في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهيدان ثيودورة وديديموس .*القدّيسة البارّة ثيودورة التّسالونيكيّة .*الشّهيد ترموس .*الشّهيد بومبيوس .*الشّهيد زينون .*الشّهيدان مكسيموس وترانتيوس .*الشّهيدات العذارى الخمس .*الشّهداء الأفارقة .*القدّيس البارّ بيكان الإيرلنديّ .*الجديد في الشّهداء جاوجيوس، أفسس الجديدة .*الجديد في الشّهداء بنايوتيس الدّمشقيّ.* الشهداء كلاوديوس وديودورس ورفقتهما.
* * *
✤ القدّيس الجديد في الشهداء جاورجيوس أفسس الجديدة (+ 1801م)✤
وُلد في أفسس الجديدة، في آسيا الصغرى. تزوّج وأنجب سبعة أولاد. في أحد الأيّام من العام 1798م سكِر وكفر بإيمانه بالمسيح وصار مسلماً. فلما عاد إلى صحوته أدرك جسامة ما فعل. وإذ انتابته موجة من الخجل، أنكر الإسلام وانتقل بحراً إلى جزيرة ساموس.
أثناء غيابه، تمكّن المؤمنون، في أفسس الجديدة، من الحصول على إذن السلطات العثمانية لبناء الكنيسة، الأمر الذي كان صعباً، لأن العادة كانت أن يُمنَع المسيحيون من بناء كنائس جديدة أو ترميم القديمة. لهذا السبب أثار الإذن غيظ عامة المسلمين فعمدوا إلى اتهام المسيحيّين بالسعي إلى التخلّص من جاورجيوس لنكرانه الإيمان المسيحي ثم إيداع بقاياه في أساسات الكنيسة الجديدة. في تلك الأثناء، جرى التعرّف على جاورجيوس في ساموس وأُعيد، عنوة، إلى أفسس الجديدة. هناك جرت ختانته وجُعل حافظاً لأحد الجوامع. لازم المكان لبعض الوقت، لكن ضميره أخذ يؤنّبه. بعد عشرة أشهر تمكّن من الإبحار مجدّداً إلى جزيرة ساموس. أخذ يتنقّل بين ساموس وباتموس. وبعدما فكّر في حاله مليّاً بات في جحيم. تاب وذرف دموعاً سخية. اعترف بخطيئته متذكِّراً كلمات الرب يسوع: “مَن يُنكرني قدّام الناس أُنكره، أنا أيضاً، قدّام أبي الذي في السماء” (متّى 10: 33). ثم قرّر ان يقتبل الشهادة.
وقف أمام والي ساموس واعترف بالمسيح إلهاً أوحد مقبِّحاً الإسلام. ضُرب، بلا هوادة، وأُلقي في السجن. بعد ذلك بقليل تمكّن بعض أعيان الرعية المؤمنة، في الجزيرة، من إطلاق سراحه، مستعينين بما لديهم من نفوذ ولا سيما المال. عاد جاورجيوس إلى أفسس الجديدة فكان أوّل ما فعله أن رحّل عائلته لئلا ينتقم منها الأتراك. ولثلاثة أيام وذهب فجلس عند شجرة كان القدّيس الشهيد الجديد بوليدوروس قد شُنق عليها آملاً في أن يراه المسلمون ويستاقوه إلى القاضي. لكنّ شيئاً من هذا لم يحدث. فذهب إلى مقهى محلّي وأمل في إغاظة صاحبه. هناك، أيضاً، لم يحدث شيء. أخيراً قرّر أن يضع حدّاً لمأساته فتوجّه إلى مقر القاضي واعترف بإيمانه بيسوع المسيح. حدث ذلك يوم الأربعاء، الثالث من نيسان 1801م.
سأل القاضي جاورجيوس ماذا يريد، فأجاب “كنت أملك درّة ثمينة جداً، وأنتم، المسلمين، اختلستموها مني، وأعطيتموني عوضاً عنها واحدة مزيّفة. فدونكم درّتكم وردّوا إليّ درّتي”. فلما قال هذا رفع لباس رأسه المسلم وطرحه أرضاً.
سأله القاضي مَن يكون وما قضيّته فأجاب: “كنت مسيحياً أرثوذكسياً فصرت مسلماً، وفي ظنّي أن طريقتكم نظيفة لا عيب فيها. لكني أدركت أنها ليست كذلك وكلّها أشواك. لهذا السبب جئت أعترف أمامكم أني كنت ولا أزال مسيحياً أرثوذكسياً بنعمة الله.
