحا (مرقس64:10…) لما درى بمرور السيد بقربه. أخذ الشاب يصرخ إلى القدِّيس: “ارحمني يا ابن النور والنعمة، ارحمني باسم الرَّبّ! أنر عينيّ لأتمكن، أنا غير المستحق، من رؤية خليقة الله وشكره عليها!”. فتحنّن عليه القدِّيس ورثى لحاله. وإذ عرف بروحه أن له إيماناً ليشفى، سأله، عن تواضع، مريداً أن يعطي المجد لله: “ما الذي تراه فيّ، يا بني، لتسألني أن أشفيك مع أن الله وحده الشافي؟”. فأجابه الشاب بدموع: أنا واثق يا أبي أنك قادر أن تفتح عينيّ لأنك خادم لله! إذ ذاك رفع القدِّيس صوته قائلاً له: باسم الرَّبّ يسوع المسيح الذي يرّد البصر للعميان ويقيم الموتى ليَعدْ إليك نور عينيك! فلما قال هذا انفتحت للحال عينا الأعمى وأبصر كل شيء من حوله بوضوح. فمجّد الله بفرح عظيم، وكذا فعل الحاضرون، وتعجبوا بالأكثر لأنهم كانوا يعلمون أن الإنسان الذي جرت له الآية أعمى منذ مولده.
رجل ممعود: كان رجل يعاني من انتفاخ مؤلم في معدته فعرض نفسه على أطباء كثيرين فلم ينتفع شيئاً. أنفق كل ما كان له ولم يجد أحد علاجاً لحاله، لا بل ساء وضعه وانحبست المياه في بدنه وانتفخ كله. فلما يئس من عون الناس ذهب إلى قديس الله فألفاه القدِّيس في أسوأ حال لأن جلده كان قد أضحى كجلد الماعز وكان يعاني آلاماً فظيعة. فصلّى القدِّيس بدموع ورسم عليه إشارة الصليب ودهنه بالزيت المقدس قائلاً له: الرَّبّ الإله يشفيك اليوم برحمته، يا بني! وللحال انفتحت مسام جلده وخرجت منها مياه قذرة كريهة الرائحة واستمرت كذلك إلى أن شفي تماماً. ففرح وشكر ومجّد الله كثيراً.
الشاب والروح الخبيث: كان في شاب روح خبيث تسلّط عليه بالكلية، فكان يمزّق ثيابه ويركض عرياناً. وكان الروح الخبيث يدفعه إلى النار والماء ليميته فصار في خطر مبين. وحدث أن سار الروح الخبيث بالشاب مرة إلى البحر ليلقيه فيه. وفي الطريق،مرّ بالقدِّيس. فلما عاين الروح الخبيث رجل الله صرع الشاب للحال واهتاج فيه حتى صارت عينا الشاب تتحركان بتوتر في كل اتجاه وتنقلبان وأخذ يتمرّغ ويُزبد ويصرّ بأسنانه. فدنا منه قديس الله، فاضطرب الروح الخبيث بالأكثر، وسُمع يقول: ما هذه المصيبة التي حلّت بي؟! أإلى هنا أتى باطابيوس أيضاً؟! إلى أين أذهب بعد اليوم؟! إلى أين أهرب منك أيها الناصري؟! أذهب إلى الصحراء فتطردني! أذهب إلى المدينة فتخرجني! وأنا بعلامة الصليب أُضرب وأتحطّم! ولما تلفّظ الروح الخبيث بهذه الكلمات رفع الشاب في الهواء وأخذ يخبطه. إذ ذاك رفع القدِّيس يمينه ورسم إشارة الصليب في الهواء قائلاً: اخرج أيها الروح الخبيث من هذا الشاب إلى البرّية ولا تعد إليه! الرَّبّ يسوع المسيح يأمرك بي، يا من تعترف بقوته مرغماً! ولما قال قديس الله هذا سقط الشاب أرضاً وخرج منه الروح الخبيث كغيمة دخان. فبكى الشاب من الفرح ومجّد الله وشكر قديسه.
سرطان الثدي: امرأة كانت تعاني من سرطان الثدي ساءت حالها جداً وأخذ الدود يخرج من صدرها. كانت قد أنفقت كل معيشتها على الأطباء ولم تستفد شيئاً. لم تعد لها طاقة على الحياة فطلبت الموت. هذه سمعت بالقدِّيس باطابيوس فذهبت إليه وسجدت عند قدميه وتوسلت إليه: اشفني يا خادم الله أنا البائسة! ارأف بي أنا الشقية! حتى قبل أن أسكن القبر يأكلني الدود! وأنا في أوجاع لا تطاق! فقال لها القدِّيس: إذا كان لك إيمان بالرَّبّ يسوع ولا تشكّين فهو يشفيك! فتنهدت المرأة بدموع وقالت له: أؤمن بالرَّبّ يسوع القادر على كل شيء وأومن بأنه رحيم وهو يشفيني! فسألها القدِّيس أن تريه موضع المرض، فأرته إياه فتعجّب وقال لها: مرضك صعب يا امرأة، ولكن بالإيمان كل صعوبة تهون. لذلك أقول لك اذهبي بسلام. أنت منذ الآن معافاة من دائك. فشفيت المرأة من ساعتها وذهبت تمجّد الله بفرح عظيم. ولم تترك أحداً مرّت به إلاّ أخبرته بما فعل لها رجل الله حتى شهرته بين الناس.
رقاده: كان رقاد القدِّيس، كما يبدو من سيرته، في أحد الديورة لأن الذين اجتمعوا إليه ليودعوه كانوا من النسّاك. كانوا شديدي الحزن على قرب مغادرته لهم. فما كان منه سوى أن عزّاهم وكلّمهم عن الحياة الأبدية وسألهم الصلاة عنه وعن أنفسهم. ولما استكمل كلامه استودع روحه بين يدي الله بسلام وفرح. وقد دفن في كنيسة القدِّيس يوحنا المعمدان.
ملاحظة: يذكر بعض الدارسين أن رفات القدِّيس باطابيوس ضاعت في القرن العاشر للميلاد، وبقيت قروناً طويلة لا يدري بأمرها أحد إلى أن جرى الكشف في كنيسة دير صفير في قمة جيرانيا، فوق لوتراكي القريبة من مدينة كورنثوس، عن رفات قدّيس اسمه باطابيوس ظُنّ أنه إياه من نحتفل بعيده اليوم. هذا حدث سنة 1904 م. ويقال إن الرفات كانت كاملة وكأن صاحبها دفن هناك. وقد خرجت منها رائحة طيب سماوية وكان بقربها جلد كتب عليه اسم القدِّيس صاحبها. ولكن كيف وصلت رفات القدِّيس إلى قمة جيرانيا؟ هل يعقل أن يكون قد رقد ودفن في هذا الدير الصغير؟ ربما هو قديس آخر يحمل الاسم نفسه! كل هذا مطروح للبحث. ويبقى أنه منذ أن تمّ الكشف عن الرفات أجرى الله بها عدداً من الأشفية، فصار المكان محجة. وقد نشأت فيه شركة رهبانية نسائية سنة 1953 ما زالت مزدهرة إِلى اليوم