فسأله القاضي: وكيف صرت مسلماً؟
فأجاب: بإرادتي دونما إكراه.
فأردف الوالي: أسكران أنت أم معتوه؟
فأجاب: لا أنا سكران ولا معتوه بل أملك قواي العقلية كاملة ولمّا أحتسي الخمرة. فقط أدركتُ واقتنعت أن إيمانكم ليس من الله وإيماني مقدّس طاهر. لهذا أقول وأُعلن أني كنت ولا زلت مسيحياً أرثوذكسياً. واسمي جاورجيوس. اغتاظ القاضي لجواب القدّيس وأمر بتقييده وسجنه. لفّوا حول عنقه سلسلة حديدية ثقيلة وجعلوا رجلَيه في المقطرة، كما عذّبوه الليل بطوله. ويوم الخميس مساء ذهب إليه الأتراك ودعوه للشهادة لنبي المسلمين فيما وعده آخرون بمال جزيل وهدّده سواهم. جواب جاورجيوس اليتيم كان: أنا مسيحي أرثوذكسي ومنيتي أن أموت مسيحياً أرثوذكسياً. موقف جاورجيوس الثابت أغاظ معذبيه بالأكثر فعصروا خصيتيه ومزّقوا لحمانه بمسامير آملين في إخضاعه، دون جدوى.
يوم الجمعة اجتمع العديدون في غرفة المحكمة وأُتي بجاورجيوس مقيَّداً. قال له المفتي: هيا، يا بنيّ، قل إعلان الإيمان ثم اذهب إلى حيث تشاء وكن ما تشاء، مسلماً أو رومياً. جواب جاورجيوس كان: أنا مسيحي أرثوذكسي وأطلب إيماني.
أحد المسلمين قال: ليس الخطأُ خطأَه بل خطأ كهنتهم الذين يعلّمونهم أن عليهم أن يعودوا إلى الموضع الذي أنكروا فيه إيمانهم ليعترفوا به. قال المفتي: لا نُسلمن هذا للشنق بل للسيف. ثم التفت إلى جاورجيوس وسأله: أيهما أكثر التسعة والتسعون أم المائة؟ فأجاب: يا إلهي ما تسأله حتى الأطفال يعرفونه! والحقّ أن المفتي طرح السؤال آملاً في أن يعطي جاورجيوسُ الجواب المخطئ، إذن لأعلنه فاقد الرشد وأطلق سراحه. ولكن، لأن جاورجيوس لم يكن ليغيِّر رأيه لذا حُكم عليه بالموت بقطع الهامة. للحال أخذوه بوحشية إلى مكان الإعدام حيث أركعوه ولوّح الجلاّد بالسيف في الهواء ليُرهب القدّيس فما ارتهب.
حتى، في تلك اللحظات حاول مسلم آخر أن يستعيد جاورجيوس فهمس في أذنه: ألستَ آسفاً لفقدان حياتك؟ فقط أدّ تصريحاً ثم اذهب وعش كما تشاء. فعاد جاورجيوس ليقول: أنا مسيحي أرثوذكسي وأُدعى جاورجيوس ولست بحاجة لنصيحتك. وللمرّة الأخيرة سأله الجلاّد ما إذا كان مستعداً لأن يؤدّي الشهادة، فردّ بحميّة: أنا مسيحي أرثوذكسي! فطلب الجلاّد أن يطأطئ القدّيس رأسه ففعل والفرح مرتسم على محيّاه. إذ ذاك نزل السيف عليه بقوّة وحسَم هامته.
في تلك الليلة تلألأ جسد الشهيد ضياء. في اليوم التالي، الذي هو السبت، أُحيط القاضي علماً بما جرى فأمر حافِظَين للأبواب بمعيّة بعض المسيحيّين الأرثوذكسيين أن يواروا جاورجيوس الثرى في المدفن ذاته الذي أُلقي فيه الشهيد الجديد بوليدوروس. وقد انتهز العديد من المؤمنين الفرصة وأخذوا نتفاً من رفاته طالبين شفاعته. وإن عجائب جمّة جرت بهذه الرفات. هكذا تكمّلت شهادة القدّيس جاورجيوس أفسس الجديدة للرب يسوع المسيح يوم الجمعة الخامس من شهر نيسان، عند الساعة الثالثة من بعد الظهر، من السنة 1801م.